من العادة أن يتهادي الناس في أعياد الميلاد.. لكن في كل الأحوال يكون المحتفل بعيد ميلاده هو الذي يتلقي الهدايا من محبيه وليس العكس.. ولكن ما فاجأنا به الرئيس عبد الفتاح السيسي يستحق مني كل الاحترام والتقدير.. ففي عيد ميلاده.. أهدانا وأهدي مصر كلها.. وأهدي أولادنا وأحفادنا هدية عظيمة نقلت مصر ألف خطوة إلي الأمام. ربما لا ندرك الآن حجم تلك الهدية أو قيمة هذا الانجاز الرائع الذي تحقق في زمن قياسي وفي ظروف بالغة التوتر وفي ظل تطورات تتلاحق في كل يوم معظمها مقلق أو محزن أو ينبئ بكارثة. أما عن الهدية فهي توقيع عقد تنفيذ أول محطة لانتاج الكهرباء من الطاقة النووية.. وهو ما نطلق عليه الاستخدام السلمي للطاقة التي أذهلت العالم وأقلقته وأخافته بعدما استخدمتها دول كبري في الحرب والدمار وأبادت بها مدنا بأكملها.


والغريب أن تلك الدول التي ارتكبت الفظائع باسم الطاقة النووية.. هي التي تضع نفسها حكما بين الدول.. وتحتفظ لنفسها بسر الطبخة .. وتحرم أي دولة من الدخول إلي تجمع الدول المستخدمة لها حتي ولو سلميا. ولم تترك الدول الخمس الكبري إلا الهند وباكستان في السبعينيات زمن الحرب الباردة علي طريقة « سيب وأنا أسيب « بين أمريكا والاتحاد السوفييتي.. ثم اسرائيل التي أصبحت منذ إنشائها دولة نووية عسكريا وليس سلميا.. بمباركة دولية.


كانت مصر قد أدركت مبكرا الدور الذي يمكن أن تلعبه الطاقة النووية في حل مشكلتين كبيرتين نعاني منهما وهما توفير الطاقة الكهربية اللازمة للصناعة وتوفير المياه العذبة اللازمة للزراعة.. وكلاهما يعني الحياة.. ويعني التقدم والازدهار. بدأت مصر منذ الستينيات من القرن الماضي في إنشاء أول محطة نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، وقد تصدت إسرائيل للبرنامج النووي المصري منذ بداياته بكل الوسائل بما فيها العدوان العسكري عامي 1956 و1967 الذي كان من بين أهدافه العديدة تدمير البرنامج النووي المصري لمنع استخدام تلك الطاقة بأي شكل.. والاحتفاظ بتفوقها العسكري النوعي وتقدمها التكنولوجي علي كل جيرانها من الدول العربية.. لتكون هي الوحيدة واحة التفوق والتقدم في المنطقة.


وكلما حاولت مصر.. أو حتي فكرت في استكمال مشروعها النهضوي الكبير.. تتحرك اسرائيل في كل المجالات ومن ورائها التابعة أمريكا وكل من يدور في فلكها الشيطاني. مدعية أن البرنامج السلمي المعلن ما هو إلا غطاء لبرنامج عسكري وشنت حملة منظمة مثل تلك الحملة التي نجحت فيها ضد إيران واستمرت سنوات انتهت باتفاق دولي وتعهد إيراني بالالتزام بالبرنامج السلمي وقبول التفتيش الدولي.


ويتححج العالم دائما بأن الطاقة النووية ملوثة للبيئة وأن دول العالم تتراجع عن استخدامها، وإثارة المخاوف من وقوع حوادث نووية والزعم باستحالة التشغيل الآمن للمحطات النووية، ومن إمكانية التخلص الآمن من النفايات النووية، والزعم بوجود مخاطر من التعرض الطويل للإشعاع منخفض الشدة، والتشكيك في اقتصادياتها.. كما يزعم الخبراء الذين تستأجرهم اسرائيل بالتشكيك في صلاحية موقع الضبعة لإنشاء محطات نووية رغم الدراسات المستفيضة التي أجريت عليه من أواخر السبعينيات، بزعم أن أي تسرب في المحطة النووية سيؤدي إلي فناء مصر كلها، أو أن التربة غير مناسبة، وأنه من الأفضل نقل المشروع النووي إلي مكان آخر علي ساحل البحر الأحمر (النشط زلزاليا) أو شرق العريش (منزوعة السلاح ).. وهي كلها بشهادة الخبراء مزاعم غير صحيحة.


وفوق كل ذلك يزعمون بعدم قدرة المصريين علي إدارة المحطة رغم أن العلماء المصريين يعملون بكفاءة في هذا المجال منذ عقود في دول مختلفة ويكفي أن نقول إن اسرائيل هي من قتلت أبرز العلماء المصريين في هذا المجال أذكر منهم العالمة سميرة موسي والدكتور المشد.


المهم أيضا في هدية الرئيس هو توقيتها الذي تزامن مع بوادر توتر بين مصر وروسيا بعد حادث سقوط طائرة السائحين الروس في سيناء وما تبعها من إجراءات أثرت بشكل مباشر علي صناعة السياحة ودخل مصر وعشرين مليون مصري منها.. وبشكل غير مباشر علي العلاقات المصرية الروسية التي عادت في الشهور الأخيرة لتعيد التوازن إلي العلاقات الدولية المصرية التي ارتمت في أحضان الغرب الباردة.


شكرا للهدية.. ولكن المصريين سوف يردونها.