الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي.. الحركة تأتي بالخير

الأخبار

الخميس، 10 فبراير 2022 - 07:45 م

يقول الحق فى الآيتين 71 و72 من سورة القصص: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ(71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ».

يُعدِّد الحق تبارك وتعالى نعمه على عبيده فى شيئين يتعلقان بحركة الحياة وسكونها، فالحركة تأتى بالخير للناس، والسكون يأتى بالراحة للمتعَب من الحركة، والإنسان بطبيعته لا يستطيع أن يعطى ويتعب إلا بعد راحة، والذى يتحدَّى هذه الطبيعة فيسهر الليل ويعمل بالنهار لابد أنْ ينقطع، وأن تُنهَك قواه فلا يستمر.. لذلك يقول تعالى: «والليل إِذَا يغشى والنهار إِذَا تجلى وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى» «الليل: 1-4».. فكلٌّ من الليل والنهار له مهمة، وكذلك الرجل والمرأة، فإياكم أنْ تخلطوا هذه المهام.

وإلا فسدت الحياة وأتعبتكم الأحداث، فقبل الكهرباء ودخول(التليفزيون والفيديو) المنازل كان يومنا يبدأ فى نشاط مع صلاة الفجر، لأننا كنا ننام بعد صلاة العشاء، أما الآن فالحال كما ترى، كنا نستقبل يومنا بحركة سليمة نشطة؛ لأننا نستقبل الليل بسكون سليم وهدوء تام.. والحق سبحانه فى معرض تعداد نعمه علينا يقول: «أَرَأَيْتُمْ...» يعني: أخبرونى ماذا تفعلون «إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة...» يعني: طوال حياتكم «مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ...».

والسرمد: الدائم المستمر. وقال «بِضِيَآءٍ...» ولم يقل بنور؛ لأن النور قد يأتى من النجوم، وقد يأتى من القمر، أمّا الضياء وهو نور وأشعة وحرارة، فلا يأتى إلا من الشمس..

لذلك يقول سبحانه: «هُوَ الذى جَعَلَ الشمس ضِيَآءً والقمر نُوراً...» «يونس: 5».


وقال: «مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ...» ولم يقُلْ: مَنْ يأتيكم بضياء ليلفت نظرنا إلى أن هذه المسألة لا يقدر عليها إلا إله، ولا إله إلا الله، وفى الضياء تبصرون الأشياء، وتسيرون على هُدىً، فتؤدون حركات حياتكم دون اصطدام أو اضطراب، وبالضياء أعايش الأشياء فى سلامة لى ولها، وإلاَّ لو سرْنا فى الظلام لتحطمنا أو حطّمنا ما حولنا؛ لأنك حين تسير فى الظلام إمّا أنْ تحطم ما هو أقل منك، أو يحطمك ما هو أقوى منك..

وكما يكون الضياء فى الماديات يكون كذلك له دور فى المعنويات، وضياء المعنويات القيم التى تحكم حركة الحياة وتعدلها، وتحميك أنْ تُحطِّم مَنْ هو أضعف منك، أو أنْ يُحطمك الأقوى منك؛ لذلك كان منطقياً أن يقول تعالى: «هُوَ الذى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور....» «الأحزاب:43» ..

والمراد: من ظلمات المعانى إلى نور القيم، لا ظلمات المادة لأننى لا استغنى عنه لراحتي، فله مهمة عندى لا تقلّ عن مهمة النور لذلك يقول تعالى فى وصفه لنوره عز وجل «نُّورٌ على نُورٍ...» «النور: 35»..

نور مادى تُبصرون به الأشياء من حولكم، فلا تتخبطون بها، فتسلَم حركتكم، وهذا النور المادى يشترك فيه المؤمن والكافر، وينتفع به المطيع والعاصي، فلم يضِنّ به على أحد من خَلْقه، أما النور المعنوى نور الهداية ونور اليقين والقيم، فهذا يرسله الله على يدَيْ رسُله، فإذا أخذ المؤمن النورين انتفع بهما فى الدنيا، وامتد نفعه بهما إلى يوم القيامة؛ لذلك قال بعدها: «يَهْدِى الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ...»«النور: 35».


ولأن الآية الكريمة بدأت بقُلْ، فمن المناسب أنْ تختم بقوله تعالى: «أَفَلاَ تسْمَعُونَ...» «القصص: 71» يعني: اسمعوا ما أقول لكم وتدبروه.. ثم يمتنُّ الله تعالى بالآية المقابلة لليل، وهى آية النهار: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ الليل سَرْمَداً إلى يَوْمِ القيامة...» يعني: دائم لا نهاية له «مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تبْصِرُونَ»..

تلحظ أن هاتين الآيتين على نَسَق واحد، لكن تذييلهما مختلف، مما يدلُّ على بلاغة وإعجاز القرآن، فلكلِّ معنىً ما يناسبه، ففى آية الليل قال «أَفَلاَ تَسْمَعُونَ» وفى آية النهار قال: «أَفلاَ تُبْصِرُونَ» ذلك لأن العين لا عملَ لها فى الليل إنما للأذن، فأنت تسمع دون أنْ ترى، وبالأذن يتمُّ الاستدعاء.. أما فى النهار وفى وجود الضوء، فالعمل للعين حيث تبصر، فهو إذن ختام حكيم للآيات يضع المعنى فيما يناسبه.

اقرأ أيضاً|خواطر الإمام الشعراوي.. وربك يخلق ما يشاء ويختار

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة