المجتمع الأوروبى
المجتمع الأوروبى


لماذا تخترق جماعات الإسلام السياسي المجتمع الأوروبى؟

أخبار الحوادث

الأحد، 21 نوفمبر 2021 - 12:51 م

تقرير‭ ‬يكتبه‭ ‬‭:‬‭ ‬عمرو‭ ‬فاروق

 

‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الجماعات‭ ‬الأصولية‭ ‬والمجتمع‭ ‬الغربي‭ ‬ملتبسة‭ ‬ومرتبكة‭ ‬تاريخيًا،‭ ‬يحيطها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬والحذر‭ ‬الواقع‭ ‬بين‭ ‬العداوة‭ ‬والتوظيف‭ ‬والمنفعة‭ ‬المتبادلة،‭ ‬وفقًا‭ ‬لبرجماتية‭ ‬متناهية‭ ‬في‭ ‬الاستغلال‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والديني‭.‬

استثمرت‭ ‬الجماعات‭ ‬الأصولية‭ ‬بتنوعاتها‭ ‬هامش‭ ‬الحريات‭ ‬لفرض‭ ‬رؤيتها‭ ‬ونشر‭ ‬توجهاتها‭ ‬بين‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬أو‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬وتطويعها‭ ‬لما‭ ‬يتراءى‭ ‬مع‭ ‬مرجعياتها‭ ‬الفكرية‭ ‬المتشددة‭.‬

تمثل‭ ‬أزمة‭ ‬فقدان‭ ‬الهوية‭ ‬والحالة‭ ‬الشعورية‭ ‬بالاستغراب،‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬مدخلا‭ ‬في‭ ‬توطين‭ ‬مشروع‭ ‬تيارات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬ومرجعيته‭ ‬الفكرية،‭ ‬كبديل‭ ‬للانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعايشهم‭ ‬وسط‭ ‬سلوكيات‭ ‬تناقض‭ ‬عاداتهم‭ ‬وتقاليدهم،‭ ‬التي‭ ‬تربوا‭ ‬في‭ ‬أحضانها‭.  ‬

 

الكثير‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الأصولية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬ضالتها‭ ‬لزيادة‭ ‬نفوذها‭ ‬وتقوية‭ ‬مصالحها،‭ ‬وتنمية‭ ‬موادرها‭ ‬ومصادر‭ ‬تمويلها،‭ ‬وتسويق‭ ‬مشروعها‭ ‬الفكري،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬نفسها‭ ‬كبديل‭ ‬مناسب‭ ‬للأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬و‭ ‬الحامي‭ ‬للمصالح‭ ‬الغريية‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬دعم‭ ‬ممثليها‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬وظفت‭ ‬دوائر‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬الغربي‭ ‬الجماعات‭ ‬الأصولية‭ ‬في‭ ‬برجماتية‭ ‬سياسية‭ ‬نفعية‭ ‬وخلقت‭ ‬منهم‭ ‬كيانات‭ ‬ضغط‭ ‬سياسي‭ ‬وهمية‭ ‬لتمرير‭ ‬مصالحها‭ ‬وتنفيذ‭ ‬أجندتها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬النظم‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬الحاكمة،‭ ‬بجانب‭ ‬استخدامهم‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬أصوات‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬الانتخابية‭ ‬وتوجهيهم‭ ‬لدعم‭ ‬تيارات‭ ‬وشخصيات‭ ‬سياسية‭ ‬محددة‭.‬

حالة‭ ‬التوظيف‭ ‬المتبادلة‭ ‬والمتناقضة‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬والجماعات‭ ‬الأصولية‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬اخفاء‭ ‬مساحة‭ ‬الكراهية‭ ‬المتزايدة،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬تغذيتها‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬والدوافع‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وليس‭ ‬الحصر،‭ ‬استدعاء‭ ‬نغمة‭ ‬الخلافة‭.‬

سعت‭ ‬مكونات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬إلى‭ ‬التخطيط‭ ‬لمحاولة‭ ‬إعادة‭ ‬تغيير‭ ‬الهوية‭ ‬الغربية‭ ‬فكرياً‭ ‬وثقافياً،‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ»استاذية‭ ‬العالم‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬حسن‭ ‬البنا،‭ ‬وصار‭ ‬على‭ ‬دربه‭ ‬الكثير‭ ‬الحركات‭ ‬الأصولية،‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬المجتمع‭ ‬الأوروبي‭ ‬منذ‭ ‬مرحلة‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بهدف‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الغرب،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان،‭ ‬التي‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬الاستقطاب‭ ‬المجتمعي‮»‬‭ ‬للفكرة‭ ‬الأصولية،‭ ‬وتوسعت‭ ‬في‭  ‬تأسيس‭ ‬المراكز‭ ‬الإسلامية‭ ‬الكبرى،‭ ‬والتغلغل‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬مؤسسات‭ ‬ودوائر‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬الغربي‭ ‬ومحاولة‭ ‬استمالتهم‭ ‬لـ»مشروع‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‮»‬‭.‬

أمام‭ ‬حالة‭ ‬التعاون‭ ‬والتناطح،‭ ‬اتجه‭ ‬الغرب‭ ‬لتأسيس‭ ‬الكيانات‭ ‬البحثية‭ ‬لتقديم‭ ‬رؤية‭ ‬موسعة‭ ‬حول‭ ‬مكونات‭ ‬الإسلام‭ ‬الحركي‭ ‬شاملة‭ ‬لقراءة‭ ‬جوانبها‭ ‬التنظيمية‭ ‬ومنهجيتها‭ ‬الحركية‭ ‬ومفاهيمها‭ ‬ومضمامينها‭ ‬الفكرية،‭ ‬ودوافع‭ ‬مشاريعها‭ ‬ومشاربها‭ ‬السياسية،‭ ‬ورصدا‭ ‬لنقاط‭ ‬ضعفها‭ ‬وقوتها،‭ ‬وطرق‭ ‬تطويعها،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الأوروبي‭.‬

يقول‭ ‬مارتن‭ ‬فرامبتون‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬لإخوان‭ ‬المسلمون‭ ‬والغرب‭: ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬العداء‭ ‬والمشاركة‮»‬،‭ ‬إن‭ ‬الإخوان‭ ‬حاولوا‭ ‬استغلال‭ ‬الكليشيهات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يطلقها‭ ‬الغربيون‭ ‬حول‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬لتقديم‭ ‬صورة‭ ‬معتدلة‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الرغبة‭ ‬الإخوانية‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬تعني‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الانفتاح‭ ‬والحوار‭ ‬مع‭ ‬ثقافتها،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬أسلوباً‭ ‬براجماتياً‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭.‬

ويشير‭ ‬‮«‬فرامبتون‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬توافق‭ ‬الغرب‭ ‬مع‭ ‬فكر‭  ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬وقياداتها،‭ ‬فإنه‭ ‬يتعامل‭ ‬معها‭ ‬بصورة‭ ‬عادية،‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬البراجماتية‭ ‬التي‭ ‬يتعاطى‭ ‬بها‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬الأكثر‭ ‬استعدادا‭ ‬للدخول‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬بهدف‭ ‬التعاون‭ ‬والمنفعة‭ ‬المتبادلة‭ ‬معهم‭.‬

اعتبر»فرامبتون‮»‬‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإخوان‭ ‬والغرب‭ ‬مرَّت‭ ‬بمحطات‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الثقة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬المرجعية‭ ‬الفكرية‭ ‬للجماعة‭ ‬تحمل‭ ‬الغرب‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬عن‭ ‬ضياع‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬وإسقاط‭ ‬الخلافة‭ ‬العثمانية،‭ ‬لذا‭ ‬جاءت‭ ‬فكرة‭ ‬تأسيس‭ ‬التنظيم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬مواجهة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬المجتمعات‭ ‬المسلمة،‭ ‬بل‭ ‬ومحاولة‭ ‬تقديم‭ ‬بديلًا‭ ‬لها،‭ ‬وأنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين،‭ ‬وغياب‭ ‬الموثوقية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬اعتبر‭ ‬الحركة‭ ‬حصناً‭ ‬يمكن‭ ‬استغلاله‭ ‬ضد‭ ‬تنامي‭ ‬الفكر‭ ‬الشيوعي‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عكس‭ ‬تخوفهم‭ ‬من‭ ‬تحول‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬‮«‬حصان‭ ‬طروادة‮»‬‭ ‬للشيوعية‭.‬

احتضنت‭ ‬بريطانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المرجعيات‭ ‬الفكرية‭ ‬المتشددة،‭ ‬أمثال‭ ‬قيادات‭ ‬تنظيم‭ ‬الجهاد،‭ ‬والجماعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وتنظيم‭ ‬القاعدة،‭ ‬ورجال‭ ‬التنظيم‭ ‬الدولي‭ ‬للإخوان،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التوظيف‭ ‬السياسي‭ ‬المتعمد‭ ‬وتحويلهم‭ ‬لأوراق‭ ‬ضغط‭ ‬يمكنها‭ ‬التلاعب‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬التمرد‭ ‬على‭ ‬سياستها‭ ‬ومصالحها‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

قٌدمت‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬المتطرفة‭ ‬كممثل‭ ‬للإسلام‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وأنها‭ ‬التجسيد‭ ‬الواقعي‭ ‬والحقيقي‭ ‬للمسلمين‭ ‬والشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬بهدف‭ ‬خلق‭ ‬وتصدير‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬الكراهية‮»‬‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وانتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬الإسلاموفوبيا‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬حصنت‭ ‬الجماعات‭ ‬الأصولية‭ ‬وعملت‭ ‬على‭ ‬تعبئة‭ ‬داوئر‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وخدمت‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬وظفت‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬تحت‭ ‬لافتة‭ ‬‮«‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‮»‬‭.‬

قامت‭ ‬بعص‭ ‬الجماعات‭ ‬الأصولية،‭ ‬بانتهاج‭ ‬العنف‭ ‬المسلح،‭ ‬واتباع‭ ‬طريق‭ ‬المواجهة‭ ‬المباشرة،‭ ‬ووفق‭ ‬سياسة‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬أعلى،‭ ‬تجاه‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬أوروبا‭ ‬أو‭ ‬خارجها،‭ ‬فيما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‮»‬‭ ‬العدو‭ ‬البعيد‮»‬،‭  ‬وتأخير‭ ‬الالتحام‭ ‬المباشر،‭ ‬مع‭ ‬العدو‭ ‬القريب‭ ‬‮«‬الأنظمة‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬اتبعه‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬القاعدة‮»‬،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬وأيمن‭ ‬الظواهري،‭ ‬وتشكيل‭ ‬ما‭ ‬سمى‭ ‬بـ»الجبهة‭ ‬العالمية‭ ‬لقتال‭ ‬اليهود‭ ‬والصليبين‮»‬،‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬1998،‭ ‬سعيا‭ ‬لخلق‭ ‬حواضن‭ ‬شعبية‭ ‬داعمة‭ ‬لتوجهاته،‭ ‬نقيضا‭ ‬للمسارات‭ ‬التي‭ ‬اتبعها‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬المحلي‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬القائم‭.‬

تعتبر‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والغربية‭ ‬في‭ ‬مخيلة‭ ‬المرجعية‭ ‬الفكرية‭ ‬الإصولية‭ ‬إرثاً‭ ‬تاريخياً‭ ‬يمثل‭ ‬جزء‭ ‬صلباً‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة،‭ ‬ووجب‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬حواضن‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬ومساراتها‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬لوقف‭ ‬تمدد‭ ‬تيارات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المصادفة،‭ ‬كونهم‭ ‬أدركوا‭ ‬حجم‭ ‬التغلغل‭ ‬الأصولي‭ ‬وخطورته‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬النمط‭ ‬السلوكي‭ ‬والفكري‭ ‬للدوائر‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأوروبية‭.‬

كانت‭ ‬الجاليات‭ ‬والأقليات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬المخطط‭ ‬الإخواني،‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬الإختراق‭ ‬الغربي،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬الأدة‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬وفاعلية‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬للدوائر‭ ‬المجتمعية‭ ‬والسياسية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬لسهولة‭ ‬توظيفها‭ ‬ضمنياً‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬مرتكزاتها‭ ‬وأدبياتها‭ ‬العقائدية،‭  ‬وتحقيق‭ ‬مشروع‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الغرب،‭ ‬وفقاً‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭ ‬المسربة‭ ‬أو‭ ‬المضبوطة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأجهزة‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬منذ‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

سعياً‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬مفاتيح‭ ‬وأدوات‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬التمكين‮»‬،‭ ‬عملت‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬تحديداً،‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬انشاء‭ ‬المساجد‭ ‬والمراكز‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والمدارس‭ ‬الإسلامية،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتغيير‭ ‬هوية‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية،‭ ‬التي‭ ‬وصفتها‭ ‬بأنها‭ ‬تتعايش‭ ‬على‭ ‬أصول‭ ‬ومباديء‭ ‬الجاهلية‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬تم‭ ‬تشكيل‭ ‬مجموعات‭ ‬وكيانات‭ ‬وأحزاب‭ ‬تحمل‭ ‬مرجعيات‭ ‬اليمين‭ ‬المسيحي‭ ‬المتشدد،‭ ‬وتوظيفها‭ ‬للجوانب‭ ‬التاريخية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لقادة‭ ‬الغرب‭ ‬أمثال‭ ‬فيليب‭ ‬الثاني،‭ ‬و‌ريتشارد‭ ‬‮«‬قلب‭ ‬الأسد‮»‬‭ ‬ملك‭ ‬إنجلترا،‭ ‬والبابا‭ ‬أوربان‭ ‬الثاني،‭ ‬وبوهيموند،‭ ‬وجودفري،‭ ‬وتانكرد،‭ ‬وبطرس‭ ‬الناسك،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعبئة‭ ‬جماهيرية‭ ‬تدعو‭ ‬لوصف‭ ‬المهاجرين‭ ‬المسلمين‭ ‬بالغزاة‭ ‬الجدد،‭ ‬الساعين‭ ‬إلى‭ ‬تبديل‭ ‬وتغيير‭ ‬هويتهم‭ ‬الغربية‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬مرجعياتهم‭ ‬المسيحية،‭ ‬ما‭ ‬أدي‭ ‬إلى‭ ‬بلورة‭ ‬فكرة‭ ‬الإنتقام‭ ‬والثأر‭ ‬التاريخي‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطبقات‭ ‬الأوروبية‭.‬

شهدت‭ ‬مرحلة‭ ‬التسعينيات،‭ ‬توسع‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأصولية‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وتم‭ ‬انشاء‭ ‬اتحاد‭ ‬المنظمات‭ ‬الإسلامية‭ ‬ليكون‭ ‬واجهة‭ ‬للتنظيم‭ ‬الدولي‭ ‬للإخوان،‭ ‬وضم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬منظمة‭ ‬بدول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وخارجها‭.‬

كانت‭ ‬باكورة‭ ‬مخططها‭ ‬تدشين‭ ‬ما‭ ‬سمى‭ ‬بـ»التنظيم‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬والتمركز‭ ‬به‭ ‬داخل‭ ‬أوروبا،‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬ايضاً،‭ ‬مثل‭ ‬جمعية‭ ‬الوقف‭ ‬الإسلامي‭ ‬بأمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬والمجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬لأمريكا‭ ‬الشمالية‭ (‬ICNA‭) ‬1982،‭ ‬والمعهد‭ ‬العالمي‭ ‬للفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ومجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأمريكية‭ (‬CAIR‭) ‬1994،‭ ‬والجمعية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الأمريكية‭(‬MSA‭) ‬1993،‭ ‬والمجمع‭ ‬الفقهي‭ ‬بأمريكا‭ ‬الشمالية،‭ ‬و»مؤسسة‭ ‬الأرض‭ ‬المقدسة‮»‬‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة