الشيخ عمر البسطويسي
الشيخ عمر البسطويسي


عقوق الأبناء من أكبر الكبائر ويعكس ضعف الوازع الديني

سنية عباس

الخميس، 02 ديسمبر 2021 - 08:05 م

باتت دعاوى الحجر ترفع على الآباء بشكل واضح فى الآونة الأخيرة، مما يثير دهشة البعض مع العلم بوجودها منذ زمن، ولكن الخوف والحذر من الظلم فى الأجيال السابقة كان يجعل خيار الصمت هو الأفضل، وحاليا تنظر المحاكم عديدًا من قضايا حجر الأبناء على الآباء بدافع الحفاظ على المال من الهدر لأسباب متعددة تصيب الآباء لا تمكنهم من حسن التصرف فى أموالهم ، وبعض القضايا تكون كيدية يغلب عليها الجشع والطمع مما يعد من أكبر الكبائر وأشد ألوان العقوق فيعجل الله سبحانه لمن يعق أباه وأمه بالعقوبة الدنيوية.. يوضح الشيخ عمر البسطويسى من علماء الأزهر معنى الحجر والدوافع والضوابط الشرعية التى تحكم هذا الفعل.

اقرأ أيضاً | مركز الأزهر للفتوى يستكمل التوعية بمخاطر العنف الأسري

يقول الشيخ عمر البسطويسى: ذكر القرآن الكريم الإحسان إلى الوالدين فى أكثر من آية قال تعالى: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما»، فجعل الإحسان إلى الوالدين بعد عبادته عز وجل مباشرة لأن الأصل فى علاقة الأبناء بالآباء البر والإحسان إليهم وقضاء حوائجهم وكل أوجه الرعاية لهم، ويضيف: دعاوى الحجر مذكورة فى الشريعة الإسلامية والقانون وفق ضوابط محددة تتيح الفعل وجاءت مشروعية الحجر من قوله تعالى: «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا»، ومسألة حجر الأبناء على الآباء لها اعتبارات دينية وجوانب اجتماعية وأخلاقية، وبداية يعنى الحجر منع شخص من التصرف فى ماله بالحجر عليه لعلة تمنعه من الإنفاق السليم مثل عوارض السفه أو التبذير أو الجنون والخرف وما يدعى فى عصرنا بالزهايمر وغيرها من الأسباب تجعل الشخص غير أهل لتحمل تبعة تصرفاته المالية وقد يقع فريسة لمن حوله فيطالب أبناءه أو أحد أقاربه ممن له مصلحة الحفاظ على المال ومن شروطه ألا تكون له سابقة حكم فى قضية تمس الشرف أو سلبت قوامته من شخص آخر محجور عليه أو بينه و بين المقدم لطلب الحجر عليه نزاع أو شبهة استغلال ويتقدم إلى القضاء بالحجر على ما يملك حتى لا يؤول لغير مستحقه حرصا على مصلحة المحجور عليه فيتسبب فى ضرر نفسه وأسرته، وعندما تصل هذه القضايا إلى أروقة المحاكم لا تتم الاستجابة لها إلا بشروط وجيهة والأمر موكول إلى القاضى الذى يقدر ثبوت الأسباب من عدمه وإذا ثبت أن هناك خللا فى الإنفاق يتم الحجر من باب الضرورة للحفاظ على الأموال والحقوق وتعين المحكمة الوصاية أو الولاية على المحجور عليه.

ويؤكد: القاضى يبذل قصارى جهده ليكون على يقين بأن التصرفات المالية للمحجور عليه غير متزنة وتهدد بخراب ما يملك ويتأكد بكل الوسائل سواء القولية بالشهادة أو الصحية بتقارير طبية رسمية والتحريات من المقربين والجيران للوقوف على الحقيقة، ولذلك لا يجوز الحجر بناء على تحريض أشخاص من داخل الأسرة وفى محيطها  فهذا غير موضوعى ويمثل عقوقا واضحا من الورثة سواء كانوا أحفادا أو أولادا، كما يدل على عدم الاحترام وضعف الدين، لأن الحجر فى حالة الادعاء الكاذب إساءة للروابط الأسرية والتشهير بها وتعبيرعن الطمع غير المبرر، أما إذا تأكد قضائيا عوارض السفه وتبديد الأموال على نحو يخالف مقتضيات الشرع فهذا ضرورى وجائز بل ورحمة بالآباء حتى لا تزداد المعاصى والخلاصة فى قول الله تعالى: «والله يعلم المفسد من المصلح»، وما يقوم به بعض الأبناء السفهاء بالحجر على آبائهم دون قرائن صحيحة فهو عقوق واستعجال فى تحصيل إرث لم يحن أوانه بعد وحجر لا يعتد به شرعا ولا يلتفت إليه إذا كان الوالدان يحسنان التصرف فى مالهما، وعلى من يتعين وليا أو وصيا على أموال المحجور عليه حفظ المال لصاحبه وتنميته ويؤخذ منه على قدر النفقة الشرعية عليه، وفى حالة زوال أسباب الحجر إقامة دعوى إثبات رشد تنظرها المحكمة ويعود للمحجور عليه حق التصرف فى أمواله.

وينصح: ضعف الوازع الدينى فى الظروف الراهنة يشجع أمثال هؤلاء الأبناء العاقين على الحجر على الآباء، وهذه القضية الحساسة يجب أن تقوم على محاسبة الذات، وويل  للأبناء الذين يتعجلون الحجر وهدفهم المال بدعوى أنه مال مكتسب لهم فى النهاية، ولكنهم فى الواقع يقتلون الآباء نفسيا وهم أحياء بهذا التفريط وقساوة القلب فيحرمون من ثواب برهم وبركتهم بسبب كسر النفس وحسرتها وإهدار كرامتها وسط المجتمع، ولهذا من المفترض أن يقع هذا التصرف فى إطار العقاب على البلاغات الكاذبة الكيدية لأن طلب الحجر على الآباء بدون سند عقوق للآباء ولكنه لا يدخل فى دائرة التجريم بل يدخل فى الدائرة الأخلاقية وإذا أصيب المدعى عليه بالتشهير وغيره فله طلب التعويض.. ويتابع: الارتفاع فى عدد قضايا الحجر يدل على انهيار منظومة القيم وانعدام الذمم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليه ابن يشكو والده الذى يأخذ ماله قال له: (أنت ومالك لأبيك)، وهنا وجب التذكير بأن من الأسباب الدافعة للجوء الأبناء إلى قضايا الحجر التفكك الأسرى، وتوزيع الأملاك على الأبناء قبل تحولها إلى ميراث شرعى فيشعر البعض منهم بالظلم، وعدم العدل فى تلبية المطالب الأساسية للأبناء وغياب التوجيه والنصح من الآباء للأبناء فى الصغر والإفراط فى التدليل وإغفال احتوائهم وتعليمهم حقوق الوالدين.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة