محمد جادالله
محمد جادالله


رؤى فلسفية..

«أرسطو طاليس».. منهجه وموقفه من الفلاسفة الطبائعيين الأوائل

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 30 أبريل 2024 - 10:28 م

بقلم/ محمد جادالله

يحتل أرسطو بين فلاسفة العالم مكانة رفيعة لا يستطيع أي من الفلاسفة قديمهم أو حديثهم أن ينازعه فيها؛ فهو رغم تتلمذه علي يد أفلاطون لمدة قد تزيد عن عشرين عامًا نجح في أن يتجاوز فكر أستاذه، وأن يقدم فلسفة جديدة عمادها الارتكاز علي العلم واحترام معطيات الواقع المحسوس. وبذلك أصبح هو أستاذه من اقتسما التأثير على الفكر العالمي حتى مطلع العصر الحديث، بل ربما إلى وقتنا هذا تستطيع أن نقول إن هذا الفيلسوف إما أفلاطوني أو أرسطي؛ وهذه المكانة التي أحتلها أرسطو لم تأت من فراغ، وإنما جاءت نتيجة عقليته الموسوعية وفضوله العلمي.

لذلك كان القدماء معجبين بكتابة أرسطو وقال شيشرون: «إن أسلوبه يتدفق كنهر من تبر». وأن هذا الإعجاب كان منصبًا على مصنفاته الأولي. كما أن أرسطو خالف أستاذه أفلاطون في الكثير من آرائه، ومن ضمن تلك الخلافات تتمثل في المنهج الذي أتبعه كلآ منهما. فبينما سار أفلاطون على منهج الرياضيين الذي يعتمد على الأفكار والفرضيات المسبقة والنظريات الخيالية التي لا توافق الواقع غالبًا. أما أرسطو أعتمد على منهج الطبيعيين التجريبي الذين يبدؤون بدراسة الجزئيات وينتهون إلى وضع النظريات التي توافق الواقع الملموس. وماذا عن منهجه في النقل والتأليف؟

أما منهجه في التأليف فيمر بمراحل أربع:
(أ) تعين موضوع البحث.​(ب) سرد الآراء في هذه الموضوع.

(ج) تسجيل الصعوبات.​​(د) وأخيرًا ينظر في المسائل نفسها ويفحص عن حلولها مستعينًا بالنتائج المستخلصة في المراحل السابقة.

عزيزي القارئ لنا أن نقول إن الأسلوب العلمي الدقيق الذي أتبعه أرسطو في الكتابة كان وراء هذا التفرد الأرسطي، وكان تأسيسًا للأسلوب العلمي الجيد الذي ينبغي أتباعه لا في الكتابة الفلسفية وحدها، بل أيضا في الكتابة في العلوم المختلفة، فأرسطو أول من أبتدع بحق الطريقة العلمية في الكتابة وأول من حاول نحت المصطلحات المناسبة لكل علم، وإن كان من الطبيعي أن يحدث كل فترة تطور نوعي في الكتابة العلمية، يواكب به التطور في آليات ومناهج البحث العلمي.

أضف إلى ذلك صديقي القارئ أن اكتشاف أرسطو للمنطق وتمييزه بين أسلوب التفكير الصحيح والتفكير الخاطئ واكتشافه لأسس التفكير العلمي الاستدلالي بنوعيه (الاستقرائي والاستنباطي)، قد مكنه بلا شك من غربلة كل التراث الفكري السابق عليه، كما مكنه من القضاء على التفكير السفسطائي المغالط الذي شغل السفسطائيون فيه الناس في محاولات تعتمد على المغالطات اللغوية واللفظية، وقد أتاح له فرصة نادرة للتقدم خطوة إلى الأمام في البحث العلمي الذي يفحص الواقع دون التحليق في الخيال، والعيش بين الألفاظ والمماحكات اللغوية.

وقبل أن يقوم أرسطو بوضع بنود فلسفته قام بفحص فلسفة من تقدمه من الفلاسفة الطبائعيين، كطاليس وأنبادوقليديس وهرقليطس، من جهة، وغير الطبائعيين كأفلاطون وفيثاغورس من جهة أخري. وميزة فلسفة أرسطو إنها عبارة عن تركيب محكم ألف فيه بين أقوال سابقيه من الفلاسفة، إذ أن فلسفة أرسطو هي البحث عن العلل والمبادئ الأولي.

كما قام أرسطو بنقد فلسفة أفلاطون الطبيعية، كما أنه وضع معني الطبيعة ووضع مبادئ لموجودتها وسُمي هذا بالتصور الأرسطي للعالم الطبيعي. إن نقطة بداية فلسفة أرسطو تعد رد فعل لفلسفة أفلاطون، ولكن كيف هذا؟ كيف تكون فلسفة أرسطو رد على فلسفة أفلاطون؟ وذلك بسبب قيام أرسطو بنقد مبدأ الطبيعة عند أفلاطون الذي يري أن الطبيعة هي النفس، ودلل أرسطو على ذلك وقدم أرسطو نظريته في الطبيعة وتلك النظرية فسر بها الوجود وهي "مجموعة أجسام مرتبة في نظام واحد"، بينما أفلاطون يري أن الوجود موجودًا وجودًا مركبًا من نفس وجسمًا، فليس الطبيعة نفسها كما اعتقادها أفلاطون ولا المادة جسم العالم كما تصورها أفلاطون.

فأفلاطون كانت نظريته إلى المادة باعتبارها مبدًا ضروريًا لتكوين العالم هي الحامل الذي تحمل فيه صورة الشبيه، ومن هنا تجاوز أرسطو أستاذه وكان له رأي آخر في شأن ذلك الموضوع ونظر إلى المادة بوصفها شرطًا يتوقف على وجوده تحقق الصورة. إذًا يحاول أرسطو هنا أن يبين أن الصورة هي الأصل في الطبيعة من خلال عقد مقارنة بين العلم الرياضي والعلم الطبيعي بقولة إن النظر في المادة يختلف في العلم الرياضي عنه في العلم الطبيعي.

وفي الختام، لا نجانب الصواب إذا قلنا إن أرسطو أحتل مكانته المركزية في تطور الفلسفة والعلم، وأصبح من المستحيل على أي مؤرخ أو باحث في الفلسفة أو في العلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية أو الرياضية، أن يتجاهل إنجازات وتأثير أرسطو طاليس اللامحدود على كل من أتوا بعده.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة