محطات «تحلية» المياه
محطات «تحلية» المياه


«محطات تحلية الحياة».. مواجهة العجز المائى بـ«التحلية»

آخر ساعة

الأحد، 19 ديسمبر 2021 - 01:10 م

أعد الملف : علا نافع  ــ  ياسين صبرى

قطرة الماء أغلى من الذهب، هكذا تقول الحكمة، وهكذا تقتضى الأمور فى أى بلد يصنع حاضره ومستقبله، فما بالنا بمصر التى نهضت حضارتها على ضفاف نهرٍ، ومضت كشريان النيل الخالد تشق طريقاً لأمجادٍ عمرها يتجاوز خمسة آلاف عام.

وفى ظل الزيادة السكانية التى تشهدها مصر، كان ضرورياً أن تبحث الحكومة عن طرقٍ لزيادة حجم مواردها المائية، وما يكفى حاجة أم الدنيا لتشييد الجمهورية الجديدة وما فيها من مشروعات قومية عملاقة، يصعُب إنجازها من دون إرادة ومياه، ولأن المياه حياة، وهو ما سبق وأكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، حين قال إن االمياه بالنسبة لمصر مسألة حياة وقضية وجودب، فإن اآخرساعةب تلقى نظرة بانورامية على جهود الدولة فى سبيل تحقيق هذه الغاية، عبر تنفيذ مشروعات محطات تحلية  ومعالجة المياه التى تتكلف مليارات الجنيهات.. هذا الملف باختصار إطلالة على الحياة بعينٍ مليئة بالأمل، لم ولن تعرف الظمأ.

تتزايد احتياجات مصر المائية رغم محدودية مواردها التى يحكمها حجم وكميات المياه الواردة من نهر النيل المقدرة بحوالى 55 مليار متر مكعب سنوياً، ما يضع البلاد أمام تحدياتٍ كبيرة، ويفرض معادلة صعبة تتمثل فى كيفية توفير متطلباتها الأساسية من المياه. وقد تنبهت القيادة السياسية لأهمية استغلال موارد مصر المائية بالشكل الأمثل، واتخاذ خطوات جادة لسد العجز المائي، وفى أغسطس الماضى تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن استراتيجية الدولة التى تتضمن إقامة مشروعات محطات معالجة وتحلية المياه بقيمة إجمالية تبلغ 435 مليار جنيه، وبعد أقل من شهر افتتح 6 محطات لتحلية المياه فى سيناء، فى وقت يرى الخبراء إمكانية اللجوء لتحلية المياه ومعالجتها كمصدرٍ بديل يُسهم فى سد العجز بالموارد المائية.

عملية تحلية المياه ليست مجرد صناعة تقليدية، لكنها مبنيّة على امتلاك سُبل المعرفة، لذا أنشات مصر العديد من الكيانات البحثية المنخرطة فى هذا المجال وعلى رأسها امركز التميز المصرى لأبحاث تحلية المياهب بهدف تصنيع مكوِّنات محطات تحلية المياه محلياً، وقد أنشئ هذا المركز عام 2016 كجزءٍ من امركز بحوث الصحراءب.

وقد شهد إنتاج المياه المحلاة فى مصر طفرة قوية بالآونة الأخيرة، وهذا يعود إلى سياسية الدولة التى قررت تركيز مجهوداتها فى إيجاد حلول جذرية لسد العجز فى الاحتياجات المائية ومضاعفة إنتاجها من المياه الصالحة للشرب، فمن المفترض أن يكون نصيب الفرد من المياه هو 1000 متر مكعب سنويا عوضا عن النسبة الحالية وهى 560 مترا مكعبا.

من جانبه، يوضح الدكتور حسام شوقى، نائب رئيس مركز بحوث الصحراء، رئيس مركز التميز المصرى لأبحاث تحلية المياه، أن التوسع فى إنشاء محطات تحلية المياه يعد بديلا عن مد خطوط مياه النيل العادية إلى المدن الساحلية، وهذا ما تقوم به الدولة بالفعل خاصة فى التجمعات السكانية الجديدة التى تنشئها سواء فى العلمين أو فى  محور قناة السويس أو مدينة  المنصورة ومطروح.

ويرى أن عمليات تحلية المياه تنمو فى مصر بوتيرة متسارعة للغاية، حيث يقول: فى عام 2011 تم وضع تصور لما يُعرف بـاخارطة طريق تحلية المياه فى مصرب، قدر فيها حجم المياه المحلاة بحلول عام 2030 بمليون ونصف المليون متر مكعب من المياه يومياَ، ثم أعدنا حساباتنا فى عام 2016 لنضع سيناريو جديدا يرتفع فيه هذا الرقم إلى 2٫5 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يوميا فى ظل دخول محطات تحلية جديدة إلى الخدمة، ومؤخراً تم تعديل هذه الإحصائيات ليزداد حجم إنتاج المياه المحلاة فى عام 2050 إلى 20 مليون متر مكعب يومياً، وهذه الأرقام نتاج تخطيط الدولة، وتمثل استثمارات ضخمة للغاية فى مجال تصميم وإدارة وصيانة محطات التحلية.

يضيف: تكلفة تحلية متر مكعب واحد من المياه داخل محطات التحلية تبلغ 850 دولارا، 25% منها تعود إلى تكلفة مضخات الضغط، إلى جانب أغشية التناضح العكسى التى تمثل 25% من تكاليف صيانة المحطات سنوياً، لذلك فإن هدفنا الأساسى هو خفض هذه التكلفة من خلال  توطين مشروعات صناعة تحلية المياه فى مصر، وفى المرحلة الأولى لهذه المشروعات استطعنا الوصول إلى 35% من التصنيع الكلى لأغشية التناضح العكسى، كما وضعنا التصميم التخيلى لمضخات الضغط العالى، وهى الآن فى مرحلة التصنيع وخلال عام واحد يُتوقع أن يكون لدينا مضخات الضغط العالى وأغشية مصنعة محلياً، وذلك عبر التعاون مع أكاديمية البحث العلمي، الذى أثمر عن تأسيس االتحالف القومى للمعرفة والتكنولوجياً فى مجال تحلية المياهب ويضم جامعة أسيوط وجامعة الإسكندرية، بالإضافة إلى مركز التميز للإنتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع والشركة القابضة لمياه الشرب.

ويوضح: يعد معدل استهلاك الطاقة أيضاً رقماً فاعلاً فى معادلة تحلية المياه، وهذا ما جعلنا نتوجه لبناء محطات تعتمد على تقنية أغشية التناضح العكسى، فتحلية متر مكعب من مياه  البحر عبر هذه المحطات تستهلك 3٫5 كيلووات/ساعة، وهى نسبة قليلة مقارنة بطرق التحلية الحرارية التى يصل معدل استهلاك الطاقة بها إلى 20 كيلووات/ساعة للمتر المكعب.

يتابع: هناك مشروعات ضخمة للتحلية هى الأكبر فى تاريخ مصر، منها محطة تحلية بمدينة الجلالة بطاقة إنتاجية تقدر بـ150 ألف متر مكعب يومياً، وهناك محطة أخرى فى مدينة العلمين الجديدة بطاقة إنتاجية تصل إلى 150 ألف متر مكعب يومياً مع إمكانية رفع إنتاجها عبر التوسعات إلى 450 ألف متر مكعب يومياً، فضلاً عن إقامة محطة مياه ضخمة فى العين السخنة بطاقة إنتاجية تصل لـ512 ألف متر مكعب يومياً، ومن المستهدف إنشاء محطة تحلية فى مدينة العريش بشمال سيناء بقدرات تصل لـ300 ألف متر مكعب يومياً.

كما أوضح أن تجارب تقنيات تحلية المياه الحديثة تعمل على جزءين، الأول يتعلق بزيادة العمر الافتراضى للأغشية (الفلاتر) من أجل خفض تكاليف صيانتها الدورية، أما الثانى فيتمحور حول تقليل استهلاك الطاقة المتستخدمة فى عملية التحلية، وهو ما يتم فى تجارب مثل تجارب التحلية الأمامية التى تطبق على مياه الآبار الجوفية التى تتراوح درجة ملوحتها بين 3000 إلى 5000 جزء فى المليون.

فى السياق ذاته، يوضح الدكتور عمرو زكريا، رئيس المعهد القومى لعلوم البحار والمصايد، أن تحلية المياه بدأت عالميا منذ 50 عاماً، لكن مصر فى ذلك الوقت لم يكن لديها أولوية فى هذا المجال، نظراً لوفرة الموارد المائية حينها، إلا أنها تسابق الزمن حالياً لتوطين تقنيات تحلية المياه وتصنيع جميع مكونات محطات التحلية محلياً.

يتابع: درجة ملوحة مياه البحر تصل إلى 40 مليجراما لكل لتر، وهى نسبة لا يمكن استخدامها فى أى أنشطة يومية للإنسان بخلاف الاستحمام والترفيه، وكذلك يصعب استخدامها فى الزراعة أو الخدمات المدنية أو حتى الاستخدامات اليومية إلا بعد خفض درجة ملوحتها لتصبح 1000 أو 2000 جزء من المليون.

ويرى الدكتور زكريا أن أهمية تحلية المياه فى الوقت الحالى تنبع من تزايد الاحتياجات المحلية لتلبية متطلبات التنمية البشرية والزراعية والحيوانية، معتبراً أن مصر بحاجة لموارد مائية خلال الخمسين عاماً المقبلة تصل إلى 30 مليار متر مكعب إضافى من المياه العذبة.

فيما يوضح محمد عبدالمنعم، مهندس الدعم الفنى بإحدى شركات تحلية المياه، أن الدولة تعكف حالياً على توطين صناعة التحلية بجميع مكوناتها، خاصة صناعة طلمبات المياه والمحركات الكهربية، وأغشية التناضح العكسى وأجهزة القياس والتحكم، واتخذت خطوات حقيقية لنقل التكنولوجيات الغربية للمصانع والشركات المصرية من أجل الوصول إلى مكوّن مصرى قادر على المنافسة، كما أن المراكز البحثية تعمل على ابتكار منتجات محلية تحاكى المستوردة فى الجودة والأداء.

 

بينما يشير الدكتور على رضوان، الكيميائى بمحطات الكهرباء بإدارة المعالجة والبيئة، إلى أن  معالجة المياه عبارة عن عمليات فيزيائية وكيميائية تتم على الماء بهدف استخدامه لغرض معين سواء للصناعة أو الزراعة أو الشرب، ويندرج تحت مفهوم معالجة المياه شق آخر هو تحلية المياه التى تقوم على التخلص من نسبة الأملاح العالية الذائبة وتحويلها إلى مياه عذبة صالحة للاستخدام الآدمي.

يضيف: تكلفة إنشاء محطات التحلية تتباين حسب قدرة إنتاج المحطة للمتر المكعب الواحد من المياه فى الساعة، وكذلك حسب الخامات المستخدمة وبلد المنشأ الذى تُستورد منه مكونات المحطة مثل الغشاء والمضخات، فمحطات التحلية الصغيرة تتراوح تكلفتها بين 20 و40 ألف جنيه، أما المتوسطة فيتراوح سعرها بين 100 و300 ألف جنيه، بينما المحطات الكبرى تتخطى تكلفة إنشائها ملايين الجنيهات.

ويتراوح معدل استخلاص المياه العذبة من مياه البحر بين 30 و40% بصورة إجمالية، فمن كل 100 متر مكعب من مياه البحر يمكن استخلاص 30 إلى 40 متر مكعب من الماء العذب.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة