خواطر الامام الشعراوي | طغيان قارون
خواطر الامام الشعراوي | طغيان قارون


خواطر الإمام الشعراوي | طغيان قارون

الأخبار

الخميس، 03 مارس 2022 - 07:34 م

تنشر جريدة "الأخبار" في عددها الصادر غدا الجمعة خوطار للإمام الشعرواي، ويستكمل الشيخ الشعراوى شرح الآية 76 من سورة القصص قائلا : بدأ قارون فى البَغْى والطغيان حتى أخذه الله، وقال فى حقه هذه الآيات: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ موسى فبغى عَلَيْهِمْ». 

البغي: تجاوز الحدّ فى الظلم، خاصة وقد كان عنده من المال ما يُعينه على الظلم، وما يُسخِّر به الناس لخدمة أهدافه، وكأنه يمثل مركز قوة بين قومه، والبغى إما بالاستيلاء على حقوق الغير، أو باحتقارهم وازدرائهم، وإما بالبطر. ثم يذكر حيثية هذا البغي: «وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز ما إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِى القوة».. كلمة(مفاتح) كما فى قوله تعالى: «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب» الأنعام : 59.

ولو قلنا: مفاتح جمع، فما مفردها؟ لا تقُلْ مفتاح؛ لأن مفتاح جمعها مفاتيح، أما مفاتح، فمفردها(مَفْتح) وهى آلة الفتح كالمفتاح، وهى على وزن (مبرد) فالمعنى: أن مفاتيح خزائنه لو حملتْها عصبة تنوء بها، وهذه كناية عن كثرة أمواله، نقول: ناء به الحِمْل، أو ناء بالحمل، إذا ثقُل عليه، ونحن لا نميز الخفيف من الثقيل بالعين أو اللمس أو الشم إنما لابد من حملة للإحساس بوزنه.

 والعُصْبة: هم القوم الذين يتعصَّبون لمبدأ من المبادئ بدون هَوىً بينهم، وقالوا: العصبة من الثلاثة إلى العشرة، وقد حددهم القرآن بقوله: «إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً» يوسف: 4 وهم أخوته ومنهم بنيامين «والشمس والقمر..»  أي: أباه وأمه.

فمن هاتين الآيتين نستطيع تحديد العصبة. وبهذا التفكير الذى يقوم على ضم الآيات بعضها إلى بعض حَلَّ الإمام علي- رضى الله عنه- مسألة تُعدُّ معضلة عند البعض، حيث جاءه مَنْ يقول له: تزوجت امرأة وولدتْ بعد ستة أشهر، ومعلوم أن المرأة تلد لتسعة أشهر، فلابد أنها حملت قبل أنْ تتزوج.

فقال الإمام علي: أقل الحمل ستة أشهر، فقال السائل: ومن أين تأخذها يا أبا الحسن؟ قال: نأخذها من قوله تعالى: «وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً....» «الأحقاف: 15» وفى آية أخرى قال سبحانه: «والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ...» «البقرة: 233». يعني: أربعة وعشرين شهراً، وبطرح الأربعة والعشرين شهراً من الثلاثين يكون الناتج ستة أشهر، هى أقل مدة للحمل.

وهكذا تتكاتف آيات القرآن، ويكمل بعضها بعضاً، ومن الخطأ أن نأخذ كل آية على حدة، ونفصلها عن غيرها فى ذات الموضوع. ثم يقول سبحانه: «إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين...» والنهى هنا عن الفرح المحظور، فالفرح: انبساط النفس لأمر يسرُّ الإنسا.

وفَرْق بين أمر يسرُّك؛ لأنه يُمتعك، وأمر يسرُّك لأنه ينفعك، فالمتعة غير المنفعة. فمثلاً، مريض السكر قد يأكل المواد السكرية لأنها تُحدِث له متعة، مع أنها مضرة بالنسبة له، إذن: فالفرح ينبغى أن يكون بالشيء النافع، لأن الله تعالى لم يجعل المتعة إلا فى النافع.

فحينما يقولون له: «لاَ تَفْرَحْ..» أي: فرح المتعة، وإنما الفرح بالشيء النافع، ولو لم تكن فيه متعة كالذى يتناول الدواء المر الذى يعود عليه بالشفاء، لذلك يقول تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ...».

ويقول تعالى: «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون بِنَصْرِ الله...» «الروم: 4-5» فسماه الله فرحاً؛ لأنه فرح بشيء نافع؛ لأن انتصار الدعوة يعنى أن مبدأك الذى آمنتَ به، وحاربت من أجله سيسيطر وسيعود عليك وعلى العالم بالنفع.

ومن فرح المتعة المحظور ما حكاه القرآن: «فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله...» «التوبة: 81» هذا هو فرح المتعة؛ لأنهم كارهون لرسول الله، رافضون للخروج معه، ويسرُّهم قعودهم، وتركه يخرج للقتال وحده.

فقوله تعالى: «لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين» أي: فرح المتعة الذى لا ينظر إلى مَغبّة الأشياء وعواقبها، فشارب الخمر يشربها لما لها من متعة مؤقتة، لكن يتبعها ضرر بالغ، ونسمع الآن مَنْ يقول عن الرقص مثلاً؛ إنه فن جميل وفن رَاقٍ؛ لأنه يجد فيه متعة ما، لكن شرط الفن الجميل الراقى أن يظل جميلاً، لكن أنْ ينقلب بعد ذلك إلى قُبْح ويُورِث قبحاً، كما يحدث فى الرقص، فلا يُعَدُّ جميلاً.

اقرأ ايضا | خواطر الإمام الشعراوي.. «قارون» عبرة لمن لا يؤمن بالآخرة

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة