آمال عثمان
آمال عثمان


أوراق شخصية

سيناريو الموت الموجع

آمال عثمان

الجمعة، 28 يناير 2022 - 06:06 م

استيقظتُ على خبر رحيله المفجع، أحسستُ أن قلبى انتزع من صدرى وسقط على الأرض بصوت مكتوم، وحاصرتنى مشاعر مرتعبة تملؤها هواجس ملتبسة، ترفض الإذعان تحت ذرائع واهية، وباغتنى صوت يطن فى أذنى بإلحاح، عَمَّق إدراكى بمشاعر الفقد الموجعة، لكن الشك ظل يطاردني، فما أصعب كلمات الوداع التى تسحق الروح، وتصيبنا بألم مبرّح يطعن الفؤاد بوابل من الأحزان.

رحل الصديق والزميل ياسر رزق صباح يوم حزين، غابت شمسه، وعصفت رياحه، وبكت السماء حزناً على فراقه، وكأن كل الأحداث والمشاهد كُتبت فى سيناريو مرسوم بحبكة درامية شديدة البراعة، واجه المرض الخبيث بشجاعة، لكن قلبه خانه فى اللحظة الأخيرة، فغادر داخل النعش المرفوع على الأعناق، ليحمله ملاك الموت ويذهب به إلى مليكٍ مقتدر.

لم أكن أدرى أن الوحش الخبيث عاد ليطل برأسه من جديد داخل جسده الضئيل، حتى أخبرنى يوم حفل زفاف ابنته قبل شهور، يومها شعرت بحزن لا يوصف، ورأيت لأول مرة دموعه تجاهد أن تبقى داخل عينيه، وقبل أن يتركنا بأسابيع قليلة تولدت لدى رغبة شديدة لزيارته فى مكتبه والاطمئنان عليه، استقبلنى بوجه بشوش متهلل، وابتسامة صافية لا تفارقه، وعلمت منه أن جلسات الكيماوى قضت على «الورم» الذى ظهر من جديد، وتضاعفت سعادتى حين علمت أن المقاتل العنيد الذى لم يترك قلمه حتى فى أشد المحن، وثّق شهادته عن حقبة فاصلة عصيبة عاشها الوطن، فى كتابه «سنوات الخماسين» الجزء الأول من ثلاثية لم يمهله القدر لاستكمالها! وأبلغنى بأنه تسلّم للتو نسخ الكتاب، وأمسك بإحداها وسطر فوقها إهداء بخطه الأنيق، شكرته وودعته بحرارة وشددت على يديه، وكأننى على وشك سفر طويل يباعد بين لقائنا، ولا أدرى لماذا راودنى ذلك الخاطر اللعين؟!

واليوم أنظر بعيون ذاكرتي، وأبصر ذلك الشاب الموهوب دمث الخلق متقد الذكاء، عرفتُه صحفياً يسبق عمره بثقافته وعمق تفكيره وتحليله ورؤيته، جمع بين رشاقة الأسلوب وجمال التعبير، فكان امتداداً لجيل من عمالقة أخبار اليوم، ممن تعلّمنا على أيديهم الوطنية والإخلاص، والتفانى لصاحبة الجلالة، لذا صنع لنفسه مكانة متميزة فى عالم الصحافة، وتقلد العديد من المناصب، لكنها أبداً لم تُفقده إنسانيته، أو تنتزع منه تواضعه.
رحل فارس الكلمة حاملاً قلمه الشجاع الحر، لكن اسمه سيظل محفوراً فى قلب مصر والمصريين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة