المؤكد أن التعليم الحق هو أحد أهم أسباب ارتقاء الأفراد والدول علي حد سواء.. والمؤكد أن التعليم الحق سلعة مكلفة ولها أصول وليست مفتوحة علي البحري كما يتصوره البعض أو يظن.. والمؤكد أيضاً أنه لا أحد يمكن أن يقف ضد طموح شخص في العودة إلي التعليم عن قرب أو عن بعد ما مادام ذلك الطموح مقترنا برغبة حقيقية للتعلم والارتقاء بالمستوي الفكري والمهاري وليس مجالاً للشكليات أو لتعليق شهادة علي الحائط خالية من أي مضمون أو قيمة حقيقية.. ولا أحد ضد أن تفتح الجامعات أبوابها للطامحين والطموحين ممن تتوافر فيهم الشروط لذلك،  وليس فقط أن يكون السبب الحقيقي هو البحث عن موارد إضافية للجامعة أو لسد العجز في مصروفاتها.. لا يوجد أحد ضد كل هذا.. وإنما المؤكد أن الكل ضد أن تفقد الأشياء قيمتها،  وأن يصبح التعليم المفتوح باباً خلفياً وسييء السمعة لكثير من الممارسات التي لا يمكن أن نقول عنها إنها تعليمية!!
لا أدري هل هو من حسن أو من سوء حظي أنني رأيت تجربة التعليم المفتوح في مجال الإعلام منذ بدايتها.. واشتركت في جميع عملياتها.. بدءاً من اختيار الطلاب،  وانتهاء بتصحيح أوراق الامتحانات،  ومشرفاً عاماً علي هذا النظام لعام كامل بحكم وظيفتي.. وفي جميع هذه المواقف كانت انتقاداتي واضحة ومعلنة،  وهي أن ثمة شييئا ما خطأ في هذه العملية.. وأن التعليم المفتوح في مجال الإعلام بوضعه الحالي هو جريمة في حق كل من الإعلام من ناحية،  ومفهوم التعليم المفتوح من ناحية أخري.. في بداية التجربة كانت تجري اختبارات شكلية لاختيار الطلاب.. وأقسم بالله أن بعضاً ممن رسبوا في اختبارات القبول في اللجنة التي ترأستها وجدتهم أمامي في المحاضرات دون أن أدري الكيفية أو الطريقة..
وإذا كان لنا أن نصف مجمل العملية التعليمية في مجال التعليم المفتوح في كلمة،  فهي «التسيب».. التسيب في كل شيء.. في معايير القبول والاختيار،  وفي التدريس،  وفي الامتحانات،  والأهم في التصحيح،  حيث يجب علي الأستاذ أن يصحح عدة آلاف من أوراق الإجابة في أيام معدودة،  وهي «مهمة مستحيلة» بكل المقاييس.. والتسيب أيضاً سمة لعدم إدراك الهدف من نظام التعليم المفتوح.. فهل يعقل أن يفتح مجال الإعلام،  والذي لا يقبل غير «كريمة» طلاب الثانوية العامة ومن يحصل علي أعلي الدرجات في الثانوية العامة،  للحاصلين علي دبلومات التجارة والصناعة،  ولمن لا يفكون الخط،  والأدهي السماح لهؤلاء بالحصول علي شهادات الماجيستير والدكتوراه وهم أبعد ما يكونون عن استيفاء شروط هذه الدرجات علمياً وفي بعض الأحيان خلقياً؟.. كثير من هؤلاء الطلاب،  وعن تجربة واقعية،  لا يفرقون بين الدورية العلمية ودورية البوليس،  ولا يفرقون بين صفة الباحث ووظيفة المباحث..
إنني لا أطالب بإلغاء التعليم المفتوح،  ولكن بإعادة تقييم النظام ككل،  ووضع ضوابط لا تسمح إلا للذين لديهم الحد الأدني للدراسة الجامعية ودون أن يكون باباً خلفياً لدخول الجامعات.. إن أقل من 1% من طلاب التعليم الحاليين هم من يستحقون البقاء في هذا النظام،  وهم من يستحقون إعطاؤهم شرف التعلم في الجامعات.. وبقية النسبة لا تصلح للدراسة الجامعية علي الإطلاق.. وهكذا،  يجب وضع الأمور في نصابها،  ويجب أن نعترف بالواقع المر..
وأشكر زملائي في لجنة التخطيط للدراسات الاعلامية بالمجلس الأعلي للجامعات والتي تشرفت بالعودة إلي رئاستها علي موافقتهم علي اقتراحي الخاص باعتبار درجة التعليم المفتوح درجة نهائية لا تسمح لحاملها بالتقدم الدراسات العليا..