د.على جمعة
د.على جمعة


الإسراء والمعراج.. مصدر تشريع ودروس لأولي الألباب

على جمعة: الإسراء حدث فوق المعجزة اختص الله به النبي الكريم

ضياء أبوالصفا

الخميس، 24 فبراير 2022 - 06:57 م

مُعجزة الإسراء والمعراج من مُعجزات الرسول المُتواترة الثَّابتة بنصِّ القرآن الكريم فى سُورتى «الإسراء» و«النَّجم»، وبأحاديث السُّنة النَّبوية المُطهّرة فى الصّحيحين والسُّنن والمسانيد ودواوين ومصنَّفات السُّنة، والتى انعقد على ثبوت أدلّتها ووقوع أحداثها إجماعُ المُسلمين فى كلِّ العُصور، بما لا يَدع مجالًا لتشكيك طاعِن، أو تحريف مُرجِف.. لم تكن رحلة الإسراء والمعراج رحلة نبوية عادية أو معجزة إلهية يؤيد بها الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنما كانت مصدر تشريع لعقيدة الإسلام ودروس تربوية عظيمة لأولى الألباب.

قال د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب إن الإسراء حدث فوق المعجزة اختص الله به النبى الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم، تكريمًا له وبيانًا لشرفه، صلى الله عليه وآله وسلم، وليطلعه على بعض آياته الكبرى.

واستشهد بقول الله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، وقال تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى».

وأوضح أن جمهور العلماء اتفق على أن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى: «بِعَبْدِهِ» والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد، فالإسراء تحدث عنه القرآن الكريم والسنة المطهرة.

لقد أسرى بالنبى المصطفى والحبيب المجتبى  من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به من بيت المقدس إلى سدرة المنتهى، إلى العرش، ونحن نسمى هذا مجازًا بالمعجزة، المعجزة سميت كذلك فى لغة العرب؛ لأنها تعجز من رآها خارقة من خوارق العادات، تخرج عن سنن الله الكونية، لا يقدر من أمامى أن يأتى بها، مع ادعاء صاحبها النبوة والرسالة وتلقى الوحى من عند رب العالمين؛ ولكن الإسراء والمعراج لم يشهدها أحد؛ ولذلك فهى فوق المعجزة، ولذلك فليس الغرض منها أن يعجز الناس، لأن الناس لم تر، إنما الغرض منها أن يؤسس لعقيدة،

ما هذه العقيدة التى يؤسسها الإسراء والمعراج؟

القوانين التى خلق الله عليها الكون منضبطة فهو الحكيم، وخارقة العادة مثل ماء ينبع من بين أصابع النبي، أو عصا تضرب البحر فينفلق فرقين كل فرق كالطود العظيم كما حدث لموسى، أو يلقى العصا فتتحول إلى ثعبان يأكل ويوقف ما يأفكون، أو يد تدخل فى جيبه فتخرج بيضاء للناظرين، أو نحو ذلك من خوارق العادات المرئية ،فإنها ما زالت بالرغم من خرقها للعادة إلا أنها لم تخرق القانون الكلى للكون، ولكن الإسراء والمعراج خرق القانون الكلى لهذا الكون، كيف يسرى به؟ «سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»، ثم يعرج به إلى سدرة المنتهى، ثم يعود وفراشه دافئ، فما هذا؟ هذا معناه أنه صار بسرعة أكبر بكثير جدًّا من سرعة الضوء، وليس هناك فى هذا الكون ما هو أسرع من الضوء، بل ولا يكون فى قوانين هذا الكون ، فكيف حدث هذا؟ إنه حدث بأصل الخلقة، خلق الله محمدًا هنا، ثم أراده أن يكون فى السماء الأولى هنا فكان، ثم أراد أن يكون فى سدرة المنتهى فكان، فأدخل الموسع فى المضيق دون أن يتسع المضيق ولا يضيق الموسع، وهذا ليس من شأن كوننا.

إذن، الإسراء والمعراج تقول لك: إن الله على كل شيء قدير، والإسراء والمعراج تنفى حتمية السببية التى نفاها بعد ذلك بعض الفلاسفة؛ ولكن المسلم يعلم أن السبب بخلق الله، ولكن صاحب العقيدة الصافية عقيدة أهل السنة والجماعة يعلم أن السبب لا يؤثر لا بذاته ولا بطريقة لا يتخلف فيها؛ بل إنه يؤثر بإذن الله، فالنار تحرق لا بذاتها ولكن بإذن الله، الله يخلق الإحراق عندها إن شاء، وإن شاء جعلها بردًا وسلامًا على إبراهيم، والله سبحانه وتعالى لا ينير الأيدي؛ لأن هذا الجسد كثيف وليس بلطيف؛ لكنه إن شاء أخرج موسى من جيبه يده فإذا هى بيضاء، والله سبحانه وتعالى لا يقلب الأعيان من العصا فتتحول إلى ثعبان؛ لكنه إن شاء فعل ما يشاء، ولا يكون فى كونه إلا من أراد؛ ولذلك فتوكل على الله، لا تترك الأسباب، فإن الله خلقها وأرادك فيها، فالفلاح يلقى الحب ثم يدعو يقول: يا رب، فإذا لم يلق الحب لن يخرج الزرع؛ لأنك حينئذ تختبر الله، والله لا يختبر، هو الذى يختبرك ويمتحنك ويجربك، ولذلك لا نترك الأسباب، والتوكل لا يعارض ذلك، «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصًا -جائعة- وتروح -فى آخر النهار- بطانًا -شبعانة يحدث لها الشبع-». قال العلماء أهل الله: ذهبت وجاءت ولو ظلت فى أوكارها ما رزقها الله.

إذن، عرف المسلمون من الإسراء والمعراج أن هناك سببًا قد خلق؛ ولكن الاعتماد على الأسباب شرك، وترك الأسباب جهل، فلم يتركوا الأسباب ولما أراد النبى  الخروج إلى أُحد خالف بين درعين، لبس درعًا من الإمام ودرعًا من الخلف، وهو المعصوم الذى لن يناله أذى من أحد، «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ»؛ لكنه يعلمنا  كيف نتخذ الأسباب فى عبادة الله، فى عمارة الأرض، فى تزكية النفس، فى الحياة، كل ذلك درس من دروس الإسراء والمعراج.

الإسراء فوق المعجزة، الإسراء آية من آيات الله العظمى، القصد منها أن يعلمك أيها المسلم كيف تتعامل مع هذه الحياة وليس القصد منها أن يعجز من أمامه.

اقرأ أيضا | وزير الأوقاف: الإسراء والمعراج معجزة ومن يتحدث دون علم خطر على الأمن القومي.. فيديو

 

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة