د. مصطفى مشرفة
د. مصطفى مشرفة


أول جريمة سطو باللاسلكى فى مصر.. «الهيبز» يسرقون فيلا الدكتور مصطفى مشرفة 7 مرات!

أحمد الجمال

السبت، 13 نوفمبر 2021 - 10:05 ص

على طريقة أفلام السينما الأمريكية نفذ مجموعة من الشباب الهيبز أول جريمة فى مصر باستخدام أجهزة اللاسلكى قبل 50 عاماً، واعتُبِرت الجريمة الأولى من نوعها التى يعتمد فيها المجرمون على التكنولوجيا. والمفاجأة أن الفيلا التى سرقوها فى منطقة المعادى كانت ملك عالم الذرة الكبير الدكتور مصطفى مشرفة (1898-1950)، وكانت مغلقة لسنوات بعد اغتياله بسبب نزاع بين ورثة الرجل الملقب بـأينشتاين العرب.

قصة سرقة فيلا مشرفة تبدو مجهولة، فقد طواها النسيان، ولم تركز عليها الصحافة بالشكل الكافى وقت حدوثها، بل انصب التركيز على الجريمة باعتبارها الأولى من نوعها التى جرى تنفيذها باستخدام أجهزة اللاسلكى ومن جانب شباب مصريين وأجانب تأثروا بحركة االهيبزب التى خرجت من أمريكا فى سبعينيات القرن الماضى وانتشرت عالمياً.

تفاصيل الواقعة التى أثارت الدهشة وقتذاك نشرتها اآخرساعةب دون الإشارة فى العناوين إلى أن عملية السطو استهدفت بيت مشرفة، وأن أحد اللصوص كان يهدف إلى سرقة معمل الذرة الموجود داخل البيت، واكتفى الأستاذ رأفت بطرس محرر الحوادث الشهير بمجلة اآخرساعةب بتناول القضية من زاوية أسباب اتجاه الشباب للعمل الإجرامى، وفى السطور التالية نعيد نشر التحقيق بتصرفٍ محدود.

لأول مرة تحدث سرقة باللاسلكى فى مصر.. ولأول مرة تدخل التكنولوجيا فى وسائل السرقة وتطبق أساليب السينما الأمريكية على الطبيعة.. والذين طبقوا هذا الأسلوب مجموعة من االهيبزب فى المعادى درسوا من الأفلام طرق الجريمة ونفذوها.. حصلوا على جهاز اللاسلكى وأتموا اتصالاتهم عن طريقه خلال تنفيذ الجريمة.

تبدأ القصة عندما كثرت بلاغات سرقات المساكن فى ضاحية المعادى، وكانت الحوادث جميعها تقع على الشقق والفيلات التى تركها أصحابها لسفرهم إلى الخارج.

وفى هدوء بدأت أجهزة البحث الجنائى تضع أمامها هذه التساؤلات: لماذا تركزت الحوادث فى ضاحية المعادى بالذات، ولماذا كانت منصبة على المساكن التى تركها أصحابها، ومن يقف وراء هذه الحوادث، هل هم لصوص محترفون، أم وجوه جديدة نزلت إلى السوق حديثاً؟!

وخرجت التساؤلات من الاجتماع الذى عقده اللواءات زكى علاّج ويونس الأنصارى وأحمد حلمى عزت والعقيد على حلمى والرائد عباس العاصى إلى بعض نقاط أهمها البحث فى سرية تامة عن مصدر هذه الحوادث خاصة أنها كادت تصبح ظاهرة تقلق الحى الهادئ.

شقة المعادى

وضع الرائدان سليمان مجدى وسامح توفيق خطة لمراقبة مساكن الضاحية بعد أن أشارت الدلائل إلى أن مرتكبى هذه الحوادث أغلب الظن من سكانها، وجاءت البوادر الأولية للمراقبة تقول إن هناك شقة فى شارع النادى تشهد كل ليلة سهرات صاخبة لبعض شباب الهيبز الذين تركوا سوالفهم وشعورهم وملابسهم بل وتصرفاتهم بدون ضابط أو رابط.

كما كشفت نتائج المراقبة أن هؤلاء الشباب يخضعون لسيطرة صاحب الشقة وزوجته الطالبة بأحد المعاهد. وبدأ خيط الشك يقوى، وبدأت التحريات تتجمع لتقول إن صاحب الشقة شاب فى مقتبل العمر يعمل محاسباً بوزارة الإسكان بمرتب لا يزيد على 17 جنيهاً، وأنه ينفق ببذخ ويستأجر الشقة التى تقام فيها السهرات بخمسة وعشرين جنيهاً فى الوقت الذى لا يوجد له أى مورد آخر.

وتكررت السهرات الحمراء وحلقات لعب القمار وكان أبطالها جمال على خليل الذى يعمل محاسباً بوزارة الإسكان وزوجته سحر التى تزوجها رغم معارضة أهله، وأربعة من شباب الهيبز المشهورين فى المعادى، اثنان مصريان هما على الخشت الطالب بمدرسة الدواوين الثانوية ومحمد الديب الطالب بمدرسة المعادى الثانوية، والآخران ألمانيان هما رودلف فيلاند زميل محمد الديب بالمدرسة والآخر آرثر كيزار الطالب بالمدرسة الألمانية.

مصدر الأموال

ووسط الحياة الصاخبة التى يعيشها جمال وزوجته سحر والشبان الأربعة بدأت المناقشات تدور حول موضوع واحد.. كيف يحصل هؤلاء الشباب على المزيد من المال لممارسة الانحراف والضياع؟! وكانت الإجابة على لسان قائدهم ومثلهم الأعلى الموظف، فقد قال لهم بالحرف الواحد إن الطريق الوحيد للحصول على مال هو السرقة، وتساءل الجميع: كيف؟! وردت زوجته سحر: نعم السرقة هى أقصر طريق للحصول على المال.

وسأل الجميع: كيف نستطيع السرقة دون أن ينكشف أمرنا؟ فقال جمال: نسرق الفيلات والمساكن التى تركها أصحابها وسافروا للخارج فهى مليئة بالمنقولات، ولن تنكشف السرقة إلا بعد رجوع أصحابها إليها وقد تطول غيبتهم سنوات.

وقبل أن تختمر الفكرة فى رأس الشبان الأربعة وقف آرثر الألمانى ليعلن صراحة أنه سرق فعلاً جهاز تليفون من إحدى الفيلات، وقد استرعى نظره تلك النفائس التى تحويها هذه الفيلا، وأسرع جمال يسأله عن عنوان هذه الفيلا ليبدأوا بها نشاطهم، وكانت إجابة آرثر هى الطريق إلى فيلا عالم الفيزياء الكبير الدكتور مصطفى مشرفة، وانفضت السهرة ليقوم جمال وعصابته بمعاينة الفيلا بعد أن علم أنها مغلقة منذ سنوات عديدة لنزاع بين الورثة.. وبقيت أمام العصابة مشكلة، كيف يمكنهم دخول الفيلا وسرقتها، دون أن يشعر بهم أحد.

من وحى الأفلام

ووسط تخبط أفراد العصابة كانوا جميعاً يشاهدون السينما، خرجوا من الفيلم الأول بعد أن شاهدوا عصابة تسرق بواسطة أجهزة اللاسلكى، وفى اليوم التالى ذهبوا إلى سينما أخرى، وكانت مفاجأة لهم أن يجدوا عصابة تستخدم اللاسلكى فى عمليات السطو، وتكررت فكرة استخدام اللاسلكى فى عمليات السرقة فى أربع أفلام شاهدوها على مدى أسبوع واحد فى القاهرة فى أربع دور عرض مختلفة.وبدأت فكرة الاستعانة باللاسلكى تختمر فى أذهان أفراد عصابة المحاسب، ولكن من أين تحضر العصابة مثل هذه الأجهزة اللاسلكية؟ ونهض على الخشت ليعلن المفاجأة المثيرة لزملائه.. أنه يملك جهازى لاسلكى أحضرتهما له أخته أثناء وجودها بألمانيا، وأن الجهازين صالحان للعمل.

معمل الذرة

وفى الصباح كانوا يعيدون مشاهدة أفلام الجريمة الأربعة التى تعرض فى القاهرة فى وقت واحد، وكانوا يتابعون الأفلام بنظرة المقلد والمستفيد وليس بنظرة المتفرج.. ورجع الجميع ليضع لهم جمال خطة التنفيذ العلمى للسرقة، ووفق ما شاهدوه فى الأفلام لن ينكشف أمرهم.

ولكن جمال لاحظ أن زميلهم وأصغر أفراد العصابة محمد الديب متردد وتخونه شجاعته وحداثة سنه من الاشتراك فيما تنوى العصابة سرقته، وبسرعة بديهية أخبره بأن الفيلا التى يعتزمون سرقتها، هى فيلا الدكتور مصطفى مشرفة العالم الكبير، وأنه علم عن طريق مصادر أكيدة أنها تحوى معملاً سرياً للذرة، وأن هذا المعمل بما فيه سيكون ملكاً خاصاً له.. وانصاع محمد الديب لوعود رئيس العصابة جمال، فقد كانت هوايته العلوم ويحلم بأن يكون مخترعاً، ووافق سريعاً على مشروع السرقة ليفوز بالمعمل السرى.

وفى الموعد المحدد للسرقة قسّم جمال العصابة إلى فريقين: الأول يقف خارج الفيلا لمراقبة الطريق وحمل المسروقات ويحمل معه جهاز لاسلكيا للاتصال بالفريق الثانى الذى يدخل الفيلا للسرقة، وعن طريق الاتصالات اللاسلكية بين الفريقين يتم تنيسق العمل.. وفعلاً وقف الفريق الأول فى الطريق برئاسة سحر زوجة جمال ودخل الفريق الثانى الفيلا برئاسة جمال، وتمت السرقة بنجاح مما جعلهم يسرقون نفس الفيلا سبع مرات!

وأخفى جمال وسحر بعض المسروقات فى شقتهما وباعا جزءاً آخر لبعض العملاء، والغريب أن جمال وزَّع على كل واحد من الشبان الأربعة عشرين جنيهاً فقط هى نصيب كل منهم من ثمن المسروقات التى قدرت بأكثر من ستة آلاف جنيه، ولم يكتف جمال بهذا بل أخذهم فى نفس اليوم إلى شقته ولعب معهم القمار واستولى منهم على النقود مرة أخرى.

من المسئول؟

وبعد أن عرفنا نشاط هذه العصابة وكيف تكونت فإن ثمة سؤالا حائرا: من المسئول عن انحراف أفراد هذه العصابة.. هل البيئة التى يعيشون فيها، أم أن هناك عوامل دفعتهم لارتكاب ما فعلوه؟

الرائد عباس العاصى، مفتش مباحث الجنوب، أرجع أسباب انحرافهم إلى تقصير جهات ثلاث، الأولى هى البيت، إذ تشير التحقيقات التى أجريت مع هؤلاء الشبان إلى ضعف الرقابة عليهم فى بيوتهم، بينما تقع المسئولية الثانية على المدرسة، فالمسئولون عن التلاميذ فى مدارسهم عليهم محاربة الانحرافات التى تظهر على التلاميذ، فليس معقولاً أن نترك شبابنا يقلدون الهيبز تقليداً أعمى بهذه الصورة التى انتشرت فى المدارس.

وأخيراً النادى فهو مسئول أيضاً عن محاربة أى ظواهر تبدو على أعضائه، خاصة الشباب، فإذا حارب المسئولون فيه بوادر الانحرافات فى مهدها لأمكننا إنقاذ الكثير منهم الذين تزدحم بهم الأندية.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة