يسرى الفخرانى
يسرى الفخرانى


فنجان قهوة

شكرا ساعى البريد!

أخبار اليوم

الجمعة، 18 فبراير 2022 - 07:33 م

فى الأعياد وفى بدايات الأعوام كنت أنتظر نداء ساعى البريد بشغف وهو يردد ( بوستة بوستة )، ثم يقدم لنا رزمة من الأظرف المطبوعة بالأزرق والأحمر وداخلها الهدية المنتظرة! 


نوزعها بالأسماء ويستقر كل واحد فينا فى مكان بالبيت لكى ينزع الهدية الصغيرة من الظرف بحذر حتى لا تُخدش، كانت الهدية هى كارت بوستال ملون جميل مطبوع بدقة وفخامة ويحمل صورة من مكان رائع ومكتوب على ظهر الصورة أمنيات مُرسلها وكلماته القليلة التى تحمل أشواقا وقبلات..

عشقت فى حياتى كارت البوستال، وكنت أذهب إلى باعة الصحف حيث يعرض على ستاند دوار وأشترى لكل واحد الصورة التى يحبها لأرسلها له بالبريد، وأنتظر ماذا سيرسل لى من صور .

أحتفظ بها فى نظام دقيق وأشم فيها رائحة الأماكن التى أرسلت منها.. كان لنجوم الفن وكرة القدم صور فى كروت البوستال، لكنى أحببت دائما صور الأماكن، لا أعرف اليوم كيف كانت صور الأماكن فى كارت بوستال تحملنى إليها، كأننى سافرت لها ولمستها!


كنت أتلقى كروت بوستال ملونة من معارف وأصدقاء يعيشون فى باريس وروما وأثينا، يرسلون لى صورا للبحر والمتاحف والميادين، وعندما مرت السنوات وسافرت إلى هذه المدن حرصت دون أن أدرى على زيارة نفس الأماكن التى رأيتها فى كروت البوستال..

وحتى سنوات قليلة مضت كانت كروت البوستال تحتفظ بمكان مرموق ومميز فى الفنادق الكبيرة، بحيث يشترى منها الزوار ويكتبون كلمات قليلة ويتركونها للفندق لكى يرسلها لعائلاتهم بالبريد، وكنت حريصا على أن أفعل ذلك فى كل فندق أمر به فى سفرى، وأعتنى بالمكتوب وأشعر أننى أرسل قطعة من المدينة إلى شخص أحبه..

لا تعوضنا الرسائل القصيرة التى تحمل صور الأماكن على التليفون متعة كارت البوستال، مهما أرسلت صور كثيرة لمن تحب..

هى مجرد صور وليست هدية من روح المدينة وروح المناسبة وروح الأعياد .

للكارت البوستال قيمة تُبعث من فن اختيارها ومن الحبر الذى تُمرر به كلماتك السرية إلى من تحب . انها هدية رغم بساطتها قيمة وغالية ومبهجة، وكم كنت أتمنى أن تستمر مهما أصبح التواصل أسهل وأخف، فكلما كان الجهد الذى تبذله فى تذكر شخص تحبه ..

كان الأثر أعمق.


مازلت أحتفظ بكروت بوستال قطعت رحلات سعيدة من مدن بعيدة إلى بيتى فى مناسبات مختلفة وأعياد، مازلت أتذكر لحظات وصولهم وأتذكر الكروت التى اخترتها بعناية لأرد على هديتهم الجميلة، مازلت أشم هذه الرائحة كأنها اليوم، وأمتن لكروت البوستال التى علمتنى الخيال والحب ومنحتنى قدرة على السفر إلى بعيد، ومازلت سعيدا أننى اشتريت تلك الصور المطبوعة كأننى أشترى قطع حلوى طازجة بفرح ومرح  لامتلاكها.. ومازال صوت ساعى البريد ( بوستة بوستة ) ..

يحمل لى ايقاع السنوات الحلوة التى كان فيها انتظار الرسائل متعة سخية بالمفاجآت السعيدة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة