الساعة تدق الثامنة يدعوني الراهب في محراب القناة الفريق مميش لأجلس بجواره في الباص الذي ينقلنا إلي الدفرسوار.

الرجل سابح في خياله أراه وهو يسبح وأسمع دقات قلبه أساله هل انت قلق ؟ رد بثقة: كل شئ مدروس بدقة ولكننا ذاهبون ليس لنعبر بسفينة ولكن لأعبر بشعب وقائد وضعوا ثقتهم فينا.
نصل وأري أكبر حاوية رأيتها في حياتي تحمل ١٣٣ الف طن وعلي متنها ١٢ الف حاوية. أياد تمتد لنركب لن يقربنا من سلم السفينة ارتفاعه يقارب ارتفاع عمارة ٨ ادوار. كل الأيادي ترتدي قفازا للحماية من الشحوم المغطية لسور السلم. الوجوه في غاية التركيز قيادات هيئة قناة السويس ورجالها ونخبة من أمهر الملاحين والمرشدين. يقابلنا قبطان عرفت انه كان اول من درب الفريق مميش..انه القبطان نبيل الدسوقي الذي يحمل وجهه ملامح صفاء وعمق القناة يجلس بثقة وعلي مقعد القيادة بجواره الفريق مميش ومن حوله الكل يترقب انطلاق السفينة في قناة السويس الجديدة. صمت وهدوء العيون علي عدادات السفينة وهي توضح السرعات والاعماق. وتبدأ أولي المفاجآت السارة اذا بالعمق يصل إلي ٢٦ مترا متخطيا ما كان مخططا وهو ٢٤ مترا. السفينة تتهادي بل قل تتمخطر في خيلاء. طاقم السفينة السنغافورية بوجوههم الآسيوية يسجلون أسماءنا وعلامات الاندهاش والفرحة انهم يشاركون الشعب المصري إنجازه التاريخي. الكل يرفع موبايله ليلتقط سيلفي. السرعة تزداد. طائرة الشئون المعنوية تحوم حول السفن الثلاث لتسجل بكاميراتها هذه اللحظات. وتلك الرحلة الأولي من نوعها واتجاهها. ومن هول المفاجأة تنطلق صفارات السفن والمراكب والقوارب بكل أنواعها تزغرد وهي تزف اول قافلة بحرية تعبر قناة السويس الجديدة. الأيادي تصفق في الخفاء فقد أشار الفريق مهاب بالهدوء انتظارا للحظة اهم !!!! انها لحظة العبور المزدوج حيث تمر السفن في القناتين في نفس اللحظة، الأنفاس لاهثة ومترقبة اللحظة الحاسمة وبتوفيق الله تتحقق الأمنية الكبري. العيون تلمع والايادي تصفق. الكل يقفز فرحاً فخورا ويتوالي العناق للفريق مميش والجميع يتبادلون التهنئة الصادقة المفعمة بالفخر. مميش يقفز كالغزال إلي سطح السفينة وفي يديه علم مصر يلوح به للوجوه السمراء علي ضفة القناة وفوق بعض الصنادل ويتحول سطح القناة إلي لوحة مصرية وعالمية اسمع صوت مميش يشكر الله ويقول انها المسئولية امام أمة ورئيس ودنيا بأسرها.
ويقول كلمة واحدة : نجحنا، التليفزيون المصري يوثق من فوق سطح السفينة. وعند القنطرة تقف السفينة.. مميش ورجاله لا يغادرون الا بعد الاطمئنان ان باقي القافلة قد عبرت في موعدها. وعند الرصيف وجوه المرشدين تعلوها ابتسامة النجاح والفخر بمصريتهم..
الشباب المصري الذي حفر، وطهر يقفزون فرحا. العمال من كل محافظات مصر يرفعون علم مصر. والسؤال :اين انا ؟ انا في ذهول مما أراه وأسمعه واتعلمه وأعيشه. ثم من انا لكي أتكلم والتاريخ والجغرافيا والمياه تتكلم !!! عرق يتصبب من الفرحة. من الفخر. يارب أشكرك واحمدك علي كرمك بأن تكتب لي عمرا لأعيش هذه اللحظة التي هي بالفعل اللحظة الأولي من نوعها في التاريخ. نسيت الأرقام القياسية ونسيت كل شئ وانتبهت علي صوت الفريق مميش يسألني سامي إيه رأيك ؟ فلم انطق هربت الكلمات ولم اقل سوي عظيمة يا مصر بشعبك وتذكرت صوت ام كلثوم تشدو.. وقف الخلق ينظرون كيف ابني قواعد المجد وحدي..
وأقسم بربي دخلت بيتي اقبل أهل بيتي ونمت شبعانا من الفرحة رغم انني لم أكن قد تناولت سوي كوبا من العصير في غرفة القيادة في السفينة. هل بالغت حينما قلت انها لحظة محفورة في الفؤاد ؟ دعونا ننتظر يوم التتويج ٦ اغسطس ليعرف العالم من هي مصر حينما تقرر ان تقهر المستحيل.ش