التظاهرات الأمريكية
التظاهرات الأمريكية


تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالى: «البلاد مهددة بظهور الذئاب المنفردة»

واشنطن على حافة الهاوية !

آخر ساعة

السبت، 19 فبراير 2022 - 12:59 م

دينا توفيق

انقسامات داخلية وخلافات سياسية.. حالة من الاستقطاب السياسى والمجتمعى تشهدها الولايات المتحدة.. أزمات اقتصادية بعد تجاوز الدين المحلى 30 تريليون دولار وعجز الموازنة 26% إلى ما يقرب من تريليون دولار للمرة الأولى مع انحراف اقتصادها نحو النخبة من الأثرياء.. هؤلاء الأثرياء الذين نقلوا كل الصناعات وتكنولوجياتها بالإضافة إلى حقوق ملكيتها الفكرية إلى الصين، ما كان له ثمن باهظ على الاقتصاد الأمريكي، أزمات عدة تمر بها البلاد مع اشتعال الحرب الباردة بين واشنطن وبكين، ومن ناحية أخرى روسيا، مرورًا بتفشى فيروس كوفيد-19 وإلزامية اللقاح وظهور مناهضين له، وصولًا إلى الاحتجاجات وأعمال الشغب فى الكابيتول واحتدام الصراع بين الحزبين الديمقراطى والجمهوري؛ ما جعل الولايات المتحدة أقرب من الحرب الأهلية.
 

يبدو أن المخاوف تتزايد بشأن احتمال اندلاع حرب أهلية جديدة فى الولايات المتحدة أكثر دمارًا من التى اشتعلت عام 1861 واستمرت حتى عام 1865، التى أودت بحياة أكثر من مليون شخص.. ازداد النقاش حول هذا الموضوع فى وسائل الإعلام الأمريكية خاصة مع الذكرى الأولى لأعمال الشغب واقتحام الكونجرس الذى يعد بمثابة تحول خطير فى السياسة الأمريكية والاستقرار القومي، ومن قبله الاحتجاجات المناهضة للعنصرية خلال السنوات القليلة الماضية التى تضمنت أيضًا أعمال شغب ومواجهات عنيفة وتدمير للممتلكات. وعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" العديد من مقالات الرأى منها الذى كان يحمل عنوان "أمريكا انقسمت، وهى الآن فى وضع شديد الخطورة" وغيره مثل "هل الحرب الأهلية قادمة لأمريكا؟"، وكذلك كان وضع مجلة "نيويوركر" التى ضمت تحقيقًا بعنوان "هل هناك حرب أهلية مقبلة؟" للصحفى "ديفيد رينيك" يوضح حقيقة الأوضاع بعد عام على أحداث الكابيتول، قائلًا إن البلاد أصبحت تعيش وضعًا محدودًا يسميه العلماء "الأنوقراطية"؛ أى أن الحكم يوزع بين مجموعات النخبة التى تتنافس باستمرار مع بعضها البعض للحصول على السلطة، ما يعنى أن الأمريكيين عالقون بين الديمقراطية والاستبداد، لأول مرة منذ مائتى عام.

 

وهذا الشعور يزيد من احتمالية إراقة الدماء وخطر اندلاع حرب أهلية. فيما طرح مقطع فيديو للشبكة  الإخبارية CNN سؤالاً مماثلًا: "هل تتجه أمريكا إلى حرب أهلية أم انفصال؟" كما يسلط تقرير حديث لمكتب التحقيقات الفيدرالى «FBI» الضوء على تزايد مخاطر العنف ضد المؤسسات الحكومية والمنظمات الخاصة والأفراد؛ فى إشارة إلى أن الجناة المحتملين ميليشيات ومجموعات يمينية متطرفة وهو ما يندرج ضمن ظاهرة الذئاب المنفردة. ووفقًا لصحيفة "واشنطن بوست"، تسببت الشرطة الأمريكية فى مقتل ما يقرب من 1055 شخصًا بعد إطلاق النار عليهم خلال العام الماضي. ويأتى هذا الارتفاع فى الأعداد وسط تصاعد جرائم العنف على مستوى البلاد. كما أعلنت وزارة الأمن الداخلى الأمريكية الأسبوع الماضي، أن البلاد تواجه تهديدات متزايدة من جماعات متطرفة محلية وأجنبية، وسلطت الضوء على العديد من الوقائع التى شهدها عدد من الولايات خلال يناير الماضى ومن بينها تهديدات بتفجير مدارس وكليات وجامعات وأدت إلى إلغاء الدراسة بها وبعد إجراء أعمال البحث لم يعثر المحققون على متفجرات. 


ويكمن سياق معقد وراء المناقشات حول الحرب الأهلية والانقسامات المحتملة فى الولايات المتحدة، حيث أدت العولمة إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وفشلت الحكومة الأمريكية فى تضييقها. كما ساعدت الجائحة على تضخيم هذه المشكلة، مع استحواذ الشركات الكبرى على التحفيز الفيدرالى تاركة صغار المستثمرين وسط العاصفة، وقفزت ثروتهم إلى 4٫1 تريليون دولار؛ فالأثرياء يزدادون ثراء بينما الفقراء يزدادون فقرًا. يهيمن الحزبان الرئيسيان (الديمقراطى والجمهورى) على السياسة الأمريكية إلى درجة أن صعود طرف ثالث كقوة ناشئة قد يبدو مستحيلًا تقريبًا. حالة من الانقسام والاحتجاجات ناتجة عن تمكن الأوليجاركية - التى تمثّل الرأسمالية المعولمة - من السيطرة شبه الكاملة، بعد توغلها فى كل أركان دوائر صنع القرار الأمريكي، بما فى ذلك المكتب البيضاوي، وإطاحتها بالرئيس الأمريكى السابق "دونالد ترامب"، الذى أراد عودة الصناعة والاستغناء عن العملاق الآسيوى الصين، بعد أن جعلوا من الأخير "مصنع العالم" بامتلاكه كافة الصناعات الأساسية ونقل التكنولوجيا الحديثة له؛ حتى بدأ يتساءل المستهلكون الغربيون، "لماذا صُنع كل شيء فى الصين؟". لعقود من الزمان، كانت الصين على رأس أولويات الشركات الأمريكية التى تتطلع إلى التوسع.

 

ويعتقد البعض أن انتشار المنتجات الصينية فى كل مكان يرجع إلى وفرة العمالة الصينية الرخيصة التى تقلل من تكاليف الإنتاج. عندما بدأت الصين فى إغلاق المدن والبلدات فى أوائل عام 2020 لمكافحة الفيروس، أحدثت تأثيرًا مضاعفًا أجبر الشركات فى جميع أنحاء العالم على وقف إنتاجها لعناصر تتراوح من مكونات السيارات والمواد الكيميائية والهواتف الذكية إلى الأقنعة والألعاب الجراحية. واليوم تتوحش الصين وعلى استعداد لالتهام العالم، بينما تنهض روسيا من جديد والولايات المتحدة تبدو مستهلكة مرة أخرى بسبب الانقسام الداخلي. فيما انتقدت المتحدثة السابقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، "مورجان أورتاجوس"، خلال مداخلتها مع برنامج "فوكس آند فريندز" الأمريكى الرئيس بايدن والرئيس الأسبق "باراك أوباما" لتعاملهما مع الصين؛ حيث رفض بايدن التأكيد على أنه والرئيس الصينى "شى جين بينج" صديقان قديمان. كما كانت سياستهما هى التمحور نحو آسيا وأن الصين كانت فى طريقها للنهوض وأن الولايات المتحدة ستنحدر حتمًا. لكن رفض ترامب هذه النظرية عندما تولى المنصب، وبدأ فى توجيه ضربة قوية لتهديد الحزب الشيوعى الصيني، ومحاولة استعادة الصناعات من الصين، وتطبيق سياسة أمريكا أولًا.


والآن يسارع تيار الأوليجاركية فى تنفيذ مخططهم، الذى نتج عنه محو للديمقراطية وإرهاب بيولوجى يهدد البشرية وإخضاعها لسياسات لا تخدم سوى مصالحهم. وفى المقابل إمبراطورية الرأسمالية الكلاسيكية التى تبذل قصارى جهدها للتصدى لأجندة الرئيس "جو بايدن" ورئاسته التى تتحكم بها الأوليجاركية، ما يعنى بوادر لتمرد على ما تقوم به هذه النخبة نحو استعباد الشعب الأمريكي، وفى الوقت نفسه، صراعات مستمرة، لا يستطيع أى طرف أو يرغب فى التعاون من أجل الشعب، وظهور الجمود السياسي؛ ما أيقظ الأمريكيون وأدركوا ما يحدث حولهم؛ ومن هنا يستمر الصراع السياسى فى الولايات المتحدة على شكل مواجهة شديدة تؤدى إلى صراعات داخلية.


ستجرى انتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة هذا العام؛ ومن المتوقع أن تشتد المواجهة بين الطرفين، وقد تنزلق البلاد إلى شبه حرب أهلية. يشعر الناخبون بقلق عميق بشأن الانقسامات السياسية المتزايدة فى البلاد، ويعتقدون أن الأمور قد ساءت منذ أن بدأ الوباء وتولى الرئيس بايدن منصبه. حيث أظهر أحدث استطلاع رأى أجراه معهد "جورج تاون" للسياسة والخدمة العامة ونشرته صحيفة "ديلى ميل" البريطانية، صورة قاتمة عن اتجاه السياسة؛ ووجد أن 43% من الناخبين يعتقدون أن العلاقات السياسية غير متحضره منذ أن أدى بايدن اليمين العام الماضي، بينما قال 29% فقط إنهم أصبحوا أكثر تحضرا. وعند النظر إلى المستقبل، فإن الرؤية قاتمة نظرًا لأن الناخبين يعتقدون أن الأمور ستزداد سوءًا؛ حيث أكد غالبية من شملهم الاستطلاع والبالغ عددهم نحو ألف شخص أنهم يتوقعون اشتعال الاحتجاجات السياسية وستكون أكثر عنفًا. ربما سيكون لانتخابات التجديد النصفى فى نوفمبر القادم تأثير على مجريات الأمور، وسيتوقف على التيار الذى سينتصر فى النهاية.
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة