العيش الناشف
العيش الناشف


نكشف أباطرة «العيش الناشف»| تجـَّار وسريحة يجنون من ورائه أرباحاً خيالية

آخر ساعة

السبت، 26 فبراير 2022 - 01:18 م

علا نافع

يُهدر الخبز بطرق عديدة، خاصة فى القرى، إذ تقدمه ربات البيوت طعاماً للطيور والماشية سواء من خلال تجفيفه فى الشمس أو بله بالماء اعتقاداً أنه يعمل على زيادة الوزن وإدرار اللبن، كما يقمن ببيعه بالكيلو لبائعى علف الماشية ليصل سعر الكيلو الواحد لأكثر من ثلاثة جنيهات، ما يمثل عبئاً على موازنة الدولة ويعرقل الوصول للاكتفاء الذاتى من القمح.

لم تكن ربات البيوت وحدهن اللواتى يلجأن لتجفيف العيش، بل إن بعض أصحاب المخابز البلدى يقوم بتنشيف الفائض من الإنتاج اليومى وبيعه سواء لكبار التجار أو المواطن العادي، وهناك أيضاً ما يُعرف بـعيش السحلة، وهو الخبز المحروق أو غير الصالح للاستهلاك الآدمي، والذى يُباع بسعر زهيد، حيث لا يزيد سعر المئة رغيف على 5 جنيهات، وهناك قرى بأكملها تعمل فى هذه التجارة منذ عشرات السنين، وباتت لها سوق مزدهرة خصوصاً فى محافظتى الشرقية والقليوبية.

وأخيراً، انتشر السريحة الذين يشترون العيش الفائض من البيوت ليقوموا بتجفيفه وبيعه للتجّار، كما أن بعضهم يتجه إلى مقالب القمامة ليبحث عن بقايا العيش ويجمعه فى أجولة كبيرة موضوعة على سطح عربته الكارو، وأغلب العاملين بهذه المهنة إما أطفال صغار لا يتجاوز عمر الواحد منهم 15 عاماً، أو سيدات ورثن المهنة عن أمهاتهن، وقد حباهن الله بحلاوة لسان مكنتهن من عقد صداقات مع ربات البيوت ليتمكن من شراء الخبز منهن بسعر رخيص.

يبدأ عمل السريحة فى السادسة صباحاً ويستمر حتى السادسة مساءً، إذ ترتبط جولاتهم اليومية بمواعيد عمل المخابز البلدية، وبعد انتهاء يومهم يسارعون ببيع حصيلتهم اليومية لكبار تجّار االعيش الناشفب، ويحصلون على مكاسبهم التى تزيد على 35 قرشاً فى الكيلو الواحد.

أما البعض الآخر فيقوم بفصل حصيلته من العيش، حيث يفصل الخبز البلدى الناشف عن الفينو، فالأخير أعلى سعراً، وكذلك يفصل الخبز السياحى عن الشامي، وإذا ما كان الخبز طرياً يقوم السريحة بتجفيفه تحت أشعة الشمس الحامية لمدة تصل إلى يومين منعاً لإصابته بالعفن والفطريات والتى تبخس من سعره، وهناك من يقوم بتخزين كميات كبيرة وبيعها مرة أخرى للزبائن العاديين فيجنون أرباحاً خيالية خاصة قبل عيدى الفطر والأضحى.

أنواع مختلفة

فى إحدى القرى البسيطة بمحافظة الشـــرقية، تستيقــظ ربــات البيـــوت مبكــــراً استعداداً لشراء حصتهن من الخبز المدعم من أحد المخابز الأربعة الموجودة بالقرية.. يتسابقن للحصول على أرغفة العيش الجيدة، التى تصلح كفطور لأسرهن ولدجاجاتهن أيضاً، فكلما كان الرغيف مستوياً وخفيف الوزن ضــــمن دجاجــــات ومــــواشى ســمينة، فالخبز االمبلول والناشفب يكسب الحيوانات والطيور وزناً زائداً ولحماً طرياً بحسب اعتقاد هؤلاء النساء.

أما الأخريات اللواتى تفيض لديهن أرغفة العيش يقمن ببيعها لـاحسنب ذلك الطفل الذى يعمل سريحاً على عربته الكارو، لا يفوت يوم دون المرور على منازل القرية مطلقا صوته العالى اعيش ناشف للبيعب، يجر حماره الأسود الشاحب، يتفحص حصيلته من العيش ممنياً نفسه بربح كبير فور بيعه للحاج ارزقب، أحد كبار تجار العيش الناشف بالقرية المجاورة، يمسك الشكاير المتسخة ويملؤها ببقايا العيش الناشف بعد وزنها على ميزانه المتهالك، لا يترك زقاقاً أو حارة حتى يطأها لجمع العيش.

يقول حسن: هناك الكثير من الأسر التى لا تستفيد بالعيش المدعم أو لا تحب تناوله فتستعيض عنه بالعيش السياحى أو الشامى وتلجأ لبيع حصتها من العيش المدعم سواء بعد تنشيفه أو طرياً، ليقوم السريحة بشراء الكيلو بأكثر من 50 قرشاً، حسب حالته، أما السياحى فيصل إلى 75 قرشاً، مشيراً إلى أنه يبيعه بعد ذلك للتاجر بـ150 قرشاً.

وعن أنواع الخبز الناشف يقول: هناك ثلاثة أنواع، أولها العيش الواحد وهو خليط الخبز البلدى الناشف أو الطري، أما االسحلةب فهو الخبز المحروق، أو ما يطلق عليه بقايا إنتاج الفرن البلدي، ويصل سعر المائة رغيف لأكثر من 5 جنيهات، أما النوع الأخير وهو االسرحةب والذى نقوم بتجميعه فيكون خليطاً من الخبز البلدى مع السياحى والفينو، مؤكداً أن الكثير من أباطرة العيش الناشف هم أصحاب المخابز البلدى.

ويتابع: قبل عيد الأضحى نضاعف عدد ساعات العمل، حيث يزيد الطلب على العيش الناشف لتسمين المواشى والأضاحى بخلطه مع الأعلاف، مما يزيد من وزن الأضحية ويكسب مذاقها حلاوة، ويجعل لحومها قليلة الدهون.

تسمين المواشى

أما الحاجة (ن.ف) فتقول: يلجأ الكثير من ربات البيوت لاستخدام العيش المبلول والناشف كطعام للدجاج البلدى والأبيض، لأنه أقل سعراً من الكثير من أعلاف الدجاج فضلاً على زيادة الوزن والبيض بعيداً عن الأعلاف التى تحتوى على الهرمونات والأدوية المضرة، مؤكدة أن ذلك لا يمثل إهداراً لحصة الخبز المدعم، حيث يتم الاستفادة منها بالكامل فى إطعام الإنسان والحيوان.

أما نوح (مُزارع) فيقول: ينصح الكثير من الأطباء البيطريين بإطعام الماشية الخبز الناشف لاحتوائه على الفيتامينات والأملاح المعدنية التى تحتاجها الماشية، مما يدر اللبن، فالجاموسة التى تستطيع تناول 2 كجم من الخبز الناشف يومياً يمكنها أن تدر حليباً يصل لأكثر من 7 لترات، شريطة ألا يحتوى الخبز على أى عفن أو فطريات، لافتاً إلى أن زيادة أسعار الأعلاف دفعت الفلاحين للجوء للعيش الناشف.

ويرى نوح أن كبار التجار هم الذين يجنون ثروات طائلة جراء بيع العيش الناشف وتخزينه دون الفلاحين البسطاء، خاصة قبل حلول عيدى الفطر والأضحى، كذلك فإن أغلب إنتاج الأفران من العيش ردىء للغاية ولا يصلح للأكل، مما يجعلنا نقدمه طعاماً للطيور والماشية.

ثروات طائلة

وقد تنامت تجارة العيش الناشف فى القرى والمناطق الشعبية لأرباحها الكبيرة وزبائنها الكُثر، خاصة مع زيادة أعداد المخابز البلدية والفينو، هكذا قال لنا تاجر فضل عدم ذكر اسمه، وأضاف: تتعدد مصادر جمع العيش الناشف سواء من السريحة المنتشرين فى القرى والنجوع أو من الأهالى الذين يبيعون الفائض من حصتهم، وتختلف الأسعار بحسب حالة الخبز، وأغلب الزبائن أصحاب مزارع المواشى والدجاج أو الأسماك، كما نبيعه لكبار تجار الأعلاف والحبوب ويقومون بشرائه بالطن ويبيعونه بالكيلو.

ويضيف: يعمل أصحاب المخابز سواء البلدية أو الفينو والشامى فى هذه التجارة، حيث يجففون الفائض من الإنتاج فى الشمس لمدة لا تزيد على يومين، خاصة فى أوقات الصيف لتجنب إصابته بالعفن والفطريات، ويبيعونه سراً خوفاً من مفتشى التموين، ما يمكنهم من جمع أرباح طائلة، مشيراً إلى أن بعض محلات الكباب والكفتة يقوم باستخدام الفينو الناشف فى إعداد الخلطة، حيث يضفى مذاقاً مميزاً للكفتة.

الرقابة

من جانبه، يقول الدكتور على زين، الخبير الاقتصادي: تعد أسعار الخبز المدعم المصرى الأرخص عالمياً، ورغم ذلك فإن الكثير من المواطنين يسيئون استخدامه ويقومون باطعامه للماشية والطيور، ما يكلف الدولة أعباء كبيرة، مؤكداً أن غياب الرقابة على توزيع الخبز من قِبل مفتشى التموين هى السبب فى تنامى الظاهرة، حيث يتواطئون مع أصحاب المخابز، فأغلب تجّار الخبز هم أصحاب المخابز البلدية، لذا فإن إحكام الرقابة هى الحل الأمثل.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة