عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس


عبدالهادي عباس يكتب: "محفوظ".. إبداع يلقف شعوذات كارهيه!  

عبدالهادي عباس

الأحد، 20 فبراير 2022 - 09:05 م

تزايدت وتيرة الهجوم على نجيب محفوظ في الآونة الأخيرة دون سببٍ حقيقي يدعو إلى ذلك، اللهم إلا إن كان هناك ثأر بين هؤلاء الأقزام الذين لا يعرف القارئ العادي ملامحهم فضلا عن الراسخين في علوم الأدب، وبين الروائي العالمي الذي شغل القارئ العربي بأدبه الفذ، ولا يزال.
نجيب محفوظ قُنَّةٌ سامقةٌ في الأدبين العربي والعالمي.. نتيجة لا يُماريها إلا مُخاتلٌ غابنٌ، والمخاتلون لا ملتحد لهم ولا وزر من قمامات التاريخ !
ففي الأدب العربي الأدلة على علوّ كعب محفوظ أكبر من أن تُحصى كمًّا وكيفًا، إذ كان طلعةً لجيل كامل ورأسًا لرؤوس أناروا عصرنا الناهض، ولا يزالون.. وعالميًّا، دالةٌ عليه الترجمات الطامة لأعماله، مختارات قصصية، وروايات كاملة، أظهرها زقاق المدق التي أبهرت الفرنسيين فترجموها عدة مرات، ثم نقلها عنهم الإسبان في ترجمات عدة، حيث كان محفوظ العلامة الأكبر للغرب بأن في العرب أدبًا روائيًّا وقصصيًّا رائدًا.
ليس هذا فقط، وإنما يُمثل إبداع نجيب محفوظ تأريخًا للفن الروائي المصري والعربي، وكذلك الفن القصصي، والفلسفي منه على وجه الخصوص؛ ولا شك أن الفترة الأولى من بواكير محفوظ أثَّرت أيما تأثير في عقليته الإبداعية، ونظرة واحدة إلى الأسماء المصطرعة على الساحة وقتها تُدهشنا بهذا الكم من الأدباء والمبدعين والنقاد الذين لا نزال نقتات منهم حتى الآن وننزل ضيوفًا على موائدهم، وكل ذلك أثر في إبداع محفوظ، كما أثرت فيه دراسته للفلسفة، الأمر الذي كانت نتيجته تحوله إلى مرجعية أبوية لوجوه الفن الروائي كله، التي يترك المثقف كل وجوه الإبداع ليخلص لها فتخلص له، وإن كان للرواية آباءٌ آخرون أسبق زمنًا، وإن لم يكونوا أكثر جودة وأخصب فكرًا وأوفر عددًا.
ولا نغالي إذا قلنا إنه إذا أراد باحثٌ في الحياة الاجتماعية المصرية في القرن الماضي، أو دارسٌ للثورات المصرية، ما لها وما عليها، فإنني زعيمٌ بأن روايات وقصص محفوظ كافية له ومغنية عن عدد كبير من المراجع التاريخية الصرفة؛ ولا أحسب- فيما أعلم- أن لمحفوظ إسهامًا في الدراسات النقدية أو الأدبية، اللهم غير لمحات قليلة في حواراته الصحفية، وإن مثلت رواياته وقصصه كنزًا لا ينضب للنقاد والدارسين، في حياته وبعد مماته.
تناول محفوظ كل طبقات المجتمع المصري وطوائفه، لأنه وصف ما رأى بعينيه، ولم يتناول الفقراء والبسطاء فقط، وإن كان لهم نصيب الضِّعف في قصصه؛ ولكنني لا أعتقد أن هذا التناول كان السبب الرئيسي في ذيوع أعماله، وإن كان سببًا ضمن أسباب أخرى، وإلا فكيف نُفسر ذيوع أعماله بين المترفين والمثقفين، وهي فئات بعيدة كل البعد، عن الشحاذين وصانعي العاهات والبائعين والحلاقين وأرباب هذه المهن؛ إنه صدق التناول وجودة التركيب.. ويُخطئ من يحسب أن لغة محفوظ سهلة التناول أو قريبة المأخذ، بل هي لغة فلسفية أقرب إلى الشعر، ولو أدرك محفوظ -رحمه الله- موجات القصيد النثري الآن، لنثر رواياته فأخرجت لنا مئات الدواوين الشعرية مما نراه الآن في مكتبات وزارة الثقافة أو على الأرصفة، ولكان رديئه خيرًا من جيِّد هؤلاء المُتشاعرين الذين يأكلون لحمه الآن وقد أمنوا جواب قبره- وفي إبداعه خير جواب- ولكن الإرادة الإلهية اختارت له فأحسنت الاختيار.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة