صورة موضوعية
صورة موضوعية


ما حكم وضع كاميرات المراقبة في الأماكن الخاصة والعامة؟.. المفتي يُجيب 

كرم من الله السيد

الجمعة، 18 فبراير 2022 - 03:32 م

تلقت دار الإفتاء، سؤالا حول ما حكم وضع كاميرات المراقبة في الأماكن الخاصة والعامة؟، وأجاب عليه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية بأنه لا يجوز مطلقًا وضع كاميرات المراقبة في الأماكن الخاصة التي تنتهك الحرمات؛ كدورات المياه أو غرف تغيير الملابس ونحوها.

وأما وضعُها في الأماكن الخاصة؛ كالبيوت، ونحوها، بغرض التجسس على الناس فهو حرامٌ شرعًا إلَّا ما كان بناء على ما تُقرِّره القوانين والتشريعات.

وتابع، وأما وضعُها في الأماكن العامة؛ كالشوارع والمحلات التجارية أو مداخل العمارات السكنية؛ لمنع السرقة، ومراقبة حركة السير وضبطها أو لتتبع ما يقع من الجرائم ومحاسبة المسؤول، أو في أماكن العمل؛ لضبطه، فكل ذلك ومثله جائز شرعًا خاصة إذا كان مُقَرَّرًا بالقانون كما هو الحال في بلادنا اليوم.

وبين فضيلة المفتي أن كاميرات المراقبة هي: آلة تصوير توضع في أماكن معينة؛ لتقوم بتسجيل ما يقع فيها من أحداث تسجيلًا مرئيًّا ومسموعًا، بحيث يمكن الرجوع إليه فيما بعد، والحكم فيها بحسب الاستعمال.

وشرح المفتي والمقصود بالأماكن العامة  قائلاً:"هي الأماكن التي يتَردَّد عليها فئات كثيرة من الناس ولا تؤول ملكيتها أو منفعتها لشخصٍ بعينه؛ وذلك كالشوارع، والحدائق، والهيئات الحكومية ونحو ذلك. وأَمَّا الأماكن الخاصة فهي التي تؤول ملكيتها أو منفعتها لشخصٍ بعينه؛ كالمنازل السكنية مثلًا".

وبين المفتي، أنه من المقرَّر أَنَّ الأمور بمقاصدها، وأن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح، ومقاصد الشريعة الإسلامية خمسة هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وجعلت الشريعةُ كلَّ ما يحفظ هذه المقاصد مصلحة، وكل ما يضيعها مفسدة يكون دفعها في ذاته مصلحة؛ قال الإمام أبو حامد الغزالي في "المستصفى" (1/ 417، ط. مؤسسة الرسالة): [مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم: دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] اهـ.

واردف المفتي، أنه من سماحة ويسر الدين الإسلامي أَنْ جعل الأصل في الأشياء الإباحة؛ قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [لقمان: 20]، وقال عز وجل: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْه﴾ [الجاثية: 13]، إلا أن الغاية لا تبرر الوسيلة؛ فالمباح إذا استعمل في محرَّمٍ يكون حرامًا.

وأوضح، أنه إذا كان وضع هذه الكاميرات في الأماكن الخاصَّةِ بغرض التجسُّس على الناس -كما يفعله البعض من اختراق الخصوصية بوضع كاميرات تصَوِّر الناس في موضع تخفُّفِهم من ملابسهم؛ كغرف تبديل الملابس بالمحلات التجارية- ففي ذلك جرمٌ عظيمٌ وإثمٌ كبير؛ فإن تخصيص أماكن مغلقة لتغيير الملابس فيه إيذانٌ بعدمِ رؤيَةِ الغير لداخلها، فإذا كان مَنْ فيها مع ذلك مرئيًّا بالكاميرات كان ذلك غدرًا وخيانةً له، فهو كمن أمَّن إنسانًا ثم غدر به، ولا يُؤمَن ما قد يضمره أصحاب هذه الكاميرات من الاحتفاظ بتلك الصور والمقاطع المرئيَّةِ وسوء استخدامها، وما قد يترتَّبُ عليه ذلك من تكرار رؤيتها أو تناقلها، وما قد يَجُرُّه ذلك من إشاعة الفاحشة بين الناس وهدم البيوت واتهام الأبرياء.

وقد نصَّ الفقهاء على أن النظر إلى العورات مُحَرَّم إلا أن تكون هناك ضرورة ماسَّة؛ كالتداوي:

قال العلامة ابن مازة الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (5/ 336، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يحلّ النظر إلى العورة، إلا عند الضرورة] اهـ.

وبين المفتي، أنه ليست دعوى الحفاظ على الأموال من السرقة بدعوى صحيحة تسمح لأحد بالتجرؤ على تصوير الأشخاص عراةً وهم يبدِّلون ملابسهم، ثم الاطلاع على عوراتهم بعد ذلك؛ بل هناك الكثير من الوسائل التي يمكن بها الحفاظ على الأموال؛ وذلك كتركيب الأجهزة التي تعلق بالملابس، والتي تحدث أصواتًا مرتفعة إذا لم يتم إزالتها بجهاز لا يتوفر إلا عند صاحب المحل، كما يمكن تعيين شخص مسؤول عن مراقبة غرف الملابس وعدد الملابس التي يصطحبها كل مشترٍ قبل دخوله.

وقد نصَّ القانون المصري على وجوب معاقبة كل من يعتدي على حرمة الحياة الخاصة للآخرين؛ سواء كان ذلك بالتنصّت عليهم أو التسجيل لمحادثاتهم أو تصويرهم أو نقل صورهم الخاصة بأية وسيلة من الوسائل.

فجاء في قانون العقوبات المصري المادة (309) مكررًا (1) لسنة 2004م: [يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونًا، أو بغير رضاء المجني عليه:

-استرقَ السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيًّا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون.

-التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيًّا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص.

لافتاً إلى أنه إذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماعٍ على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضًا.. ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة، أو تحصل عليه، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها] اهـ.

ونصت المادة (309) مكررًا (1/أ) على أنه: [يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهَّل إذاعة أو استعمل ولو في غير علانية تسجيلًا أو مستندًا متحصلًا عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن.

ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من هدَّد بإفشاء أمرٍ من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه] اهـ.

أما إذا كان وضع هذه الكاميرات في أماكن عامة؛ كالطرقات والمحال التجارية ونحوها فهو مباح، لا سيما إذا كان بعمل وليِّ الأمر أو أمره؛ لضبط حالة البلاد والعباد، والتقليل من المخالفات المرورية والجرائم، ومعاقبة المعتدين وتغريم المخالفين.. إلخ.

فلا شكَّ أنها من الزواجر التي تساعد على ذلك؛ والأمر كلّه دائر في نطاق ما يكون تجسسًا وهتكًا لستر خاصة الناس وعوراتهم أو لا؛ فقد نص الفقهاء على أنه يجوز للحاكم إذا كان عنده من الأمارات ما يستدعي التتبع والتجسس لإيقاف منكرٍ أو منع جريمة أو مراقبة اللصوص وقطاع الطرق ونحوهم فإنه يجوز له ذلك:

وختم المفتي فتواه بأنه وبناءً على ذلك: فوضع كاميرات المراقبة له حالتان:

فإن كان في الأماكن العامة كالمحلات التجارية؛ لمنع السرقة، أو في الشوارع؛ لمراقبة حركة السير وضبطها، أو لتتبع ما يقع من الجرائم ومحاسبة المسؤول؛ فلا حرج فيها، وكل هذه الاستعمالات وأمثالها جائزة، لا سيما إذا كانت مُقَرَّرة بالقانون كما هو الحال في بلادنا اليوم.

وأما إن كان استعمال هذه الكاميرات في الأماكن الخاصة؛ كالبيوت ونحوها، بغرض التجسس على الناس، فإنه ممنوع شرعًا إلَّا للحاكم وفْق ما تقرِّره القوانين والتشريعات، وكذلك يجوز وضعها في أماكن العمل؛ لضبطه أو لضبط الأمن.

وأما وضعها في الأماكن الخاصة التي تنتهك الحرمات بوضع الكاميرات فيها كدورات المياه أو غرف تغيير الملابس ونحوها فلا يجوز مطلقًا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة