صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


«سنوات الخماسين» من غضـب يناير إلى خلاص يونيو

ياسر رزق يروي شهادته عن الثورة المصرية

آخر ساعة

الإثنين، 03 يناير 2022 - 10:05 م

كتب: حسن حافظ

"لست أزعم أننى أحتكر الحقيقة، أو أننى أمتلك كل جوانب الموضوع... لست أدعى فيما أكتب حيادًا، لكنى أزعم أننى كنت أتوخى الموضوعية قدر ما أستطيع"، بهذه الكلمات يبدأ الكاتب الصحفى الكبير ياسر رزق، شهادته عن الأحداث العاصفة التى مرت بمصر بين ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013، والتى أطلق عليها "سنوات الخماسين"، بما يحمله الأخير من معانى عدم الاستقرار وغياب وضوح الرؤية، لتكون شهادته وهو القريب من الأحداث والمقرب من صناع القرار، منظورا جديدا لرؤية ما حدث وشكل حياتنا، تضيف شهادته وروايته للأحداث الصاخبة، إلى غيرها من الشهادات التى تقدم للقارئ فرصة أن يعمل عقله ويقارن بينها، ليصل إلى أقرب تصور لما حدث، وما أكثر ما حدث فى سنوات الثورة المصرية.

 السيسى توقع الانفجار وأبلغ طنطاوى بخطورة الموقف فى أبريـل 2010

السيسى أبلغ مرسى الحقيقة بعد شهور: «مشروعكم انتهى وفشل»

الإخوان الإرهابيون استدعوا هتاف «يسقط حكم العسكر» لضرب العلاقة بين الجيش والشعب

يعترف رزق بعدم إمكانية التأريخ لأحداث لا تزال تنبض وتتحرك وتتفاعل، لذا يرى أن أوان التاريخ لم يأت بعد للحديث عن العقد الثانى من الألفية الثانية فى مصر، والذى يراه أكثر الحقب صعوبة وتقلبات، وأشدها جزرًا ومدًا فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، لذا يقدم هنا شهادته "كشاهد على محطات حاسمة ووقائع مفصلية، بعضها معلوم لقلةٍ، وعلى مواقف فارقة معظمها فى طى الكتمان، «عشتها وتابعتها رأى العين، من غير حاجة لأن أعاينها بأنظار آخرين". ويقدم هذه الشهادة فى ثلاثية، نحن أمام الجزء الأول منها، وقد أطلق على هذه الشهادة بأجزائها الثلاثة اسم "الجمهورية الثانية"، إذ يرى أن الأحداث التى يتصدى لتدوينها والتى بدأت بثورة 25 يناير 2011، أسقطت الجمهورية الأولى التى قامت يوم 18 يونيو 1953، إثر زوال الحكم الملكى لأسرة محمد علي. ويقدم رزق هنا روايته للأحداث التى انتهت بوصول الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى سدة الحكم فى يونيو 2014.

اقرأ أيضاً | ياسر رزق: الجمهورية الجديدة تقوم على المواطنة والعدالة الاجتماعية والسياسية

يوضح ياسر رزق بعض أهداف الكتاب فى الإهداء، الذى يقدمه إلى الشعب المصري، قائلًا: "إلى شعب عظيم، لا يرضخ لظلم، ولا ينحنى لعاصفة، ولا يركع إلا لرب العباد"، ثم يقدم الإهداء الثانى "إلى أجيال آتية.. هذه ملامح من قصة آبائكم فى زمن عصيب، ولمحات من حكاية وطنكم فى حقبة فاصلة، عساها تنير لكم طريقًا وتُعبد دربًا، وأنتم تُشيدون مجدًا جديدًا، معطرًا بعظمة تاريخ".

إذن هو يسترجع الماضى القريب وعينه على المستقبل، يسترجع ما جرى فى العقد الماضى لاستكشاف أفق العقد الجارية سنواته، عبر عرض تفاصيل ووقائع عاشها، وخبايا مواقف شاهدها، وأبعاد تحولات، عاينها رأى العين، وتقصى جوانبها من صناعها وأبطالها.

ينطلق رزق فى رواية جانب من الأحداث، بمشهد فى مقر المخابرات العسكرية أبريل 2010، عندما سلم مدير المخابرات الحربية -وقتذاك- اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي، إلى وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، ملفا كتب عليه "سرى للغاية" يتناول الموقف السياسى فى البلاد وتداعيــــاتـــه المحتـملــة، والســـــــيناريوهــات المتوقعة لذروة الأحداث المنتظرة فى العام المقبل 2011، واستند التقرير إلى تحليل الواقع المصري، وخلص إلى أنه من المتوقع أن تشهد البلاد مزيدًا من السخط الشعبى على نظام الحكم خلال الشهور التالية، بسبب الفساد وزواج رأس المال بالسلطة، وانفصال الحكم عن الشعب، والشروع بلا هوادة فى تنفيذ مشروع توريث الحكم من الأب الرئيس إلى ابنه الأصغر جمال مبارك، إذ توقع السيسى أن تنفجر الأمور فى مايو 2011.

وبعد أن يعرج رزق إلى تفاصيل ثورة يناير وصولا إلى لحظة تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011، مؤكدا على دور الجيش المحورى فى الانحياز إلى الشعب بـ"سقوط الجمهورية الأولى"، يستعرض فى الفصل الثانى "الانتقالية الأولى"، والتى لعب فيه المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوى الدور الرئيسى كـ"عمود الخيمة"، إذ يرصد كيف "غادر الثوار الشباب الميادين، بينما تقدم إليها جامعو الغنائم وفى مقدمتهم أعضاء جماعة الإخوان وأنصارها". كما يستعرض مواجهة المشير طنطاوى للحمل الثقيل الذى تحمله بعد تنحى مبارك، وكيف انحصر اهتمامه فى ضرورة تسليم السلطة فى أقرب وقت، لذا رفض بوضوح الترشح للانتخابات الرئاسية التالية.

لكن الأيام مرت ثقيلة فى المرحلة الانتقالية، بسبب ألاعيب جماعة "الإخوان المسلمين"، التى سعت لضرب العلاقة بين الجيش والشعب، فبدأ يتردد فى ميدان التحرير هتاف لم يسمع فى الشارع المصرى قبلها بسبعة وخمسين عاما، وهو: "يسقط حكم العسكر"، الذى ردده أعضاء جماعة الإخوان لأول مرة فى أعقاب صدامهم مع جمال عبدالناصر عام 1954، إثر محاولة اغتياله فى ميدان المنشية، لكن على كل حال يرصد رزق تراجع شعبية المجلس العسكرى فى تلك الأيام التى سماها "عواصف الانتقال"، وبدأ "الإخوان" فى استعراض القوة عبر محاولة حصار مقر وزارة الدفاع فى كوبرى القبة ولكنهم فشلوا، فى "أحداث العباسية" 24 يوليو 2011، ثم أعدوا مظاهرة قوة فى الأسبوع التالى باسم "جمعة لم الشمل" التى تحولت إلى "جمعة قندهار"، عندما احتل الميدان جماعات من الملتحين أشبه فى وجوههم بجماعات المجاهدين الأفغان.

أما عن العلاقة مع الرئيس السيسي، فيستعرض ياسر رزق أسرار اللقاء الأول الذى جمعهما، وانطباعاته الأولية عن ضابط الجيش الغامض، إذ يعود اللقاء الأول إلى مارس 2013، عندما هاتف اللواء محمد سعيد العصار، رزق طالبا منه الانضمام إلى لقاء تحت مسمى (4+4) أى بحضور أربعة من رجال الفكر والسياسة والكتاب، وأربعة من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كان على الجانب المدنى الشاعر فاروق جويدة، وعمرو الشوبكي، وحسن نافعة، وياسر رزق، أما الجانب العسكرى فضم: اللواء العصار، واللواء محمود حجازي، واللواء طارق المهدي، واللواء عبدالفتاح السيسي. يدون رزق ملاحظاته على اللقاء قائلا: "كانت المرة الأولى التى ألتقى فيها باللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي... كان حظى أن أجلس إلى يمين اللواء السيسى خلال اللقاء.. لم يكن اسمه غريبًا على مسامعى ولا مسيرته العسكرية، وكنت قابلته مرات فى مصافحات سريعة، لكنى لم أجلس إليه أبدًا قبل هذا اللقاء".

ترك السيسى تأثيره سريعا فى نفس رزق ومن استمع إليه يومها، إذ أظهر معرفة دقيقة بعمق المأزق الذى تعيشه مصر-وقتذاك- لكنه كان يمتلك الكثير من الأمل فى مستقبل أحسن لمصر، يكتب رزق انطباعاته عن السيسى بعد اللقاء الأول: "بدت عاطفة السيسى جياشة، وكأنه زعيم وطنى قفز من صفحات تاريخ القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، إلى قلب الواقع فى مستهل القرن الحادى والعشرين"، وتحدث رزق مع أحد الحاضرين بعد اللقاء عن السيسي، إذ يقول: "هذا الجنرال الشاب هو طبعة حديثة عصرية من الجنرالات العظام فى تاريخ العسكرية المصرية". وعندما التقى رزق الأستاذ محمد حسنين هيكل، ليطلعه على ما جرى فى اللقاء، وجد عنده -وكان قد سبق وأن التقى بأعضاء المجلس العسكري- نفس الانطباع عن السيسي.  

ومع اختلاف شباب الثورة وانقساماتهم، بدأ "الإخوان" فى الاستحواذ على مؤسسات الحكم وإقصاء ما عداهم وحلفائهم، وبدأت الجماعة فى التفكير فى مقعد الرئاسة، إذ يكشف رزق عن اتصال الجماعة بكل من رئيس الوزراء الأسبق، كمال الجنزوري، والوزير الأسبق منصور حسن، على أن يتلقى من يوافق منهما على تأييد الجماعة فى الانتخابات الرئاسية فى 2012، مقابل أن يعلن اختيار خيرت الشاطر نائبا رئاسيا له، لكن الجنزورى ومنصور رفضا العرض الإخواني، لذا بدأت الجماعة فى الدفع بمرشح لها فى الانتخابات الرئاسية، متراجعة عن قرارها السابق بعدم خوض انتخابات الرئاسة، ودفعت بنائب مرشد الجماعة خيرت الشاطر، ثم تقدم رئيس حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسية لجماعة "الإخوان" محمد مرسي، ليكون بمقدوره خوض الانتخابات إذا استبعد الشاطر.

اللافت أن ياسر رزق يستعرض حديثه الهاتفى مع رئيس المخابرات الحربية، عبدالفتاح السيسي، حول مسار الانتخابات، وكانت التوقعات تشير إلى جولة إعادة، وسأل السيسي: من تتوقعون أن يخوض جولة الإعادة؟ رد رزق قائلا: كل التوقعات تشير إلى عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح. جاء رد السيسى مفاجئا وقال: "دقق تقديراتك.. أين محمد مرسي؟ أظن أنه سيكون أول الاثنين اللذين سيخوضان الإعادة.

وجاءت النتائج لتصدق توقعات السيسي، إذ جاء مرسى أولا بين 13 مرشحا، وبعده أحمد شفيق، ثم حمدين صباحي. ومع جولة الإعادة انحصر التنافس بين مرسى وشفيق، وينفى هنا رزق أن تكون ثمة صفقة بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، توجت بإعلان فوز مرسى وإقصاء شفيق، وأن أعضاء المجلس العسكرى لم يعلموا باسم الفائز إلا بعد إعلان اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات النتيجة النهائية.

مع تولى محمد مرسى رئاسة البلاد، بدأ السؤال الطبيعى فى الظهور، وهو: هل مرسى رئيس لمصر أم مجرد تابع يتلقى الأوامر من مكتب الإرشاد؟ ذهب ياسر رزق بهذا السؤال إلى اللواء السيسي، الذى رد بإجابة ذات مغزى عميق: "المسألة ليست هل هو قادر.. وإنما هل هو يريد؟"، ثم أضاف قائلا: "إنه يقينا يعلم أن غيره كان هو مرشح الإخوان، وأن لولا عضويته فى الجماعة ما ترشح، ولولا أموالها وأتباعها ودعمها السياسى والمعنوى وقدرتها على الحشد ما صار رئيسًا"، واستطرد: "على كل حال.. نحن نتمنى له كل التوفيق، وعسى أن تخيب تلك التوقعات". ووصل مرسى إلى كرسى رئاسة الجمهورية وبدأ ينفذ أجندة مكتب الإرشاد فى الاحتكاك بالمجلس العسكري، حتى عزل طنطاوى وعنان عن منصبيهما فى 12 أغسطس 2012، وترقية اللواء السيسى إلى رتبة الفريق وتعيينه وزيرا للدفاع، وهو يوم يسرد رزق تفاصيله الدقيقة الكاشفة لطبيعة أجواء اللحظة المشحونة، والتى انتهت بمباركة طنطاوى للسيسى قائلا: "يا عبدالفتاح أنت ابني، وحتة مني.. أنت عارف كويس قدرك عندى ومدى اعتزازى بك..إحنا مش هنلاقى أحسن منك يا عبدالفتاح.. وشد حيلك وربنا معاك".

مع تولى السيسى حقيبة وزارة الدفاع دخلت مصر منعطفا جديدا، حاول الإخوان فى البداية الترويج لشائعة أن السيسى منهم، لكن لم تكن أكثر من شائعة، فقد أثبتت الأحداث أن السيسى لا يعرف الولاء إلا لمصر وشعبها فقط، فمع توالى خطايا مرسى الذى ظهر بمظهر عروسة الماريونت فى يد الجماعة، بدأت شعبيته فى الانهيار والغضب الشعبى ضده فى الارتفاع، ورفض السيسى إنزال الجيش بناء على رغبة مرسى لمواجهة تظاهرات جبهة الإنقاذ أمام القصر الرئاسى فى ديسمبر 2013، إذ ينقل رزق أن مرسى طلب من السيسى صراحة أن تنزل القوات المسلحة، لكنه رفض، ورد بحسم: "مستحيل.. لن ينزل الجيش"، كما رفض قائد الحرس الجمهورى اللواء أركان حرب محمد زكي، نزول قوات الحرس للتعامل مع الجماهير، مؤكدا أن مهمته تنتهى داخل أسوار القصر الجمهوري.

فى خضم هذه الأحداث، خرج السيسى والقوات المسلحة كرمز جامع، عبر دعوات لم الشمل بين رئيس الإخوان والقوى السياسية، ورغم أن مرسى أعطى الضوء الأخضر للجيش للإعلان عن هذه المبادرة، فإن الرئاسة عادت وتراجعت عنها، بعدما تلقى مرسى اتصالات من المرشد ونائبه خيرت الشاطر يخوفانه من الفكرة ويطالبان منه إلغاء اللقاء، ليسرد ياسر رزق بعد ذلك كيف أضاع مرسى كل الفرص الممكنة، الأمر الذى جعل نهاية نظام الإخوان منطقية، وهو ما قاله صراحة السيسى لوزير الخارجية الأمريكى وقتها، جون كيري، إذ رد على سؤال الأخير حول تقديره للإخوان، فقال السيسي: "اللعبة انتهت"، وكان قد قالها من قبل لمرسى مباشرة: "مشروعكم انتهى وفشل". ويرصد فى الفصل الخامس والذى يحمل عنوان "إسقاط جمهورية السراب" الأحداث المتتالية التى انتهت بمشهد خروج ملايين المصريين لإسقاط مرسى فى ثورة 30 يونيو 2013.

فى الفصل السادس "رجل الأقدار" يركز رزق على شخصية السيسي، باعتبارها الأهم فى أحداث عام 2013 وما تلاه، ويكشف ضمن ما يكشف عدم رغبة السيسى فى الترشح، وأنه يتمسك بهذا الأمر، ما دفع ياسر رزق لمحاولة إرجاء إعلان بيان عدم ترشحه، لكن السيسى فاجأ الجميع وطالب بنزول الشعب لتفويض الجيش والشرطة لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل. يقول رزق: "كان هذا المطلب يعكس جسارة شخصية وثبات أعصاب، وفولاذية قلب، فماذا لو لم تنزل الجماهير على نحو منشود؟ لكن هذا المطلب كان يؤكد أيضا ثقة القائد العام فى استجابة الجماهير، ويبرهن على قوة رابطة كان يعرفها ويلمسها تربطه بالناس فى مصر"، ونجح السيسى فى الاختبار وتدفقت الملايين إلى الشوارع، ومنحت الجيش الشرعية الكافية لمواجهة مخطط الإخوان لتقسيم البلاد عبر إظهار الأمر وأن هناك قيادتين تتنازعان السلطة فى مصر عبر ترويج مشهد اعتصام رابعة.

وخرج السيسى والدولة المصرية من الاختبار القاسى بسلام، وتعالت الأصوات المنادية بضرورة ترشحه لإنقاذ البلاد وإخراجها من مأزقها، غالبية رفاق السلاح تقول له: أنت رجل المرحلة، وهو نفس شعور غالبية الشعب المصري، واستجاب السيسى لنداء الشعب ونزل الانتخابات وبدأ طريق الجمهورية الجديدة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة