سلمى قاسم جودة
سلمى قاسم جودة


لحظة وعى

سلمى قاسم جودة تكتب : رقص وأدب

آخر ساعة

السبت، 13 نوفمبر 2021 - 12:34 م

يتحرر‭ ‬الجسد‭  ‬من‭ ‬ثقل‭ ‬الثبات‭ ‬المكبِّل‭.. ‬ينطلق‭.. ‬يسيل‭.. ‬يبحر‭ ‬فى‭  ‬دوامات‭ ‬دوار‭ ‬ثمل‭.. ‬يتماهى‭  ‬بليونة‭ ‬مع‭ ‬النغم‭.. ‬مع‭ ‬الأثير‭.. ‬مع‭ ‬سر‭ ‬الليل‭.. ‬يمتزج‭ ‬بالنسيم‭ ‬المرصع‭ ‬بعطر‭ ‬أساور‭ ‬الياسمين‭ ‬الناصعة،‭ ‬لتشتعل‭  ‬الزرقة‭ ‬الليلية‭ ‬الخاملة‭ ‬عبر‭ ‬أروع‭ ‬حركة‭ ‬تتقنها‭ ‬الأجساد‭ ‬منذ‭ ‬الأزل‭ ‬وهى‭  ‬الرقص‭.. ‬عرفناه‭ ‬منذ‭ ‬الأزمنة‭ ‬الغابرة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬الفرعونية‭.. ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭.. ‬فى‭ ‬أفلام‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭.. ‬الدهبيات،‭ ‬المسرح‭ ‬والملهى‭.. ‬حافلة‭ ‬هى‭ ‬صفحات‭ ‬الأدب‭ ‬بالراقصات‭ ‬الملهمات‭ ‬فيتجمل‭ ‬التراث‭ ‬الإنسانى‭ ‬بفن‭ ‬حركة‭ ‬البدن‭ ‬الغارقة‭ ‬فى‭ ‬الفتنة،‭ ‬يحلق،‭ ‬يتمرد‭ ‬على‭  ‬الجمود‭.. ‬تقول‭ ‬تاييس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قصة‭ ‬أناتول‭ ‬فرانس‭ ‬التى‭ ‬ألهمت‭ ‬أيضا‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ "‬راقصة‭ ‬المعبد‭": "‬لقد‭ ‬فضلت‭ ‬دوما‭ ‬جنون‭ ‬الشغف‭ ‬على‭ ‬حكمة‭ ‬اللامبالاة‭".‬

 

أنا‭ ‬الآن‭ ‬فى‭ ‬روف‭ ‬فندق‭ ‬سميراميس‭ ‬الذى‭ ‬كان‭.. ‬طفلة‭ ‬مبهورة‭ ‬تقاوم‭ ‬النعاس‭ ‬بفعل‭ ‬الرهبة‭ ‬والمتعة،‭ ‬المكان‭ ‬يتوهج‭ ‬بفعل‭ ‬أضواء‭ ‬حمرة‭ ‬مذهبة‭ ‬تدلف‭ ‬الراقصة‭ ‬ناهد‭ ‬صبري،‭ ‬دخولها‭ ‬أشبه‭ ‬بعاصفة‭ ‬من‭ ‬الموسيقى‭.. ‬الطبول‭ ‬وحفيف‭ ‬غلائل‭ ‬الموسلين‭ ‬بلون‭ ‬البرتقال‭ ‬والذهب،‭ ‬بدلة‭ ‬الرقص‭ ‬الساطعة‭ ‬تضوى‭ ‬مطرزة‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬الأحجار‭ ‬اللامعة‭.. ‬أعوامى‭ ‬الشحيحة‭ ‬تخالها‭ ‬من‭ ‬الدر‭ ‬والجوهر،‭ ‬الراقصة‭ ‬المليحة‭ ‬تطلق‭ ‬صرخة‭ ‬حادة‭ ‬تشق‭ ‬صمت‭ ‬لهفة‭ ‬الانتظار،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬هى‭ ‬تحاكى‭ ‬سبية‭ ‬حسناء‭ ‬هاربة‭ ‬من‭ ‬وحشية‭ ‬قبيلة‭ ‬بدائية،‭ ‬ووجدت‭ ‬الملاذ‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬ومع‭ ‬تلك‭ ‬الجوقة،‭ ‬شاهدتها‭ ‬أيضا‭ ‬فى‭  ‬قلب‭ ‬طفولتى‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬زفاف‭ ‬ابنة‭ ‬العظيم‭ ‬محمد‭ ‬عبدالوهاب‭. ‬سالومى،‭ ‬كارمن،‭ ‬ماتاهاري‭. ‬جوزفين‭ ‬بيكر‭ ‬هن‭ ‬ملهمات‭ ‬أبديات‭ ‬للمبدعين‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭.‬

سالومى‭ ‬وتلك‭  ‬الرقصة‭ ‬المميتة‭.. ‬الغلائل‭ ‬السبع‭ ‬الحريرية‭ ‬المفضية‭ ‬إلى‭ ‬الغواية‭ ‬الشريرة،‭ ‬أفعى‭ ‬رقطاء‭ ‬تسعى‭ ‬وتتجرد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الفضائل،‭ ‬والثمن‭ ‬رأس‭ ‬يوحنا‭ ‬المعمدان،‭ ‬ألهمت‭ ‬حكايتها‭ ‬الناضحة‭ ‬باللعنات‭ ‬أوسكار‭ ‬وايلد،‭ ‬فكانت‭ ‬مسرحية‭ ‬سالومى،‭ ‬وجسدت‭ ‬شخصيتها‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬ريتاهيوارث،‭ ‬كما‭ ‬لعبت‭ ‬دور‭ ‬كارمن،‭ ‬عن‭ ‬قصة‭ ‬ميريميه،‭ ‬وهى‭ ‬بالمناسبة‭ ‬واقعة‭ ‬حدثت‭ ‬بالفعل‭ ‬ألهمت‭ ‬الأديب‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬المثير،‭ ‬ومرجعيته‭ ‬صفحة‭ ‬الحوادث‭.. ‬فهاهى‭ ‬الغجرية‭ ‬الساحرة‭ ‬تحترف‭ ‬الغواية‭ ‬وتدفع‭ ‬دون‭ ‬جوزيه‭ ‬العاشق‭ ‬إلى‭ ‬هاوية‭ ‬الهلاك،‭ ‬سوف‭ ‬يقول‭ ‬لها‭ "‬أنت‭ ‬الشيطان‭"‬،‭ ‬أما‭ ‬هى‭ ‬فلا‭ ‬تنكر‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يقتلها،‭ ‬أما‭ ‬الطريف‭ ‬أن‭ ‬ميريميه‭ ‬صرح‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬أنه‭ ‬لولا‭ ‬احتياجه‭ ‬لشراء‭ ‬بنطلونات‭ ‬لما‭ ‬كتب‭ "‬كارمن‭"‬،‭ ‬تلك‭ ‬القصة‭ ‬الرائعة‭ ‬الخالدة‭ ‬ألهمت‭ ‬أيضا‭ ‬الموسيقار‭ ‬بيزيه،‭ ‬الأوبرا‭ ‬البديعة،‭ ‬أما‭ ‬رقصة‭ ‬الغلائل‭ ‬السبع‭ ‬الحريرية‭ ‬لسالومى‭ ‬فشكلت‭ ‬أيضا‭ ‬المرجعية‭ ‬لأشهر‭ ‬جاسوسة‭ ‬عرفها‭ ‬التاريخ‭ ‬ماتاهارى،‭ ‬وكان‭ ‬مصيرها‭ ‬الإعدام،‭ ‬تلاها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬والأفلام‭ ‬وأشهرها‭ ‬الذى‭ ‬جسدته‭ ‬جريتاجاربو،‭ ‬أما‭ "‬الملاك‭ ‬الأزرق‭" ‬للأديب‭ ‬هنريك‭ ‬مان‭ ‬فقامت‭ ‬بالبطولة‭ ‬مارلين‭ ‬ديتريش،‭ ‬فهاهى‭ ‬الأنثي،‭ ‬المرأة‭ ‬الخطرة‭ ‬المدمرة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭  "‬femme fatale‭"  ‬التى‭ ‬تتسبب‭ ‬فى‭ ‬ضياع‭ ‬الرجل‭ ‬الفاضل،‭ ‬قام‭ ‬بتمصير‭ ‬القصة‭ ‬نجيب‭ ‬الريحانى‭ ‬فكان‭ ‬فيلم‭ "‬أحمر‭ ‬شفايف‭" ‬الذى‭ ‬شاركته‭ ‬فيه‭ ‬سامية‭ ‬جمال،‭ ‬أراها‭ ‬دوما‭ ‬تحاكى‭ ‬فراشة‭ ‬تصارع‭ ‬سكرات‭ ‬المغيب‭ ‬قبيل‭ ‬الاحتراق،‭ ‬هى‭  ‬أسيرة‭ ‬دوامات‭ ‬تقاومها‭ ‬محلقة‭ ‬بخفة‭ ‬ورشاقة‭ ‬القوام‭ ‬النحيل،‭ ‬هى‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬باليرينا‭ ‬شرقية‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬رآها‭ ‬الفنان‭ ‬الأشهر‭ ‬ديجا‭ ‬لوقعت‭ ‬ريشته‭ ‬الفذة‭ ‬فى‭  ‬غرامها،‭ ‬وهو‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬رسم‭ ‬راقصات‭ ‬الباليه،‭ ‬أيضا‭ ‬تولوز‭ ‬لوتريك‭ ‬برع‭ ‬فى‭  ‬تصوير‭ ‬راقصات‭ ‬باريس،‭ ‬أما‭ ‬الأسطورة‭ ‬تحية‭ ‬كاريوكا‭ ‬التى‭ ‬اقتبست‭ ‬لقبها‭ ‬من‭ ‬رقصة‭ ‬فى‭  ‬فيلم‭ ‬فريد‭ ‬أستير‭ ‬هى‭ ‬راقصة‭ ‬ممثلة‭ ‬وإنسانة‭ ‬استثنائية،‭ ‬ولا‭ ‬أنسى‭ ‬ما‭ ‬حييت‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬عنها‭ ‬المفكر‭ ‬الأشهر‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد،‭ ‬فهو‭ ‬مولع‭ ‬بتحية‭ ‬كاريوكا‭ ‬ومن‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬تحية،‭ ‬هى‭ ‬مميزة،‭ ‬أنا‭ ‬أتأملها‭ ‬دوما،‭ ‬جسدها‭ ‬الناعس،‭ ‬يتمايل‭ ‬بليونة‭ ‬كسولة،‭ ‬بأقل‭ ‬حركة‭ ‬ممكنة‭ ‬تتحكم‭ ‬فى‭ ‬مريديها،‭ ‬جسد‭ ‬يتثاءب‭ ‬بنشوة،‭ ‬عشقها‭ ‬لذاتها،‭ ‬مزهوة،‭ ‬مملكتها‭ ‬هى‭ ‬الربع‭ ‬متر،‭ ‬تعلن‭ ‬حدود‭ ‬سلطنتها،‭ ‬فهى‭ ‬لا‭ ‬تستجدى‭ ‬أحدا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحركات‭ ‬والاهتزازات‭ ‬الهيستيرية،‭ ‬والترنُّح‭ ‬بين‭ ‬الطاولات،‭ ‬فى‭ ‬مكانها،‭ ‬الدائرة‭ ‬الضيقة‭ ‬تظل‭ ‬آمرة‭ ‬ناهية،‭ ‬تتقن‭ ‬الانسحاب‭ ‬فى‭ ‬اللحظة‭ ‬الحاسمة،‭ ‬الفارقة،‭ ‬تقتفى‭ ‬أثر‭ ‬النقصان،‭ ‬لا‭ ‬تتمادى‭  ‬فى‭ ‬إشغال‭ ‬الحواس،‭ ‬هى‭ ‬تحاكى‭ ‬شهر‭ ‬زاد‭ ‬فى‭ ‬ذكائها،‭ ‬دائما‭ ‬يتبقى‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المتعة،‭ ‬تبدو‭ ‬نجمة‭ ‬عالية،‭ ‬قصية،‭ ‬تتقن‭ ‬الاستغناء،‭ ‬فيكفى‭ ‬ألق‭ ‬حضورها‭ ‬بغلالتها‭ ‬الموشاة،‭ ‬وثغرها‭ ‬الضاحك،‭ ‬وجسدها‭ ‬المراود،‭ ‬فهى‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭  ‬العالمة‭ ‬التى‭ ‬وصفها‭ ‬المستشرقون‭ ‬إدوارد‭ ‬لين‭ ‬فلوبير‭ ‬ونيرڤال‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬هى‭ ‬تتمتع‭ ‬بالمواهب‭ ‬المتعددة‭.. ‬وسمح‭ ‬المناخ‭ ‬الليبرالى‭ ‬بصعود‭ ‬مواهب‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الرقص‭.. ‬أعشق‭ (‬رادوبيس‭) ‬لنجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬هى‭ ‬من‭ ‬روايات‭ ‬الحقبة‭ ‬الفرعونية،‭ ‬تلك‭ ‬الراقصة‭ ‬شاهقة‭ ‬الملاحة‭.. ‬وتجد‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬يكتب‭ ‬بأسلوب‭ ‬مغاير،‭ ‬فهو‭ ‬يسرف‭ ‬فى‭  ‬وصف‭ ‬جمالها‭ ‬الفتاك‭ ‬ببراعة،‭ ‬فريدة‭ ‬فهمي،‭ ‬نعمت‭ ‬مختار،‭ ‬زينات‭ ‬علوي،‭ ‬ثريا‭ ‬سالم،‭ ‬رجاء‭ ‬يوسف،‭ ‬سهير‭ ‬زكي،‭ ‬نجوى‭  ‬فؤاد،‭ ‬كيتي،‭ ‬هاجر‭ ‬حمدي،‭ ‬هدى‭  ‬شمس‭ ‬الدين،‭ ‬هياتم،‭ ‬نيللى‭ ‬مظلوم،‭ ‬نبوية‭ ‬مصطفى،‭ ‬كلها‭ ‬أسماء‭ ‬عبرت‭ ‬جدارية‭ ‬الرقص،‭ ‬ومن‭ ‬قبلهن‭ ‬بديعة‭ ‬مصابنى،‭ ‬شفيقة‭ ‬القبطية‭. ‬أما‭ ‬نعيمة‭ ‬عاكف‭ ‬فهى‭ ‬موهبة‭ ‬بديعة،‭ ‬بدت‭ ‬فى‭  ‬فيلم‭ (‬أمير‭ ‬الدهاء‭) ‬وكأنها‭ ‬بازغة‭ ‬من‭ ‬ليالى‭ ‬ألف‭ ‬ليلة،‭ ‬تحكى‭ ‬بجسدها‭ ‬الليالى‭ ‬الألف‭ ‬على‭ ‬إيقاعات‭ ‬العشق‭ ‬والنغم‭ ‬والجمال‭..‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة