الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى


خواطر الإمام الشعراوي.. القرآن نزل على فترات تثبيتا للرسول

الأخبار

الخميس، 04 نوفمبر 2021 - 07:51 م

يقول الحق فى الآية 51 من سورة القصص: «وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»..كلمة «وَصَّلْنَا..» تُشعر بأشياء، انفصل بعضها عن بعض، ونريد أنْ نُوصِّلها، فقوله تعالى: «وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» أى: وصَّلنا لهم الرسالات، فكلما انقضى عهد رسول وكفر الناس أتاهم الله برسالة أخرى ليظلَّ الخَلْق مُتصلِين بهدى الخالق وبمنهجه، أو: أن الأمر خاصٌّ برسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى وصَّلنا له الآيات، فكلما نزل عليه نجم من القرآن وصَّلنا بنجم آخر حسب الأحداث.

لذلك كانت هذه المسألة من الشبهات التى أثارها خصوم رسول الله، حين قالوا كما حكى عنهم القرآن «وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً...» «الفرقان: 32» فردَّ عليهم القرآن ليبين لهم حكمة نزوله مُنجَّماً: «كَذَلِكَ...» أي: أنزلناه كذلك مُنجَّماً «لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً».
فلو نزل القرآن جملة واحدة لكان التثبيت لرسول الله مرة واحدة، وهو محتاج إلى تثبيت مستمر مع الأحداث التى سيتعرَّض لها، فيوصل الله له الآيات ليظل على ذَكْر من سماع كلام ربه كلما اشتدتْ به الأحداث، فيأتيه النجم من القرآن لَيُسلِّيه، ويُسرِّى عنه ما يلاقى من خصومه.

وحكمة أخرى فى قوله:«وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً»  «الفرقان: 32» فكلما نزل قِسْط من القرآن سَهُلَ عليهم حفظه وترتيبه والعمل به، كما أن المؤمنين المأمورين بهذا المنهج ستستجد عليهم قضايا، وسوف يسألون فيها رسول الله، فكيف سيكون الجواب عليها إنْ نزل القرآن جملة واحدة.

لا بُدَّ أن يتأخر الجواب إلى أنْ يطرأ السؤال؛ لذلك يقول تعالى: «وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً» «الفرقان: 33»، وقد ورد الفعل يسألونك فى القرآن عدة مرات فى سور شتى، فكيف تتأتى لنا الإجابة لو جاء القرآن كما تقولون جملة واحدة، ثم سبحان الله هل اطقتموه مُنجمَّاً حتى تطلبوه جملة واحدة؟
ثم تختم الآية بحكمة أخرى:«لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» «القصص: 51» فكلما نزل نجم من القرآن ذكَّرهم بما غفلوا عنه من منهج الله.
ثم يقول فى الآية 52 من سورة القصص: «الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ»، كأن الحق تبارك وتعالى يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: سأجعل خصومك من أهل الكتاب هم الذين يشهدون بصِدْقك؛ لأنهم يعرفونك كما يعرفون أبناءهم، وما جاء فى كتابك ذُكرَ فى كتبهم وذكِرت صورتك وأوصافك عندهم.

لذلك تجد آيات كثيرة من كتاب الله تُعوِّل على أهل الكتاب فى معرفة الحق الذى جاء به القرآن، يقول تعالى: «وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب» «الرعد: 43» فهم أيضاً شهداء على صدق رسول الله بما عندهم من الكتب السابقة فاسألوهم.

ويقول تعالى: «بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا والآخرة خَيْرٌ وأبقى إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى» «الأعلى: 16-19»، ويقول سبحانه: «وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ...» «آل عمران: 199».

وإلا، فلماذا أسلم عبد الله بن سلام وغيره من علماء اليهود؟
إذن: أهل الكتاب الصادقون مع أنفسهم ومع كتبهم لابد أنْ يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، أما الذين لم يؤمنوا فحجبتهم السلطة الزمنية والحرص على السيادة التى كانت لهم قبل الإسلام، سيادةً فى العلم، وفى الحرب، وفى الثروة.

وكان من هؤلاء عبد الله بن أُبَيٍّ، وكان أهل المدينة يستعدون لتنصيبه مَلِكاً عليهم، فلما هاجر سيدنا رسول الله إليها أفسد عليهم ما يريدون، ونزع منهم هذه السيادة، والسلطة الزمنية حينما تتدخل تعنى أن يشترك هوى الناس فيستخدمون مرادات الله لخدمة أهوائهم، لا لخدمة مرادات الله.

ثم يقول الحق سبحانه فى الآية 53 من سورة القصص: «وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ»، هؤلاء المؤمنون من أهل الكتاب إذا يُتْلَى عليهم القرآن قالوا: آمنا به، وشَهِدوا له أنه الحق من عند الله، وأنهم لم يزدادوا بسماع آياته إيماناً، فهم كانوا من قبله مسلمين، فقد آمنوا أولاً بكتبهم، وآمنوا كذلك بالقرآن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة