الشعائر الجنائزية فى تذهيب المومياوات
الشعائر الجنائزية فى تذهيب المومياوات


خبير آثار يكشف الشعائر الجنائزية في تذهيب المومياوات

محمد طاهر

الثلاثاء، 11 يناير 2022 - 10:26 ص

اهتم المصريون القدماء بالدار الآخرة لأنهم اعتقدوا أنها المصير المحتوم واستعدوا لها طبقا لعقيدتهم، وبالرغم من ذلك لم يزهدوا في حياتهم الدنيا، كما أنهم لم يكونو مولعين بالموت فقد كتبوا عنه: "الموت أمر بغيض يجلب الدموع والأحزان، يخطف الرجل من بنيه ويلقي به على كثب رملي في الصحراء، لن تعود إلى الأرض أو ترى الشمس". 

وقال د. حسين دقيل الباحث فى الآثار، إن المصريين القدماء كانوا يخاطبونه على أنه لص بغيض، جاء على لسان أحدهم، كما ذكر؛ جورج بوزنر، في معجم الحضارة المصرية القديمة: "كنت طفلا صغيرا عندما خُطفت بالعنف، اختصرت سنوات حياتي وأنا وسط زملائي في اللعب انتُزعت فجأة في شبابي كرجل يروح في سبات عميق، كنت شابا عندما جرفني الموت الى المدينة الأبدية، وذهبت أمام سيد الآلهة دون أن أحظى بوقتي على الأرض، لي كثير من الأصدقاء ولكن لم يستطع أحد منهم أن يدافع عنى، أقام كل شخص في المدينة مأتما وعويلا عندما رأى ما حدث لي، بكى كل أصحابي، تضرع أبى وأمي للموت، وأُغشى على إخوتي، ولكن كل هذا دون جدوى".

وآمن المصريون القدماء بالخلود والحياة بعد الموت، وآثارهم الباقية تؤكد ذلك، فقد احتوت مقابرهم على الطعام والأدوات الأخرى التي تفسر اعتقادهم بأن هناك حياة أخرى بعد الموت، كما أن عملية حفظ أجسادهم من خلال عملية التحنيط التي كانوا يقومون بها تؤكد على فكرة استمرارية الحياة التي كانوا يؤمنون بها، كما أن المقبرة كانت عملا فنيا متكاملا وليس مجرد بناء يضم رفات المتوفى ويوارى جثته بل كانت بيتا للخلود ومن أجل المحافظة على جسد الميت وإبعاد الروح الشريرة عنه داخل مقبرته ظهر الفن الجنائزي.  

وأوضح دقيل، أنه خلال العصرين اليوناني والروماني حافظ المصريون على عاداتهم الجنائزية؛ فظلوا يحفظون موتاهم ويدفنونهم في مقابر وفقا للطقوس المصرية القديمة؛ ما جعل اليونانيين يقلدون المصريين في الاهتمام بموتاهم؛ فقد نبذ الاغريق عادة حرق الجثث وبدأوا يحنطون موتاهم كما كان يفعل المصريون. 

اقرأ أيضا شادي عبدالسلام.. أدهش العالم بـ«المومياء» في الخارج وفشل نجاحه بمصر

وأشار إلى أن التحنيط ظهر في العصر اليوناني بشكل أوسع مما كان عليه في مصر القديمة، فلم يتوقف عند فئات معينة، بل إن الجميع كان يتم تحنيطهم بعد وفاتهم، وإن اختلفت من فئة لأخرى، فكانت جثث الأغنياء منهم توضع بعد أن يتم تحنيطها جيدا في توابيت حجرية أو خشبية بشكل آدمي، أما الفقراء فكانت جثثهم توضع في توابيت فخارية.

وقد استخدم الاغريق في مصر - كما ذكر الدكتور عبد العزيز صالح في كتابه تاريخ مصر القديمة - ثلاثة أنواع من المقابر؛ أحدها عبارة عن حفرة تنحت في الصخر أو تحفر تحت الأرض، والنوع الثاني الدفن في فجوات مستطيلة الشكل تبنى أو تنحت في جوانب دهليز أو غرفة، أما النوع الثالث فهو يسمى مقابر الأرائك لأن الدفن كان يتم في تابوت على شكل الأريكة ويوضع في غرفة الدفن وقد تطورت هذه المقابر من مقبرة ذات أريكة الى مقبرة ذات أريكة وفجوات، حيث استخدمت الأريكة والفجوات في الدفن.

وتابع، أنه بالرغم من أن عملية التحنيط في العصر اليوناني لم تكن كما في مصر القديمة، إلا أنها تميزت بعدة أمور؛ منها وجود قطعة نقود من العملة الذهبية أو غير الذهبية على مقربة من المتوفى أو داخل فمه على لسانه، وهي - كما يذكر روجيه ليشتنبرج في كتابه المومياوات المصرية من الموت إلى الخلود - شعيرة جنائزية ظهرت خلال العصرين اليوناني والروماني؛ وكان يقصد بها – طبقا لعقيدتهم - تقدِمة تُمنح للمراكبي المدعو "شارون" العبار، الذي يقود مركب المتوفى في الدار الآخرة مساعدا إياه في تجاوز نهر "الستيكس" ليرسو بأمان هناك في عالم الأموات، وهذا الطقس الشعائري وإن ظهر خلال العصرين اليوناني والروماني، فهو ذو أصول مصرية قديمة أيضا، فالرحلة من خلال المراكبي من أجل بلوغ العالم الآخر موجودة في معتقدات المصريين القدماء، حتى إن الفصل التاسع والتسعين من كتاب الموتى ليحكي لنا الحوار الذي يدور بين المتوفى والمراكبي الذي يعبر به النهر السماوي المسمى درب التبانة.               

والحقيقة أن عملية تذهيب المومياء بشكل عام كانت منتشرة خلال العصر اليوناني، فقد كانوا يذّهبون - أي باستخدام الذهب - جفون وشفاه وأظافر بعض الموتى، وقد عُثر على نماذج بذلك. أما في العصر الروماني، فقد وضعوا رقائق من الذهب على بشرة المتوفى، وخاصة على مناطق الرأس والأطراف، وقد وجدت نماذج لذلك أيضا.

غير أن الواقع يدل على أن عملية التذهيب تلك كانت محددة من حيث الانتشار، وهذا إن دل فإنما يدل على أن التذهيب كان يتم لفئة معينة ربما الأغنياء؛ حيث تم تحنيطها بشكل أكثر اتقانا. 

ووجود التذهيب على المومياء؛ له دلالة دينية، فالذهب هو "لحم المعبودات"؛ وبصفته هذه يمنح المتوفى صفة إلهية. كما يمكن النظر إلى هذا التذهيب على اعتباره المقابل للأقنعة الذهبية الخاصة بملوك مصر القديمة، حتى إن أحد الطقوس التي ظلت تعاد حتى العصر الروماني، النص الذي يقال للمتوفى: "سوف تتجلى ككائن من ذهب، سوف تتألق مثل الإلكتروم".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة