صورة موضوعية
صورة موضوعية


فتوى عمرها 122 عامًا عن طوفان نوح.. عندما كان المفتي يلقب بـ«الأفندي»

كرم من الله السيد

الإثنين، 07 فبراير 2022 - 08:27 ص

عند البحث في تراث  الفتوى ستجد العجب من غزارة العلم رغم الإمكانيات المحدودة للمفتي في أدوات البحث، كما أنك تشعر بالفخر كمصري عندما تجد تفنيداً في الفتوي يواكب عصرنا هذا.. ومن هذه الفتاوى فتوى للشيخ الإمام محمد عبده عندما كان مفتي الجمهورية ورد اليه سؤال في 22 فبراير سنة 1900 اي مما يقرب من 122 سنه وكان وقتها يلقب المفتي " بالأفندي" حيث كان نص السؤال الذي ورد اليه كالتالي :صورة ما تحرر من سيادة الأستاذ مفتي أفندي الديار المصرية لحضرة الأستاذ الشيخ عبد الله القدومي خادم العلم الشريف بمدينة نابلس بتاريخ 25 شوال سنة 1317 وصلنا مكتوبكم المؤرخ في 4 شوال سنة 1317 الذي أنهيتم به أنه ظهر قِبِلَكُم نَشْءٌ جديد من الطلبة ديدنهم البحث في العلوم الرياضية والخوض في توهين الأدلة القرآنية، وقد سمع من مقالتهم الآن أن الطوفان لم يكن عامًّا لأنحاء الأرض بل هو خاص بالأرض التي كان بها قوم نوح عليه السلام، وأنه بقي ناس في أرض الصين لم يصبهم الغرق، وأن دعاء نوح عليه السلام بهلاك الكافرين لم يكن عامًّا بل هو خاص بكفار قومه؛ لأنه لم يكن مرسلًا إلا إلى قومه؛ بدليل ما صح: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً» رواه البخاري.


فإذا قيل لهم: إن الآيات الكريمة ناطقة بخلاف ذلك كقوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: ﴿رَّبِّ لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26]، وكقوله تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلۡبَاقِينَ﴾ [الصافات: 77]، وقوله تعالى: ﴿لَا عَاصِمَ ٱلۡيَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ﴾ [هود: 43] قالوا: هي قابلة للتأويل ولا حجة فيها.


وإذا قيل لهم: إن جهابذة المحدثين أجابوا بأنه صح في أحاديث الشفاعة بأن نوحا عليه السلام أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وأنه يتعين أن يكون قومه أهل الأرض ويكون عموم بعثته أمرًا اتفاقيًّا؛ لعدم وجود أحد غير قومه ولو وجد غيرهم لم يكن مرسلًا إليهم. سخروا من المحدثين واستندوا إلى حكايات منسوبة إلى أهل الصين. ورغبة منا بذلك المكتوب كشف الغطاء عن سر هذا الحادث العظيم والإفادة بما يقتضيه الحق ويطمئن إليه القلب. 

وكان نص اجابة الإمام محمد عبدة كالتالي :

الجواب عن ذلك والحمد لله:

أما القرآن الكريم فلم يرد فيه نصٌّ قاطعٌ على عموم الطوفان، ولا على عموم رسالة نوح عليه السلام، وما ورد من الأحاديث -على فرضِ صحةِ سنده- فهو آحادٌ لا يوجب اليقين، والمطلوب في تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين لا الظن إذا عُدَّ اعتقادُها من عقائد الدين.

أما المؤرخ ومُريدُ الاطلاع فله أن يحصل من الظن ما تُرَجِّحُهُ عنده ثقتُهُ بالراوي أو المؤرخ أو صاحب الرأي، وما يذكره المؤرخون والمفسرون في هذه المسألة لا يخرج عن حد الثقة بالرواية أو عدم الثقة بها، ولا يتخذ دليلًا قطعيًّا على معتقدٍ دينيّ.

أما مسألة عموم الطوفان في نفسها فهي موضوعُ نزاعٍ بين أهل الأديان وأهل النظر في طبقات الأرض، وموضوعُ خلافٍ بين مؤرخي الأمم:

أما أهل الكتاب وعلماء الأمة الإسلامية: فعلى أن الطوفان كان عامًّا لكل الأرض، ووافقهم على ذلك كثيرٌ من أهل النظر، واحتجوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالي الجبال؛ لأن هذه الأشياء مما لا يتكون إلا في البحر، فظهورها في رؤوس الجبال دليلٌ على أن الماء صعد إليها مرةً من المرات، ولن يكون ذلك حتى يكون قد عَمَّ الأرض.

ويزعم غالب أهل النظر من المتأخرين أن الطوفان لم يكن عامًّا، ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها، غير أنه لا يجوز لشخصٍ مسلمٍ أن ينكر قضية أن الطوفان كان عامًّا لمجرد حكاياتٍ عن أهل الصين أو لمجرد احتمال التأويل في آيات الكتاب العزيز، بل على كل من يعتقد بالدين أن لا ينفي شيئًا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث التي صح سندها وينصرف عنها إلى التأويل إلا بدليلٍ عقليٍّ يقطع بأن الظاهر غير مراد.
والوصول إلى ذلك في مثل هذه المسألة يحتاج إلى بحثٍ طويلٍ وعناءٍ شديدٍ وعلمٍ غزيرٍ في طبقات الأرض وما تحتوي عليه، وذلك يتوقف على علوم شتَّى عقلية ونقلية، ومَن هَذَى برأيه بدون علمٍ يقينيٍّ فهو مجازفٌ لا يُسمَعُ له قولٌ ولا يُسمَحُ له ببث جهالاته.

اقرأ أيضا| ما حكم تخصيص شهر رجب بمزيد من العبادة ؟ الافتاء تُجيب 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة