أصحاب الأجرين
أصحاب الأجرين


خواطر الشيخ الشعراوي | من أصحاب الأجرين؟

الأخبار

الخميس، 11 نوفمبر 2021 - 08:40 م

يقول الحق فى الآية 54 من سورة القصص: «أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ»..الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يُعلِّمنا أن الذى يريد ديناً حقاً لابد أن ينظر إلى دين يأتى بعده بمعجزة، لأنه إذا كان قد آمن حين يجيء بعد عيسى رسول، فوجب عليه أنْ يبحث فى الدين الجديد، وأنْ ينظر أدلة تبرر له إيمانه بهذا الدين.

هذا إذا كان الدين الأول لم يتبدَّل فإذا كان الدين الأول قد تبدَّل  فالمسألة واضحة؛ لأن التبديل يُحدث فجوة عند مَنْ يريد ديناً «الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبى الأمى الذى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِى التوراة...» «الأعراف: 157».آمنوا به؛ لأنهم وجدوا نَعْته 
.

ووجدوا العقائد التى لا تتغير موجودة فى كتابه وهو أُميٌّ لم يعرف شيئاً من هذا فأخذوا من أميته دليلاً على صِدْقه.. فقوله تعالى: «أولئك...» «القصص: 54» أي: أهل الكتاب الذين يؤمنون بالقرآن وهم خاشعون لله والذين سبق وصفهم «أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ...» أجر لإيمانهم برسلهم وأجر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.. لذلك جاء فى الحديث الشريف: (ثلاثة يُؤْتَوْن أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه مثل آمن بي وعبد مملوك أدى حق الله وأدى حق أوليائه ورجل عنده أَمَة- جارية- فأدَّبها فأحسن تأديبها فأعتقها بعد ذلك ثم تزوجها).

وهؤلاء الذين آمنوا برسلهم ثم آمنوا برسول الله استحقوا هذه المنزلة ونالوا هذين الأجرين لأنهم تعرضوا للإيذاء ممَّنْ لم يؤمن فى الإيمان الأول ثم تعرَّضوا للإيذاء فى الإيمان الثاني فصبروا على الإيذاءين 
وهذه هى حيثية «يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ...».

وكما أن الله تعالى يُؤتِى أهلَ الكتاب الذين آمنوا بمحمد أجرهم مرتين كذلك يُؤتى بعض المسلمين أجرهم مرتين 
ومنهم كما بيَّن سيدنا رسول الله: (عبد مملوك أدى حق الله وأدَّى حق أوليائه ورجل عنده أَمَةٌ...).. ولا يُحرم هذا الأجر الدين الذى باشر الإسلام وأتى قبله وهو المسيحية فلهم ذلك أيضاً لذلك يقول تعالى:» لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات 

وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ...» «الحديد: 25» 
وأهم هذه المنافع «وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغيب...» وذكر الحديد لأن منه سيصنع سلاح الحرب.. وقد كنا فى بلد به بعض من إخواننا المسيحيين وكان من بينهم رجل ذو عقل وفكر كان دائماً يُواسى المسلمين 

ويحضر مآتمهم ويستمع للقرآن وكانت تعلَق بذهنه بعض الآيات فجاءنى مرة يقول: سمعت المقرئ يقرأ: «وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» «الأنبياء: 107». أفليس نحن من العالمين قلت له:

نعم أُرسِل محمد رحمة للعالمين جميعاً فمَنْ آمن به نالته رحمته ومَنْ لم يؤمن به حُرِم منها ومع ذلك لو نظرتَ فى القرآن نظرة إمعانٍ وتبصُّر تجد أنه رحِم غير المؤمن قال: كيف؟ فقرأتُ له قوله تعالى: «إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس...» «النساء: 105» 

ولم يقل بين المؤمنين «بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً».. فمن رحمة الرسول بغير المؤمنين أنْ يُنصف المظلوم منهم وأنْ يردَّ عليه حقَّه ثم «واستغفر الله إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً» لأن الله لا يحب الخوَّان الأثيم 

ولو كان مسلماً.. ثم ذكرتُ له سبب نزول هذه الآية وهى قصة الدرع التى أودعها اليهودى زيد بن السمين أمانة عند طعمة بن أبيرق المسلم وكانت الدرع قد سُرِقت من قتادة بن النعمان فلما افتقدها قتادة ذهب يبحث عنها 

وكان قد وضعها فى كيس من الدقيق فتتبع أثر الدقيق حتى ذهب إلى بيت زيد بن السمين اليهودى فاتهمه بسرقتها 

وأذاع أمره بين الناس فقصَّ اليهودى ما كان من أمر طُعْمة بن أبيرق وأنه أودع الدرع عنده على سبيل الأمانة؛ لأنه يخشى عليها أنْ تسرق من بيته.. 

وهنا أحب المسلمون تبرئة صاحبهم؛ لأنه حديث عهد بإسلام وكيف ستكون صورتهم لو شاع بين الناس أن أحدهم يسرق ومالوا إلى إدانة اليهودي وفعلاً عرضوا وجهة نظرهم هذه على رسول الله ليرى فيه حلاً يُخرجه من هذا المأزق مع أنهم لا يستبعدون أنْ يسرق ابن أبيرق..

 

 

(الشيخ الشعراوى)

وجلس رسول الله يفكر فى هذا الأمر لكن سرعان ما نزل عليه الوحى فيقول له: هذه المسألة لا تحتاج إلى تفكير ولا بحث: «إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً».. فأدانت الآية ابن أبيرق ودلَّتْ على أن هذه ليست الحادثة الأولى فى حقِّه 

ووصفتْه بأنه خوّان أي: كثير الخيانة وبرَّأتْ اليهودي وصححتْ وجهة نظر المسلمين الذين يخافون من فضيحة المسلم بالسرقة وغفلوا عن الأثر السيئ لو قلبوا الحقائق 
وأدانوا اليهودي.. فالآية وإنْ أدانت المسلم إلا أنها رفعتْ شأن الإسلام فى نظر الجميع: المسلم واليهودى وكل من عاصر هذه القصة بل وكل من قرأ هذه الآية 

ولو انحاز رسول الله وتعصَّب للمسلم لاهتزتْ صورة الإسلام فى نظر الجميع. ولو حدث هذا ماذا سيكون موقف اليهود الذين يراودهم الإسلام وقد أسلموا فعلاً بعد ما حدث؟

اقرأ أيضا | الإمام الطيب: الله أنزل على نبيه تسع آيات في تبرئة يهودي مظلوم وإدانة مسلم ظالم

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة