يحيى وجدى
يحيى وجدى


مجتمع الملعب و مجتمع المسرح

أخبار النجوم

الأربعاء، 26 يناير 2022 - 10:55 ص

في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة،‭ ‬ثمة‭ ‬مقارنة‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يعقدها‭ ‬كل‭ ‬قارئ‭ ‬للتاريخ،‭ ‬يريد‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬دروسه،‭ ‬بين‭ ‬مجتمع‭ ‬روما‭ ‬القديمة‭ ‬ومجتمع‭ ‬اليونان‭ ‬القديمة،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬مجتمع‭ ‬الملعب‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬روما‭ ‬ومجتمع‭ ‬المسرح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬محور‭ ‬المجتمع‭ ‬اليوناني‭. ‬

روما‭ ‬القديمة‭ ‬اهتمت‭ ‬بالرياضات‭ ‬البدنية‭ ‬والمنافسات‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬المصارعة‭ ‬والقفز‭ ‬وسباقات‭ ‬السرعة‭ ‬والصيد،‭ ‬وشيدت‭ ‬لأجل‭ ‬ذلك‭ ‬ملاعب‭ ‬هائلة،‭ ‬تحتشد‭ ‬فيها‭ ‬الجماهير‭ ‬للتشجيع،‭ ‬بينما‭ ‬تأسس‭ ‬المجتمع‭ ‬اليوناني‭ ‬القديم‭ ‬على‭ ‬فنون‭ ‬المسرح‭ ‬والتمثيل‭ ‬وعرف‭ ‬حلقات‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والشعراء‭ ‬والمّثالين،‭ ‬وكان‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬روما‭ ‬دولة‭ ‬إستعمارية‭ ‬تتوسع‭ ‬عبر‭ ‬جيوشها‭ ‬ومقاتليها،‭ ‬حتى‭ ‬انهزمت‭ ‬وتراجعت‭ ‬سيطرتها‭ ‬إلى‭ ‬حدودها،‭ ‬لكن‭ ‬اليونان‭ ‬بقيت‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الفلاسفة‭ ‬وفي‭ ‬فن‭ ‬المسرح‭ ‬وفي‭ ‬التماثيل‭ ‬العظيمة‭ ‬وغيرها‭. ‬

أردت‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المقارنة‭ ‬السريعة،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬تبسيط‭ ‬كبير،‭ ‬لأقول‭ ‬إن‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬فلسفته‭.. ‬المسرح‭ ‬أم‭ ‬الملعب،‭ ‬وأيضا‭ ‬لأكتب‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أتيليه‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬فقده‭ ‬المجتمع‭ ‬الثقافي‭ ‬السكندري‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬الماضي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استرد‭ ‬الورثة‭ ‬المقر‭ ‬الذي‭ ‬شغله‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1956،‭ ‬فيما‭ ‬يرجع‭ ‬تاريخ‭ ‬تأسيس‭ ‬الأتيليه‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1934‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الرواد،‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬ناجي‭ ‬صاحب‭ ‬الدور‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬المكان،‭ ‬متأثرا‭ ‬بـ«أتيليهات‮»‬‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬أثينا،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬ورشة‭ ‬حرة‭ ‬يتفاعل‭ ‬فيها‭ ‬أرباب‭ ‬الفنون‭ ‬والإبداع‭ ‬والثقافة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد،‭ ‬وقد‭ ‬لعب‭ ‬‮«‬أتيليه‭ ‬الإسكندرية‮»‬‭ ‬دورا‭ ‬عظيما‭ ‬في‭ ‬تخريج‭ ‬أجيال‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬الفنانين،‭ ‬وفتح‭ ‬طاقة‭ ‬كبيرة‭ ‬لجمهور‭ ‬واسع‭ ‬عرف‭ ‬عبرها‭ ‬الأدب‭ ‬والفنون‭ ‬البصرية‭ ‬وانتقلت‭ ‬إليه‭ ‬معرفة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬المكان‭.‬

وقبل‭ ‬‮«‬أتيليه‭ ‬الإسكندرية‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬المجتمع‭ ‬الثقافي‭ ‬القاهري‭ ‬نادي‭ ‬القصة‭ ‬الشهير‭ ‬في‭ ‬جاردن‭ ‬سيتي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استردت‭ ‬أسرة‭ ‬سراج‭ ‬الدين‭ ‬مقر‭ ‬النادي،‭ ‬واضطر‭ ‬بعض‭ ‬الفاعلين‭ ‬إلى‭ ‬استئجار‭ ‬شقة‭ ‬صغيرة‭ ‬تتسع‭ ‬بالكاد‭ ‬للندوات‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬فيصل‭.‬

لست‭ ‬من‭ ‬المؤمنين‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬تضادا‭ ‬بين‭ ‬الأنشطة‭ ‬الرياضة‭ ‬والثقافية،‭ ‬فهذا‭ ‬لن‭ ‬يسحب‭ ‬من‭ ‬ذاك،‭ ‬والمجتمعات‭ ‬الصحية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬لمواطنيها‭ ‬إمكانيات‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬النشاطين،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬للفنون‭ ‬والثقافة‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬مكانا‭ ‬من‭ ‬أماكنها‭ ‬التاريخية‭ ‬دون‭ ‬توفير‭ ‬البديل،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬يجد‭ ‬المجتمع‭ ‬نفسه‭ ‬يتحول‭ ‬رغما‭ ‬عنه‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬ملعب‭ ‬فقط،‭ ‬يشجع‭ ‬المنافسات‭ ‬الرياضية،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬مسرحا‭ ‬ولا‭ ‬فنانين‭!‬

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة