د. خالد القاضى
د. خالد القاضى


يوميات الأخبار

«ن وَالْقَلَم وَمَا يَسْطُرُونَ»

خالد القاضي

الخميس، 10 فبراير 2022 - 07:12 م

كان لمكتبة الوالد - رحمه الله -  العامرة بشتى الكتب وألوان التخصصات فضل كبير، فأقبلت عليها بنهم فائق

«ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ» .. كان عنوان فقرة صغيرة لى فى يوميات سابقة، وأكرره اليوم كعنوان رئيس بناء على إلحاح كثير من القراء الأعزاء، لزيادة شرح أهميته ..  ومجالات عطاء هذا القلم فى مسيرة حياتى .. 


«ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ» .. نعم فهو قسم عظيم من رب العباد أنزله على رسوله الأعظم فى قرآنه الكريم .. وهى كلمات كان يتردد صداها فى أذنى منذ نعومة أظافرى .. وعندما انتظمت فى مراحل الدراسة كان اهتمامى كبيراً بقيمة الصياغة الجميلة وأهمية الفكرة التى أحاول أن أسطرها بقلمى فى موضوعات التعبير.. والتى كانت من أحب الحصص إلى قلبي، وزادها تشويقاً هذا الكم الكبير من الإشادة من مدرسى اللغة العربية على مدار الدراسة.


بدأ المجال الأول فى رحلة الاستعداد لتأهيل «القلم» من جودة الصياغة والرقى فى الأسلوب والكتابة... ثم التأهيل المعرفى الواسع الشمولى فى التخصصات والمجالات كافة، وإن كان أكثرها بطبيعة الأمر وفق التخصص هو «القانون- الثقافة – الوعي»، وهو ما حدد منهجى الحياتي: حيث فكرة «التثقيف العام ونشر الوعى بين الجماهير»، 


ثم كان المجال الثانى هو المشاركة والاستفادة من الندوات والمؤتمرات وورش العمل والبرامج واللقاءات فى وسائل الإعلام «الوطنية»، والوجود وسط الجماهير والالتحام بهم والانتباه إلى دور المثقف الحقيقى فى النهوض بمجتمعه والرقى به والسمو بأذهان الجماهير وعواطفهم ومشاعرهم وسلوكهم، لإدراك غايات بناء الوطن وتنمية مهارات أبنائه المخلصين الأوفياء. 


وقد تنوعت ثمار القلم فى شتى المجالات والتخصصات، كما حرصت فى كتاباتى كلها، وحتى القانونية المتخصصة منها على الرقى بالصياغة وسهولة العبارة وعمق الفكرة حتى تكون ميسورة أمام المتلقى العادي، كما جعلت مؤلفاتى فى متناول الجميع حيث أهُبها لدور النشر والمؤسسات الثقافية لطباعتها دون مقابل حتى تصل بأقل الأسعار للقارئ؛ لأن هدفى الأسمى هو خدمة أبناء وطنى التى جندت لها جهدى وقلمى ووقتى وعلمي، وأنتظر الأجر من الوهاب العليم الخبير.


والمجال الثالث من عطاء القلم أفدتُ فيه من رحيق الكتب وثمار المراجع والخبرات الطويلة للمؤلفين، وهو فن إدارة اللقاءات والندوات والمؤتمرات والمناقشات، والحرص على استخراج كنوز المعرفة من عقول العلماء والباحثين وتجاربهم فى تلك اللقاءات، وكيفية توظيف جهودهم فى خدمة بنى وطنى وحشدهم من أجل هذا الهدف الأسمى..

وقد كانت دهشتى كبيرة حينما حاولت نيل عضوية اتحاد كتاب مصر منذ أكثر من عشرين عامًا، فقوبل طلبى فى البداية بالرفض لكونى «قاضياً» حيث ظن القائمون على أمر الاتحاد أن مؤلفاتى فى تخصص «القانون» فقط، وبعد أن وجدوا هذا الكم الكبير من المؤلفات فى تخصصات شتى، ومنها موسوعات كاملة فى الأدب وبخاصة القضائى تم قبول العضوية..


وقد حاولت استخلاص منهج أبتغى منه الاهتمام بمعايير الكتابة الصحيحة من صياغة واستعداد وتأهيل .. حيث أحتفظ دومًا بكم هائل من الكشاكيل والكراسات والأوراق أسطر فيها العبارات الجميلة والكلمات المأثورة والنصوص البليغة والمفردات الراقية وكلمات الأدباء والمفكرين والمصلحين وقادة الرأى .. وحاولت النسج على منوالها وتوظيفها فى كتاباتى .. هذا على مستوى الاهتمام بالصياغة الجميلة.!!


وقد كان لمكتبة الوالد – رحمه الله -  العامرة بشتى الكتب وألوان التخصصات فضل كبير، فأقبلت عليها بنهم ٍ فائق، ورحت أقضى فيها الساعات الطوال، وأدعو الله سبحانه وتعالى أن يكون عملى كله خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى عز وجل .. والله الموفق وله المنة والفضل، وبه نستعين.


بين انتصار  وانكسار 


ككل البشر .. كانت حياتي– ولازالت - لحظات السعادة والانتصار فى مسيرة حياتى بفضل الله سبحانه وتعالى.. وتمتزج  فى مقابلها ساعات وأيام وشهور من التعاسة والانكسار.. ولكن هذه هى الحياة .. الحقيقة الدامغة .. والواقع المعاش. 


    وبدهيٌّ أن تأتى لحظات السعادة وأوقات الانتصار من رحم المعاناة والصبر والشقاء .. وثمرة من ثمرات الجهد والمثابرة والعناء.. ونتيجة من نتائج الدأب والسهر وتجنب الرياء .. وبعد أوقات التعثر والترنح والميل عن السواء..


وكما يقول أسلافنا العرب دوام الحال من المحال، وأن الرياح قد  تأتى أحياناً بما لا تشتهى السفن.. فيأتينى الغدر والإحباط فى تحقيق ثمة أمل أو طموح أظنه مشروعًا،   ثم فجأة ومن حيث لا أدرى ولا أحتسب .. تتحول الطموحات والآمال إلى إحباطات وآلام .. مريرة قاسية مفزعة .. تؤرق مضجعى .. وتطاردنى آناء الليل وأطراف النهار .. 


ومن ثم، أعترف أمامك صديقى القارئ أننى كنتُ أخالف دوما ذلك  المثل الشعبى القائل « دارى على شمعتك تقيد « والذى يعد ناموس حياة معظم الناس على مدار التاريخ الإنساني، ولكننى  أحد القلائل الذين لا سر لهم على الإطلاق، فأنا (على الهوا  On air) ليل نهار، ولا أكتم رغبة ولا أدارى شمعة قط ..

اعتقادا منى بأنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروك بشيء ما ضروك بشيء إلا قد كتبه الله عليك، وأحرص ألا أشارك الآخرين – مهما دنوا من عقلى وقلبى ووجدانى – إلا ما يهمهم هم، وليس ما يشغلنى أنا .. مع حسن ظن بالجميع مالم يثبت العكس .. وهو ما تسبب لى فى عديد من الانكسارات والإحباطات العنيفة والحادة فى حياتى تُباغتنى فجأة، حتى  كادت تعصف بى وتقتل طموحى وما حققته من انتصارات خلالها. 


لقد مررتُ فى حياتى بانكسارات حادة .. والمتلقى – أنا - يتميز من الغيظ، تصنع ملحمة  تحتاج إلى مؤلف بارع ليصطفى لكل منها اسماً  كتلك  التراجيديا العبثية، وكأننا كنا نحارب طواحين الهواء كما صورها الأديب الإسبانى الشهير «سيرفانتيس» فى ملحمته الرائعة «دون كيشوت» أو «دون كيخوته» كما ينطقها الإسبان !!!


 أو ربما تحتاج إلى «أجاثا كريستي» الانجليزية ومحققها الشهير لكشف غموض اللغز ليصفق له الجمهور فى نهاية الرواية إعجاباً وتقديراً ..

أو يأخذها مؤلف ناشئ ويصوغها درامياً ليحصل على إحدى جوائز الدولة تخصص «مغامرات»، أو تتحول إلى فيلم ينافس به فى مهرجان الهند السينمائى !! 


 مشاهد مأساوية عنيفة .. أتقلب خلالها على جمرٍ أسريّ .. ومعاناة أولادى تكاد تعصف بما بقى لى ولهم من قدرة الاحتمال .. ويتمادون أكثر – فى صمتهم الصارخ – وهم يضعون كتبى فوق مائدة الطعام فى ترتيب زمنى قبيل دخولى حجرة الطعام .. واضطر أن أنحيها - آسفاً - فى هدوء وصمت لعلى أزدرد لقيمات يقمن صلبي..


وبعد هذا المارثون الطويل، وتلك التراجيديا السوداء يأتى الفرج من عند الله  ناصعاً قاطعاً، حينئذ ٍ انسابت العَبرات المتحجرة، واغرورقت عيناى بالدموع، وسجدتُ لله حمداً وشكراً .. واحتضنتُ أفراد أسرتى . 


وهكذا عزيزى القارئ الكريم لعلك الآن تستطيع أن ترى ما سطرته المحن التى تحولت إلى منح إلهية كما يقول القائل:


جزى الله ُ الشدائد َ كلَّ خير ٍ  .. فقد عرفتنى عدوى من صديقى .. أعتقد الآن أن (الرسالة وصلت..)


مش كده ولا إيه؟؟!!


تهنئة وأمنية


(*) تهنئة واجبة لمعالى المستشار الجليل بولس فهمى رئاسته للمحكمة الدستورية العليا، تتويجًا لمسيرة قضائية مشرفة ممتدة أكثر من أربعين عامًا، من النيابة العامة، ومنصة القضاء، ومساعد وزير العدل، ورئيس محكمة جنوب القاهرة (أكبر محكمة فى مصر)، ثم تعيينه نائبًا لرئيس المحكمة الدستورية العليا. 
وأمنية لمعالى المستشار الجليل سعيد مرعى رئيس المحكمة الدستورية السابق، الذى أقعده المرض عن استكمال مدته فى رئاسة المحكمة، بأن يمتعه المولى عز وجل بالصحة، ويعود إلى منزله صحيحًا معافً بإذنه تعالى، وهو من هو علمًا وفيرًا، وخلقًا رفيعًا، وإنسانية بلا حدود. 


(*)  تهنئة للمنتخب الوطنى المصرى وصوله لنهائى كأس الأمم الإفريقية 2021، بعد ماراثون كروى وطنى رائع، وأشهد أننى قلما أتابع مباريات عمومًا، سوى الثلاث مباريات الأخيرة  مصر والمغرب، ثم الكاميرون، فالسنغال.


وأمنية بوصولنا لمونديال كأس العالم فى قطر نهاية هذا العام، لرأب الصدع الذى أصاب الحالة النفسية المصريين، وتحقيق أملهم فى فرحة عارمة مستحقة. 
(*) تهنئة للشقيقة دولة ليبيا الغالية، التوافق على الصيغة النهائية للتعديل الدستوري، من لجنة خارطة الطريق ولجنة المجلس الأعلى للدولة، بعد جولات عديدة من المفاوضات والتوافقات الجوهرية. 


وأمنية أن تبدأ المؤسسات الدستورية الليبية ممارسة أعمالها فى ظل تلك التعديلات، وتعود ليبيا جارة عربية شقيقة لمصر الكنانة، يحققان معًا مستقبل يليق بشعب ليبيا المغوار. 


 ويبقى القانون


من العبارات الدستورية العبقرية فى ديباجة الدستور المصرى 2014 :


« نحن نؤمن أننا قادرون أن نستلهم الماضى وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل. 


قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا « .
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة