د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


يوميات الأخبار

عيب يا برهوم

د.محمد أبوالفضل بدران

الأربعاء، 23 فبراير 2022 - 05:41 م

اتركوا الناس وما يعتقدون طالما ليس فيه ضرر على الدولة ولا على أحد من الناس

 

هو شخص لا يستطيع أن يعيش فى سلام لأنه يخشى أن تنقطع عليه الترندات، وأن تخف من حسابه الدولارات فماذا يفعل؟ يأتى إلى الأستديو ويدخل دون أن يعرف ماذا سيقول لأن الملهمين الكثر سوف يلهمونه، وسوف تتنزل عليه شياطين الإنس والجان ولكنها شياطين موجهة ببوصلة لهدف محدد ضرب القيم ونشر التشكيك وقتل القدوة، فيقول: يعنى إيه قصة بلال؟ وإيه حكاية عمر الفاروق؟ كلها قصص وهمية، أساطير الأولين اكتتبها المفسرون، طيب وبعد أن يشرب رشفة من كوب الماء الموضوع أمامه وعليه علامة القناة التى يعمل فيها وهى قناة الحرية الموجهة التى تجعله حرا فى نقد أى شيء مقدس ماعدا ما قيل له لا تتحدث فيه ولذلك يخاف أن يقع فى ممنوع قيل له لا تتكلم فيه!

فماذا يفعل؟ يسكت عن الآخرين ويأتى إلى «الحيطة المايلة» وهى المعلوم بالفطرة أى اعتقاد الناس البسطاء الذين عبدوا الله دون أن يروه وآمنوا بكتبه ورسله وباليوم الآخر، ثم يحاول أن يعقلن وأن يتفلسف؛ مرة يقول إسراء إيه ومعراج إيه؟ ومرة يقول نساؤنا بالصعيد وبحرى كن يلبسن ويتصورن بالمايوه! ومن حقه أن ينتقد وأن يقول ما يشاء فى بحث علمى ينشره للعلماء فى منهج علمى محكم، ويناقشه المتخصصون وبشرط أن يتجرأ كما قال أخونا الأستاذ العزب الطيب: لماذا لا يدخل على التشكيك فى الهولوكوست وأنا أزيد على قوله وأقول له: إنه لا يستطيع أن يشكك فى عدد ضحايا الهولوكوست كما فعل روجيه جارودى، فعدد الضحايا مقدس ونحن لا ندافع عن القتلة، لكن طالما أنت جريء فادخل يا برهوم فى كله ولن يستطيع. لماذا لأن هذه القناة التى ترفع شعار الحرية ستقول له: آسفين يا برهوم ما على هذا اتفقنا، وسوف تنقطع الدولارات ولذلك أدخل وخليك فى «الحيطة المايلة» الغلابة المساكين الذين آمنوا بالله دون أن يروه مرة تهاجم عمر بن الخطاب ومرة تضرب فى عمرو بن العاص ومرة تنفى حدوث الإسراء والمعراج ومرة تضرب فى الفرائض فنلغى صلاة العصر وصلاة العشاء، ومرة نشكك فى المسجد الأقصى موجود فى فلسطين أم غير موجود بفلسطين؟ ثم أدر بوصلتك التائهة على الأزهر وشيخ الأزهر وكل ما يمت للأزهر بأى صلة وعلى قدر الدولارات تأتى الكلمات وأقول له: عيب يا برهوم!

رحيل شاعر
 ودعنا فى نهاية الشهر الماضى الشاعر حمدى منصور الذى كان قصيدة تمشى على الأرض، آثر الرحيل لينتهى زمن جميل عندما التقيتُه قبل سنين طويلة مع الصديق الأديب الراحل محمد نصر يس قائلاً: هذا أشعرهم، وهو من بيت شاعرى فأخوه الشاعر عبد الرحيم منصور، واستمعت له عندما كنتُ طالباً ودعوته مع لفيف من الشعراء فى أمسية شعرية فى حفل تنصيب اتحاد طلاب كلية الآداب بعد انتخابى رئيساً لاتحاد طلاب كلية الآداب، وربما كان تنصيب الاتحاد للمرة الأولى فى تاريخ الجامعات من خلال أمسية شعرية، وإذا كان «الشعر إخراج القول غير مخرج العادة» كما عرّفه ابن رشد؛ فهو الفن الذى حوّل الكلمات العاديّة إلى أدبية النص المتمثل فى الشاعرية، وربما كان تعريف ابن رشد أصدق مدخل للحديث عن شعر الشاعر حمدى منصور الذى عندما نسمعه أو نتصفح ديوانه المدهش «ما على العاشق ملام» نفاجأ أن الشاعرية لديه سرٌّ من أسرار اللغة تخوّل له تحويل ألفاظها المستعملة بيننا إلى نص شعرى مبهر؛ بيد أنه يخدعنا حين نظن أن كلامه يخرج مخرج العادة.... فكيف نتأمل صورة شعرية يقول فيها:
«ومين انت يا شِبه محنيهْ/ أنا بِعت عقدى / وعقدى طوله بلادْ/ كسيت بجلدى الولاد».

إنه يكسو بجلده الأولاد؛ هذه المغايرة فى تحويل اللفظ إلى دلالة أخرى تختزل الجُمل والتراكيب، إنه يخيط جلده كسوة للأولاد فى صورة تبدو صادمة لكنها معبرة عن المجتمع وحالة الشاعر. قيمة الصورة الشعرية تتمثل فيما تؤثّره فى المتلقى، حيث تنقل الكلام عبر الانزياح الدلالى إلى ما قصده الشاعر من تأثير؛ ومن ثم فالصورة أخذ المتلقى إلى فضاء مغاير يشكّله الشاعر ويتخيله المتلقى مشاركاً إبداع الشاعر فى قصيدته، لأن الشاعر لن يستطيع التحكّم فى خيال المتلقى حيال صوره الشعرية.

فى مفردات حمدى منصور نلمح الناس والبيئة، ومكونات البيئة هنا ليست خلفية القصيدة بل هى أجزاء أساسية فى النص؛ لأنه لا يرى الأشياء من برج عاجى بل يتعايش معها، يحس بها فتغدو البيئة إنسانا فى القصيدة يرى ويتكلم ويحس؛ فحَمَام البِنّيّة والقُلّة والزَّقايب وصوت الحبوب والسواقى والرحايا - التى يراها عجلة الحياة التى تدوسنا - وريح البحر والطرحة والعتمة والديك واللقمة والجان والغيطان وستاير خيوط الشمس والرمال والحصى وطير البرارى وبيت من طين والفروجة صدر العريان؛ كل ذلك مفردات تتحرك فى فضاء القصيدة لديه تشكّل أعمدتها ولا نستطيع تفكيك القصيدة دون فهم هذه المفردات ووضعها فى الفسيفساء الشعرية التى ينظم عقدها الإيقاع وتنسجها الصور الشعرية البِكر.

دعوا إيمان العوَام
 من أجمل المشاهد التى حُفرت فى ذاكرتى منذ الطفولة منظر المزارع الذى يسمع الأذان وهو يعمل فى حقله فيتوضأ من جدول الماء الذى يمر أمامه ثم يستقبل القبلة مصلياً على الأرض فى خشوع ويقين، لماذا لا ندع هؤلاء الناس فى صفائهم الروحى وفطرتهم النقية وإيمانهم العميق؟، نتركهم وشأنهم فإن كان إيمانهم صحيحاً فازوا دنيا وأخرى وإن كان  ـ والعياذ بالله ـ خطأً فعليهم وِزرهم، وتعالوا فى مؤتمر علمى لتطرحوا فيه ما لديكم وسوف يجيبكم المتخصصون ولن تقتنعوا فهى شبهات قديمة رد عليها علماء أجلاء من قبل بالحجة والإقناع، اتركوا الناس وما يعتقدون طالما ليس فيه ضرر على الدولة ولا على أحد من الناس، أما التشكيك والتأليب وقتل المُثُل والقيم فهذا يضر الناس ويؤذيهم فى عقيدتهم ومشاعرهم ويعكّر صفو الدولة ونسيجها الاجتماعى. اللهم ارزقنى إيمان العوام.

حكاوى عمْ جابر الحداد
على مشارف قرية دندرة غرب مدينة قنا ونقصد هنا بشرق وغرب النيل وهى قرية أجدر أن تكون مدينة بل أقترح أن تتحول إلى مركز من مراكز محافظة قنا لعدد سكانها ولمساحتها الكبيرة ولثقلها الحضارى حيث يوجد المعبد الخالد معبد حتحور وهو من أهم المعابد الفرعونية، على مشارف هذه القرية التقيت بعم جابر الحداد حيث يعمل بالحدادة وقد جاوز الثمانين من عمره لكنه يعمل كشاب ثلاثينى، وقد شارك فى كل الحروب المصرية لصد الأعداء وأصيب فى إحدى المعارك ولذلك فهو حدوتة مصرية، يبدو وجهه وملامحه كأنه خرج من جدار فرعونى أو تمثال قديم أراد أن يتمشى ثم يعود إلى معبده الفرعونى؛ بينما يقوم بطَرْق الحديد فى فن مذهل ومدهش وحوله أبناؤه وامرأته حكى لى عن ذكرياته فى الحروب ولاسيما فى سيناء ولذلك أتمنى أن يكون هناك اهتمام إعلامى بهذا الرجل وأمثاله لكن الطريف أنه حكى لى أن هذه المهنة وهى الحدادة قد ورثها عن آبائه عن أجداده ولذلك فهو لا يستطيع أن يتركها لأنها مهنة كما يقول هو مَن يتركها لأى مهنة أخرى يفشل فى مهنته الجديدة، وعندما أسأله لماذا؟ يقف لكى يؤكد لى أن هذه المهنة متوارثة عن سيدنا داوود عليه السلام الذى ألان له المولى عز وجل الحديد وأورث سيدنا داوود هذه المهنة أولاده وأحفاده حتى وصلت إليه وأنه كان من الممكن أن يلين الحديد لأبنائه ولكن خاف أن يفتن الأبناء فطوّعَ الحديد لهم بالنار.
ويختم كلامه:
أنا كنت ألوم الناس . صبح الناس لامونى
جابوا لى الخوخ والتفاح.. قلت ع الخوخ من لهوة بالى لَمُّونى

شيخوخة الغرب
 كل أصدقائى الذين زاملتهم من الألمان سواء فى جامعة بون حيث دَرسْتُ ودرَّسْتُ بها أو فى الجامعات التى زرتها كلهم لم ينجب منهم سوى واحد فقط أنجبت زوجه ولدا واكتفيا وأحدهم يعيش وامرأته دون إنجاب واتفق الثانى مع امرأته أن تنجب طفلا واحدا ولكن لظروف صحية لم تستطع الحمل فذهبا إلى كمبوديا وتبنيا طفلا أحضراه معهما إلى ألمانيا ومنحاه فى وصيتيهما كل ما يمتلكان، الصديق الثالث يعيش مع صديقته دون إنجاب وأخرى ترهبنت، وهذا هو الحال السائد فلماذا ينجبون والأطفال يأخذون وقتهم وجهدهم ويقيدون سياحتهم فى بلاد الله رغم أن الدولة تشجع على الإنجاب ولكن لا يستجيبون ولذا فالسكان فى كل أوروبا فى تناقص مستمر ولا وجود لأسرة غالبا، هذا شأن عام فى ألمانيا وقس عليها سائر بقية البلدان الأوروبية وربما الأمريكية أيضا، الشاهد فى هذا أن المجتمع تحول إلى مجتمع عجائز وهذا المجتمع يبحث عن طفل ولذلك عند مرور طفل فى أى شارع من شوارع أوروبا تجد أن معظم المارة يحيونه وينظرون إليه باستعجاب وقد يلتقطون معه الصور؛ ولكن هل هذا هو الدافع الذى دفع أنجيلا ميركل مستشارة المانيا السابقة لأن تفتح حدود ألمانيا لكى تستقبل الشباب السورى والهندى أيضا وكذلك فعلت معظم الدول الأوروبية سراً وجهراً؟، والآن نشاهد توقف الشاحنات فى إسبانيا وفى السويد لعدم وجود سائقين وعندما ننظر إلى ما أصاب الغرب من شيخوخة تزداد كل عام وربما بعد 50 عاماً يتقلص عدد الأوروبيين إلى النصف فكيف سيصبح مستقبل هذه القارة؟ سوف نجد أنه مستقبل العجائز أو مستقبل الفناء؛ فى المقابل فى بداية هذا الأسبوع فى بروكسل قال أحد الرؤساء الأفارقة: إن نصف العالم بعد 50 عاماً سيكون من أصل أفريقى، هذه الجملة لم يقلها اعتباطاً بل من مؤشرات إحصائية لأن معدل الإنجاب فى قارة أفريقيا وآسيا يزداد إلى أضعاف ما يخلفه الغرب أو يزيد، ولذلك ربما يصح ما قاله الجيولوجيون: سوف يختفى البحر المتوسط بعد سنين وسوف يلتصق الشاطئان العربى والغربى من البحر المتوسط كى يسير الراكب بسيارته، ولا أدرى كيف ستكون السيارات فى هذا الوقت كى يمشى من الإسكندرية بسيارته قاطعا الشارع لكى يصل إلى فرنسا و إلى إسبانيا بالسيارة قاطعا الشارع الذى ربما يطلقون عليه اسم شارع الشرق والغرب (البحر المتوسط سابقا)؟ هل سيكون المستقبل لهذه القارة العجوز هذه القارة السمراء ربما؟.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة