بايدن..  ضجيج بلا طحين
بايدن.. ضجيج بلا طحين


وسط تهديدات غربية واستفزازات روسية

الحرب العالمية الثالثة على الأبواب!

آخر ساعة

السبت، 19 فبراير 2022 - 01:52 م

خالد حمزة
هل هو فصل جديد من فصول الحرب الباردة أم حلقة من سلسلة حبس الأنفاس، والوصول لحافة الهاوية؟.. حشود عسكرية وسفن وبوارج ودبابات وصواريخ وطائرات، وتهديد من خطر نووى محتمل، وإرهاصات لحرب عالمية ثالثة، وتصريحات متبادلة بين روسيا والغرب، ومحاولات من كل طرف للضغط على الطرف الآخر، لزحزحة موقفه، والمزايدة عليه وتهديده، ليقترب الصراع من حافة الهاوية! 
 

روسيا تلك القوة السياسية والعسكرية الكبيرة تنافس أمريكا والغرب، وتتحالف مع الصين القوة الاقتصادية الصاعدة بقوة الصاروخ، وأمريكا تريد الحفاظ على الوضع القائم، وتوريط روسيا فى المستنقع الأوكرانى لإنهاكها اقتصاديًا، بينما العالم يتابع ويشاهد ما يحدث.


خلال المباحثات والمكالمات الأخيرة، أعلنت موسكو على مستوى وزيرى الدفاع والخارجية، خفض التصعيد والحيلولة دون نشوب حرب، وقال الجيش الروسى إن وزير الدفاع سيرجى شويجو ونظيره الأمريكى لويد أوستن، بحثا القضايا الأمنية، وحذر الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون نظيره الروسى فلاديمير بوتين خلال مكالمة هاتفية، من أن حوارا صادقا لا يتلاءم مع أى تصعيد عسكرى على الحدود الأوكرانية.


وقبل ذلك، أكد وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن خلال اتصال هاتفى مع نظيره الروسى سيرجى لافروف، أن المسار الدبلوماسى مازال مفتوحا، لتجنب الصراع فى أوكرانيا، لكنه يتطلب وقف التصعيد من موسكو وحوار بحسن نية، ولكن أى غزو روسى سيؤدى إلى رد حازم وكبير وموحد.


من جانبه، وصف سيرجى لافروف اتهامات واشنطن، التى تقول إنها تخشى غزوا روسيا بالاستفزازات، وأن الحملة الدعائية التى تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها بشأن عدوان روسى على أوكرانيا، أدت إلى تشجيع أوكرانيا، على رفض أى حل سلمى للأزمة، وفى وقت سابق أيضا، قال وزير الخارجية الأمريكى إن واشنطن ستفرض عقوبات اقتصادية سريعة إذا غزت موسكو أوكرانيا.
على الأرض، بدأت روسيا مناورات بحرية فى البحر الأسود، بمشاركة أكثر من 30 باخرة وسفينة حربية، وتتزامن هذه التحركات الروسية مع مناورات مشتركة، تجريها موسكو فى شرق بيلاروسيا لرد أى عدوان خارجى والتصدى للإرهاب، وقالت وزارة الدفاع الروسية، إن البواخر وقوات حرس الشواطئ البحرية، انتقلت إلى مناطق الإعداد القتالى فى المرحلة الأولى من مناورات حربية، تجرى تحت قيادة قائد أسطول البحر الأسود، وأن المناورات تهدف إلى التدريب على حماية شواطئ شبه جزيرة القرم، ومراكز مرابطة قوات الأسطول والمنشآت الاقتصادية، وخطوط المواصلات البحرية والمنطقة البحرية الاقتصادية، بينما أمرت واشنطن بعض موظفى سفارتها غير الأساسيين بمغادرة أوكرانيا، مع مطالبة رعاياها بمغادرة البلاد فى أقرب وقت. وانضمت عدة دول إلى واشنطن فى حث رعاياها على مغادرة أوكرانيا، من بينها أستراليا ونيوزيلندا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا وإيطاليا وبلجيكا، وعدد من الدول العربية، فيما حثت الصين مواطنيها على الانتباه للوضع الحالى فى أوكرانيا، دون أن تطلب منهم المغادرة. 


بالمقابل، قررت روسيا ترشيد طاقمها الدبلوماسى فى أوكرانيا، وأعلن الرئيس الأوكرانى زيلينسكى، أن قواته على أهبة الاستعداد وسط إجراء مناورات عسكرية أوكرانية، ردا على المناورات والحشود العسكرية الروسية وسط مظاهرات شعبية مناصرة له، وتسليح أوروبى أمريكى غير مسبوق لأوكرانيا، ووسط شعارات أوكرانية موجهة لروسيا بعنوان «أهلا بكم فى الجحيم».
الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ضابط الاستخبارات السوفيتية السابق «كى جى بى»، يمارس سياسة حافة الهاوية، على غرار الحرب الباردة، ويستعرض الرئيس الروسى على نحو منتظم مهاراته فى رياضة الجودو، وغير ذلك من فنون الدفاع عن النفس، حيث يعتمد النجاح فى هذه الرياضات غالبا على ما يسميه اليابانيون كوزوشى، أى إفقاد الخصم توازنه من خلال توظيف أساليب مصممة، لإرباك توازن الخصم بدنيا وذهنيا، لكن خصومه يقولون إن من ضمن قواعد الرياضة احترام الخصم، وهو الأمر الذى لم يحسبه بوتين فى حساباته الأوكرانية، وربما يـحـسِـن صنعا بممارسة لعبة أخرى أشد ارتباطا بروسيا، وهى الشطرنج، حيث يفكر أفضل اللاعبين فى عدة تحركات سلفا، ويحترمون خصومهم.


على نفس النهج الذى يكون معه قط شرودنجر الشهير، الذى يكون ميتاً وفى نفس الوقت حيا، فإن بوتين اختار أن يقامر فى النزاع، وكأنه يعيش فى حالة تعاقب متواصلة، بين الهجوم وعدم الهجوم، والاختراق وعدم الاختراق، كما أنه يجذب اهتمام العالم نحوه، لكن هل تستمر تلك المقامرة طويلا؟ فالمحادثات التى جرت مؤخرًا فى جنيف بين وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف ووزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، بشأن الأزمة المتعلقة بأوكرانيا- كما تقول صحيفة واشنطن بوست الامريكية- لم تسفر عن أى نتيجة، فقد طلبت روسيا ردًا خطيا على مطالبها، وأبرزها وقف توسيع منظمة حلف شمال الأطلنطى، وهو ما جعل الرئيس الروسى لا يشعر بالارتياح إزاء الجمود الحالى، بقدر ما تشعر به الولايات المتحدة وحلفاؤها فى الناتو، والسبب أن بوتين تبنى سياسة حافة الهاوية فى مواجهة أوكرانيا، وصحيح أنه نجح فى إثارة الشكوك حول قوة التزام حلف شمال الأطلسى تجاه أوكرانيا، وسلط الضوء على انقساماته الداخلية، فألمانيا تكاد تقف على الحياد، وبريطانيا تلتزم بالموقف الأمريكى، أما فرنسا فتفضل إمساك العصا من المنتصف، كما أنه نجح فى تأكيد النفوذ السياسى والعسكرى الروسى، وقد يتمكن من الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة وحلف الناتو، لكنه يجازف بوضع نفسه فى موقف لن يحسد عليه، يفرض عليه شن غزو مكلف ماديا وسياسيا.


أيضًا فإن وقف توسع عضوية حلف الناتو، كان أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية للكرملين، لكن نهج بوتين لم يسفر عن أى نتائج تذكر، ولم ينجح العدوان الروسى على أوكرانيا منذ عام 2014 إلا فى جعل عضوية الحلف أكثر جاذبية لدول مثل أوكرانيا وجورجيا، وإضافة لذلك فشلت الإجراءات الروسية فى منع البلدان المرشحة الأصغر حجمًا من الانضمام إلى الحلف، مع انضمام الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية فى عامى 2017 و2020 على التوالى، وأدت السياسة الخارجية العدائية التى ينتهجها بوتين، إلى النظر بجدية فى عضوية الحلف من جانب السياسيين البارزين فى البلدان المحايدة مثل السويد وفنلندا، كما أن تصعيد التوترات بشأن أوكرانيا يحمل مخاطر محلية هائلة بالنسبة لبوتين، وبينما لم يتطلب ضم الكرملين لشبه جزيرة القرم فى  2014، والتدخل فى منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا، سوى القليل من التضحيات، وزاد بشكل كبير الدعم السياسى لبوتين فى الداخل، لكن من غير المرجح أن يؤدى غزو شرق أوكرانيا إلى تحقيق مكاسب سياسية، حيث أظهرت استطلاعات الرأى فى روسيا منذ فترة طويلة، دعمًا شعبيا ضئيلا لمثل هذه الخطوة، وفى الوقت الحالى يؤيد ربع الروس فقط دمج إقليم دونباس فى روسيا، ويدرك بوتين أن التعبئة على طول الحدود، ليست مقدمة للحرب، بل لتوليد شعور بالصراع والأزمات فى الداخل فقط، ومن ثم يجرى الحشد لدعم النظام، وإثارة غضب الغرب، وتجاوز بعض التوترات الداخلية، بسبب التضخم والأزمات الاقتصادية.


صحيفة التايمز البريطانية، قالت إن الغزو من شأنه أن يضع سابقة سياسية مزعزعة للاستقرار، فلطالما كان النظام العالمى مدعوماً بالقاعدة القائلة بإن الدول لا تعيد رسم حدود الدول الأخرى بقوة السلاح، حتى عندما استولى العراق على الكويت فى عام 1990، تم طرده من قِبَل تحالف دولى بقيادة الولايات المتحدة، ولكن فى حال نجاح الغزو الروسى لأوكرانيا، فإن التبعات الأخطر حينها ستتمثل فى تشجيع معتدين محتملين آخرين، فمن المؤكد تنامى احتمالات غزو الصين لتايوان.


ويدرك الغرب أن ذلك يعنى أكبر حرب فى أوروبا منذ أربعينيات القرن الماضى، والأولى منذ ذلك الحين لإسقاط حكومة أوروبية منتخبة ديمقراطيا، من قبل غازٍ أجنبى، وذلك مع احتمال أن تواجه أوروبا قيام روسيا، بإيقاف تدفق الغاز إليها عبر الأنابيب، وذلك فى الوقت المتوقع فيه أن تنفق أوروبا نحو تريليون دولار على الطاقة فى 2022، حتى إذا لم تتوقف الإمدادات الروسية، كما تقول صحيفة الإيكونوميست البريطانية، وهو ما يمثل ضعف ما تم إنفاقه فى 2019، وتصل نسبة واردات أوروبا من الغاز الروسى لحوالى 40% تقريباً، وفى حال أسفرت الحرب عن خسارة كافة هذه الإمدادات، فستكون المنطقة مجبرة على اتخاذ تدابير شديدة القسوة، كما يوجد لدى روسيا قدرة على تعطيل أسواق النفط على مستوى العالم.


وستؤثر الحرب أيضاً فى أسعار السلع الأخرى فمع ارتفاع أسعار النفط، فإن روسيا هى أكبر مصدر للقمح فى العالم، كما تعد روسيا مصدراً كبيراً للمعادن، ومن ثم فإن أى صدمة، يمكن أن تدفع أسعار السلع إلى الارتفاع، وبعد أن اتخذت ألمانيا قرارا بالتخلص التدريجى من الطاقة النووية، سمحت  بأن تصبح أكثر اعتمادا على الغاز الروسى، كما بدأ بوتين حشده العسكرى مع اقتراب فصل الشتاء، عندما تعطى درجات الحرارة المنخفضة، وأسعار الوقود المرتفعة الكرملين ميزة إضافية، كما اتخذ بوتين خطوات يرمى بها إلى الحد من نقاط الضعف لدى روسيا، وخصوصا العقوبات الاقتصادية، وفى شهر ديسمبر الماضى، سجلت احتياطيات النقد الأجنبى فى روسيا مستوى غير مسبوق بلغ 360 مليار دولار، فى حين ساهمت أسعار النفط المرتفعة، على توفير عائدات كبيرة للحكومة.


ومن الواضح، أن الصين التى تقدم بالفعل الدعم الدبلوماسى للروس، تستطيع أن تقدم المساعدة المالية، إذا احتاج إليها الكرملين، ورغم ذلك، فليس من المؤكد ما إذا كانت النتيجة سترضى بوتين، فهو لن يسمع ما يريد أن يسمعه من الغرب، وهو أن أوكرانيا لن تتمكن أبدا من الانضمام إلى حلف الناتو، أو أن قوات الناتو ستنسحب من حيث جاءت، قبل أكثر من عشرين عاما، وقبل أن يتوسع الحلف إلى وسط وشرق أوروبا، وسينتهى الأمر عاجلا أو أجلا دون فائز أو مهزوم. 
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة