الشيخ الشعراوي
الشيخ الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي| يعلم «السر وما أخفى»

الأخبار

الخميس، 27 يناير 2022 - 04:34 م

يقول الحق فى الآية رقم (69) سورة القصص: «وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ». ما تُكنُّ صدورهم أي: السر «يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى» «طه: 7» والسر: ما تركته فى نفسك محبوساً، وأسررْتَه عن الخَلْق لا يعرفه إلا أنت، أو السر: ما أسررت به إلى الغير، وساعتها لن يبقى سِراً، وإذا ضاق صدرك بأمرك، فصدر غيرك أضيق.

إذا كان الحق سبحانه يمتنُّ علينا بأن علمه واسع يعلم السر، فهو يعلم الجهر من باب أَوْلَى؛ لأن الجهر يشترك فيه جميع الناس ويعرفونه.

أما الأخفى من السر، فلأنه سبحانه يعلم ما تُسِره فى نفسك قبل أنْ يوجد فى صدرك، وهو وحده الذى يعلم الأشياء قبل أن توجد. ولك أن تسأل: إذا كان من صفاته تعالى أنه يعلم السر وما أخفى من السر، فماذا عن الجهر وهو شيء معلوم للجميع؟

وهذه المسألة استوقفتْ بعض المستشرقين وأتباعهم من المسلمين المنحلين) الذين يجارونهم. وحين نستقرئ آيات القرآن نجد أن الله تعالى سوَّى فى علمه تعالى بين السر والجهر، فقال سبحانه :«سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ...» «الرعد: 10». وقال سبحانه: «وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ...»  «الملك: 13». والآية التى معنا:«وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ» «القصص: 69» وفى هذه الآيات قدّم السر على الجهر، أما فى قوله تعالى: «سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى إِلاَّ مَا شَآءَ الله إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى» «الأعلى: 6-7».

وقال سبحانه: «إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ» «الأنبياء: 110» فقدَّم العلم بالجهر على العلم بالسرِّ، ولا يقدم الجهر إلا إذا كان له ملحظية خفاء عن السر، وهذه الملحظية غفل عنها السطحيون، فأخطأوا فى فهم الآية. فأنت مثلاً لو أسررتَ فى نفسك شيئاً، فربما ظهر فى سقطات لسانك أو على ملامح وجهك، وربما خانك التعبير فدلَّ على ما أسررتْه، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى: «وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ القول...» «محمد: 30». إذن: هناك قرائن وعلامات نعرف بها السر، أما الجهر وهو من الجماعة ليس جهراً واحداً؛ لأنه مقابل بالجمع: «إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ» «الأنبياء: 110» فالمعنى: ويعلم ما تجهرون وما تكتمون.

ولك أن تتابع مظاهرة لجمع غفير من الناس، يهتف كل منهم هتافاً، أتستطيع أن تميز بين هذه الهتافات، وأنْ تُرجع كلاً منها إلى صاحبها؟ هذا هو اللغز فى الجهر والملحظ الذى فاتهم تدبُّره، لذلك امتن الله علينا بعلمه للجهر من القول الذى لا نعلمه نحن مهما أوتينا من آلات فَرْز الأصوات وتمييزها.

لذلك يقولون: لا تستطيع أنْ تُحدِّد جريمة فى جمهور من الناس؛ لأن الأصوات والأفعال مختلطة، يستتر كلٌّ منها فى الآخر كما يقولون: الفرد بالجمع يُعْصَم.


ويقولون: الجماهير ببغائية، كما قال شوقى فى مصرع كليوباترا، لما انهزموا فى يوم(أكتيوما) وأشاعوا أنهم انتصروا، لكن هذه الحيلة لا تنطلى على العقلاء من القوم.. إذن: فَعِلْم الجهر هنا مَيْزة تستحق أنْ يمتنَّ الله بها، كما يمتنُّ سبحانه بعلم السر.


وقال سبحانه: «وَرَبُّكَ يَعْلَمُ...» «القصص: 69» ليُطمئن رسول الله؛ لأنه سبحانه ربه، والمتولى لتربيته والعناية به، يقول له: لا تحزن مما يقولون، فأنا أعلم سِرَّهم وجهرهم، فإنْ كنتَ لا تعرف ما يقولون فأنا أعرفه، وسوف أخبرك به، ألم يقل سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: «وَيَقُولُونَ فى أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ...» «المجادلة: 8».


فأخبره ربه بما يدور حتى فى النفوس، كأنه سبحانه يقول لرسوله: إياك أن تظن أننى سأؤاخذهم بما عرفتَ من أفعالهم فحسب، بل بما لا تعلم مما فعلوه، ليطمئن رسول الله أنه سبحانه يُحصى عليهم كل شيء.

اقرأ ايضا

 مكارم الأخلاق.. داعية إسلامي: مبادئ أخلاقية خلق الإنسان عليها بالفطرة

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة