المجتمع الأوروبى
لماذا تخترق جماعات الإسلام السياسي المجتمع الأوروبى؟
الأحد، 21 نوفمبر 2021 - 12:51 م
تقرير يكتبه : عمرو فاروق
العلاقة بين الجماعات الأصولية والمجتمع الغربي ملتبسة ومرتبكة تاريخيًا، يحيطها الكثير من الغموض والحذر الواقع بين العداوة والتوظيف والمنفعة المتبادلة، وفقًا لبرجماتية متناهية في الاستغلال السياسي والاجتماعي والديني.
استثمرت الجماعات الأصولية بتنوعاتها هامش الحريات لفرض رؤيتها ونشر توجهاتها بين الجاليات العربية والإسلامية، أو التأثير في الهوية الغربية بشكل عام وتطويعها لما يتراءى مع مرجعياتها الفكرية المتشددة.
تمثل أزمة فقدان الهوية والحالة الشعورية بالاستغراب، التي تسيطر على الجاليات العربية والإسلامية مدخلا في توطين مشروع تيارات الإسلام السياسي ومرجعيته الفكرية، كبديل للانتماء الوطني والقومي، في ظل تعايشهم وسط سلوكيات تناقض عاداتهم وتقاليدهم، التي تربوا في أحضانها.
الكثير من الجماعات الأصولية وفي مقدمتهم جماعة الإخوان الإرهابية، وجدت في الغرب ضالتها لزيادة نفوذها وتقوية مصالحها، وتنمية موادرها ومصادر تمويلها، وتسويق مشروعها الفكري، فضلاً عن تقديم نفسها كبديل مناسب للأنظمة السياسية الحاكمة، و الحامي للمصالح الغريية في العمق العربي في حال دعم ممثليها للوصول إلى السلطة.
في المقابل وظفت دوائر صنع القرار الغربي الجماعات الأصولية في برجماتية سياسية نفعية وخلقت منهم كيانات ضغط سياسي وهمية لتمرير مصالحها وتنفيذ أجندتها في مواجهة النظم السياسية العربية الحاكمة، بجانب استخدامهم في تعبئة أصوات الجاليات العربية والإسلامية في العمليات الانتخابية وتوجهيهم لدعم تيارات وشخصيات سياسية محددة.
حالة التوظيف المتبادلة والمتناقضة بين أوروبا والجماعات الأصولية لم تتمكن من اخفاء مساحة الكراهية المتزايدة، والتي يتم تغذيتها بين الجانبين في إطار مجموعة من الأسباب والدوافع منها على سبيل المثال وليس الحصر، استدعاء نغمة الخلافة.
سعت مكونات الإسلام السياسي إلى التخطيط لمحاولة إعادة تغيير الهوية الغربية فكرياً وثقافياً، وفقاً لما يسمى بـ»استاذية العالم»، التي طرحها حسن البنا، وصار على دربه الكثير الحركات الأصولية، معتمدة على سياسة القوة الناعمة في اختراق المجتمع الأوروبي منذ مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، بهدف السيطرة على الغرب، لا سيما جماعة الإخوان، التي لجأت إلى مشروع «الاستقطاب المجتمعي» للفكرة الأصولية، وتوسعت في تأسيس المراكز الإسلامية الكبرى، والتغلغل في عمق مؤسسات ودوائر صنع القرار الغربي ومحاولة استمالتهم لـ»مشروع الإسلام السياسي».
أمام حالة التعاون والتناطح، اتجه الغرب لتأسيس الكيانات البحثية لتقديم رؤية موسعة حول مكونات الإسلام الحركي شاملة لقراءة جوانبها التنظيمية ومنهجيتها الحركية ومفاهيمها ومضمامينها الفكرية، ودوافع مشاريعها ومشاربها السياسية، ورصدا لنقاط ضعفها وقوتها، وطرق تطويعها، والعمل على وقف نفوذها في العمق الأوروبي.
يقول مارتن فرامبتون في كتابه «لإخوان المسلمون والغرب: تاريخ من العداء والمشاركة»، إن الإخوان حاولوا استغلال الكليشيهات التي كان يطلقها الغربيون حول الديمقراطية والحرية لتقديم صورة معتدلة عن أنفسهم، ولم تكن الرغبة الإخوانية في التواصل مع الغرب تعني الرغبة في الانفتاح والحوار مع ثقافتها، وإنما كانت أسلوباً براجماتياً في كثير من الأحيان.
ويشير «فرامبتون» إلى أنه على الرغم من عدم توافق الغرب مع فكر جماعة الإخوان وقياداتها، فإنه يتعامل معها بصورة عادية، ما يفسر البراجماتية التي يتعاطى بها الغرب الذي يبدو الأكثر استعدادا للدخول في حوار بهدف التعاون والمنفعة المتبادلة معهم.
اعتبر»فرامبتون» أن العلاقة بين الإخوان والغرب مرَّت بمحطات من عدم الثقة، لا سيما أن المرجعية الفكرية للجماعة تحمل الغرب المسؤولية الكاملة عن ضياع أرض فلسطين، وإسقاط الخلافة العثمانية، لذا جاءت فكرة تأسيس التنظيم على أساس مواجهة الهيمنة الغربية على المجتمعات المسلمة، بل ومحاولة تقديم بديلًا لها، وأنه على الرغم من حالة عدم اليقين، وغياب الموثوقية بين الطرفين، فإن الغرب اعتبر الحركة حصناً يمكن استغلاله ضد تنامي الفكر الشيوعي في فترة التحرر الوطني التي بدأت في الخمسينيات، وهو ما عكس تخوفهم من تحول هذه الحركات إلى ما يشبه «حصان طروادة» للشيوعية.
احتضنت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية الكثير من المرجعيات الفكرية المتشددة، أمثال قيادات تنظيم الجهاد، والجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة، ورجال التنظيم الدولي للإخوان، ليس من قبيل الحرية والديمقراطية، لكن من باب التوظيف السياسي المتعمد وتحويلهم لأوراق ضغط يمكنها التلاعب بها أمام بعض الأنظمة الحاكمة، وضمان عدم التمرد على سياستها ومصالحها في عمق الشرق الأوسط.
قٌدمت هذه العناصر المتطرفة كممثل للإسلام في الغرب، وأنها التجسيد الواقعي والحقيقي للمسلمين والشريعة الإسلامية، بهدف خلق وتصدير فكرة «الكراهية» السياسية والاجتماعية، وانتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي حصنت الجماعات الأصولية وعملت على تعبئة داوئر الإسلام السياسي تجاه المجتمعات الأوروبي، وخدمت في المقابل المصالح الغربية التي وظفت تلك الظاهرة لتحقيق مصالحها تحت لافتة «مكافحة الإرهاب والتطرف».
قامت بعص الجماعات الأصولية، بانتهاج العنف المسلح، واتباع طريق المواجهة المباشرة، ووفق سياسة التغيير من أعلى، تجاه المصالح الغربية، سواء داخل أوروبا أو خارجها، فيما يطلق عليه» العدو البعيد»، وتأخير الالتحام المباشر، مع العدو القريب «الأنظمة العربية»، وهي النهج الذي اتبعه تنظيم «القاعدة»، على يد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وتشكيل ما سمى بـ»الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبين»، في فبراير 1998، سعيا لخلق حواضن شعبية داعمة لتوجهاته، نقيضا للمسارات التي اتبعها تنظيم «داعش» في التركيز على العدو المحلي أو النظام السياسي القائم.
تعتبر المجتمعات الأوروبية والغربية في مخيلة المرجعية الفكرية الإصولية إرثاً تاريخياً يمثل جزء صلباً من كيان دولة الخلافة، ووجب عودتها إلى حواضن الأيديولوجية ومساراتها السياسية والدينية، ومن ثم لم تكن الإجراءات التي اتخذها عدد من الدول الأوروبية، لوقف تمدد تيارات الإسلام السياسي من قبيل المصادفة، كونهم أدركوا حجم التغلغل الأصولي وخطورته في تغيير النمط السلوكي والفكري للدوائر الاجتماعية الأوروبية.
كانت الجاليات والأقليات العربية والإسلامية، في مرمى المخطط الإخواني، خلال عملية الإختراق الغربي، إذ أنها الأدة الأكثر تأثيراً وفاعلية في الوصول للدوائر المجتمعية والسياسية الأوروبية، لسهولة توظيفها ضمنياً في نشر مرتكزاتها وأدبياتها العقائدية، وتحقيق مشروع الهيمنة على الغرب، وفقاً للكثير من الوثائق المسربة أو المضبوطة من قبل الأجهزة الاستخباراتية منذ تسعينات القرن الماضي.
سعياً في امتلاك مفاتيح وأدوات مرحلة «التمكين»، عملت جماعة الإخوان تحديداً، على ضرورة التوسع في انشاء المساجد والمراكز والمؤسسات والمدارس الإسلامية، في محاولة لتغيير هوية المجتمعات الغربية، التي وصفتها بأنها تتعايش على أصول ومباديء الجاهلية.
في المقابل تم تشكيل مجموعات وكيانات وأحزاب تحمل مرجعيات اليمين المسيحي المتشدد، وتوظيفها للجوانب التاريخية والعسكرية لقادة الغرب أمثال فيليب الثاني، وريتشارد «قلب الأسد» ملك إنجلترا، والبابا أوربان الثاني، وبوهيموند، وجودفري، وتانكرد، وبطرس الناسك، في ظل تعبئة جماهيرية تدعو لوصف المهاجرين المسلمين بالغزاة الجدد، الساعين إلى تبديل وتغيير هويتهم الغربية والتأثير في مرجعياتهم المسيحية، ما أدي إلى بلورة فكرة الإنتقام والثأر التاريخي لدى الكثير من الطبقات الأوروبية.
شهدت مرحلة التسعينيات، توسع جماعة الإخوان في تكوين المؤسسات الأصولية في أوروبا، وتم انشاء اتحاد المنظمات الإسلامية ليكون واجهة للتنظيم الدولي للإخوان، وضم أكثر من 500 منظمة بدول الاتحاد الأوروبي وخارجها.
كانت باكورة مخططها تدشين ما سمى بـ»التنظيم الدولي» والتمركز به داخل أوروبا، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ايضاً، مثل جمعية الوقف الإسلامي بأمريكا الشمالية عام 1973، والمجتمع الإسلامي لأمريكا الشمالية (ICNA) 1982، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) 1994، والجمعية الإسلامية الأمريكية(MSA) 1993، والمجمع الفقهي بأمريكا الشمالية، و»مؤسسة الأرض المقدسة».
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة