الأحد، 27 فبراير 2022 - 07:33 م

قبل ذلك الطفح المدمر من الإسفاف والانحطاط الذى أفرزته  ما تسمى بمنصات التواصل الاجتماعي، ومواقع العالم الافتراضي، بدا صاحبنا الذى غادرنا منذ أيام ظاهرة لافتة فى عالم النشر وجذب الأنظار إليه بكتبه ذات المحتوى المثير حيث مثل الفقيد صيحة مدوية فى دنيا الستينيات والسبعينيات، ولم تفقد كثيرا من بريقها فى عقد الثمانينيات،  إنها ظاهرة الأديب الراحل خليل حنا تادرس الذى رحل عن عالمنا مؤخرا،  وقد أطلقت عليه لقب أديب الأرصفة، كما أطلق عليه آخرون مؤلف المراهقين، حيث حققت كتبه المثيرة بعناوينها المشوقة أرقاما محلقة فى آفاق توزيع المطبوعات، وأقبل آلاف القراء على مؤلفاته يقرأونها بنهم واستمتاع، وقد هوجم «خليل» كثيرا وأتهمه بعض النقاد بانحطاط المستوى، ولكنه واصل طريقه من دون أن يثنيه ذلك عن مشروعه الذى تختلف بصدده العديد من الأطراف، فبعضهم رأى أن تجربته تشيع الإسفاف والانحطاط، وماهى إلا موجة من السطحية والإثارة من دون قيمة أو رسالة، وآخرون تقبلوا

التجربة باعتبارها محاولة لمخاطبة الشباب بما يثير اهتمامهم ويعالج همومهم، وفريق ثالث رأى أن بعض كتبه تقدم محتوى مفيدا بينما يقع عدد منها فى مستنقعات السطحية، والحقيقة إننا بعد أن رأينا إسفاف منصات العالم الافتراضى والانحطاط الذى أغرق مواقع التواصل، يتبدى لنا أن تجربة «تادرس» كانت أرقى بكثير، ومن قرأ أعماله سيكتشف خلف محاولة الجذب  وحيل الإثارة مضمونا علميا فى معظم كتبه، فخليل كان مثقفا حقيقيا يقرأ كثيرا جدا، ويعود إلى مراجع بالإنجليزية عديدة،  ومصادر علمية موثوقة فى جل ماقدمه إلى الشباب والناشئة من معلومات، ولم يكن يستسهل كمؤلفى موجات الانحطاط الذين

يهينون معنى التأليف، ويستخفون بجلال الكلمة ليكسبوا ثمنا قليلا، ويصدروا كتبا بلا مضمون حقيقى، ومن غير أية إضافة معتبرة، ومقارنة الفقيد بهؤلاء وبالمستوى المتدنى من كتابات العالم الافتراضى يكسب «خليل» ولاشك، لأنه ظاهرة أفادت مسألة القراءة الممتعة، وأثرت على صعيد التسلية بالقراءة، وقد حكى لى بنفسه كيف أن «عبد الحليم حافظ» كان يجوب شوارع القاهرة بحثا عن كتبه، كما أكد لى - باعتزاز - أن الشاعر الكبير والفنان المرهف صلاح جاهين كان من قرائه والمعجبين بكتبه، رحم الله «خليلاً»، وقيض له ناقدا مثابرا يطل على حصاده، ويسلط الضوء على تجربته المثيرة جدا.