الشيخ الشعراوى
الشيخ الشعراوى


خواطر الإمام الشعراوي .. «أَيْنَ شُرَكَآئِىَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ»

ضياء أبوالصفا

الخميس، 13 يناير 2022 - 05:55 م

يقول الحق تعالى فى الآية 64 من سورة القصص: «وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ»

 وسبق أن ناداهم «أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ» أى: فى زعمكم؛ لأنه سبحانه ليس له شركاء، وهنا يقول لهم «ادعوا شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ» ولم يقُلْ شركائى، مع أنهم اتخذوهم شركاء لله.


 فمعنى «شُرَكَآءَكُمْ..» أفى دعوى الألوهية؟ لا، لأنهم تابعون لهم، إذن: فما معنى «شُرَكَآءَكُمْ..» قالوا: الإضافة تأتى بمعَانٍ ثلاثة: إما بمعنى(من) مثل: أردب قمح أى: من قمح، أو بمعنى (فى) مثل: مكرالليل أى: مكر فى الليل، أو: بمعنى (لام) الملكية مثل: قلم زيد أى: قلم لزيد.


 فالمعنى هنا «شُرَكَآءَكُمْ..» أى: من جنسكم أو فيكم يعنى: لا يتميز عنكم بشيء، والإله لابد أن يكون من جنس أعلى، فإنْ كان من جنسكم، فهو مُسَاوٍ لكم، لا يصلح أن تتخذوه إلهاً. «هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله» يونس: 18. وقلتم: «مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى» «الزمر: 3».


 إذن: فنادوهم ليُقربوكم من الله، وليشفعوا لكم، والذى يقوم بهذه المهمة لابد أنْ يكون له منزلة عند الله «فَدَعَوْهُمْ...» «وَرَأَوُاْ العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ» يعنى: لو كانوا يهتدون بهَدْى الله، وهَدْى رسوله، ويروْن العذاب الذى أنذرهم به حقيقة وواقعاً لا يتخلفون عنه لَمَا حدث لهم هذا، ولما واجهوا هذه العاقبة.
 أو: أنهم لما رأوا العذاب حقيقة فى الآخرة تمنَّوا لو أنهم كانوا مهتدين.


ثم يقول الحق فى الآية 65 من سورة القصص: «وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ» ثم يقول فى الأية 66: «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ».


 قال هنا أيضاً «يُنَادِيهِمْ..» فما الغرض من كل هذه النداءات؟ إنها للتقريع وللسخرية منهم، وممَّنْ عبدوهم واتبعوهم من دون الله، ومضمون النداء: «مَاذَآ أَجَبْتُمُ المرسلين» والإجابة: موافقة المطلوب من الطالب، فماذا كانت إجابتكم لهم بعد أن آمنتم بإله، أأخذتُم بما جاءوا به من أحكام؟ أعلمتم منهم علماً يقينياً حقاً؟
 وهذا الاستفهام للتعجيز؛ لأنهم إنْ حاولوا الإجابة فلن يجدوا إجابة فيخزون ويخجلون؛ لذلك يقول بعدها «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبآء..» أى: خفِيَتْ عليهم الحجج والأعذار وعموا عنها فلم يروْهَا «فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ» لا يملكون إلا السكوت كما قالوا: جواب ما يكره السكوت، وكما قال سبحانه: «وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً» «المعارج: 10».


 وهؤلاء لا يتساءلون؛ لأنهم فى الجهل سواء، وفى الضلال شركاء، وكل منهم مشغول بنفسه «يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» «عبس: 34-37».


 وكما سُئِل المشركون: «مَاذَآ أَجَبْتُمُ المرسلين» فى موضع آخر يسأل الرسل: «يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ..» «المائدة: 109» أى: فيما علمتم من العلم، وأوله: علم اليقين الأعلى، وثانيها: علم الأحكام، فبماذا أجابكم الناس؟


 وتأمل هنا أدب الرسل ومدى فهمهم فى مقام الجواب لله، وهم يعلمون تماماً بماذا أجاب أقوامهم، وأن منهم مَنْ آمن بهم، وتفانى فى خدمة دعوتهم وضحّى واستشهد، ومنهم مَنْ كفر وعاند، ومع ذلك يقولون: « قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب» «المائدة: 109».


 كيف يقولون: «لاَ عِلْمَ لَنَآ..» «المائدة: 109» وهم يعلمون؟ قالوا: لأنهم غير واثقين أن مَنْ آمن آمن عن عقيدة أم لا، فهم يأخذون بظواهر الناس، أما بواطنهم فلا يعلمها إلا الله، كأنهم يقولون: أنت يا ربنا تسأل عن إجابة الحق لا عن إجابة النفاق، وإجابة الحق نحن لا نعرفها، وأنت سبحانك علاَّم الغيوب.
 إذن: جعلوا الحق تبارك وتعالى هو السُّلْطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية فى محكمة العدل الإلهى التى سيُعلن فيها على رءوس الأشهاد «لِّمَنِ الملك اليوم..» «غافر: 16».

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة