أسامة عجاج
أسامة عجاج


يوميات الأخبار

الكويت ... ظلم الجغرافيا

أسامة عجاج

الخميس، 03 مارس 2022 - 09:27 م

سبق لى أن استخدمت هذا العنوان فى توصيف وضع الأردن، وهو ما ينطبق على الكويت، حيث تدفع ثمن جوار دول كبيرة، مع أطماع تاريخية تجاهها. 


كثيرة هى زيارتى الصحفية لدولة الكويت الشقيقة، وفى مناسبات عديدة، منها ما يتعلق بتغطية احتفالات العيد الوطني، أو انتخابات مجلس النواب، سواء المبكرة أو التى تتمم فى موعدها، بعد استكمال الدورة البرلمانية، أو استضافة الكويت لدورات مجالس التعاون الخليجى أو قمم عربية، وبعضها يتعلق باجتماعات مصرية كويتية، والتى بدأت منذ مارس ١٩٨٧ حتى قبل عودة العلاقات بين الكويت ومصر، والتى انقطعت فى أبريل ١٩٧٩ بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل، وكنت ضمن الزيارة الأولى لوفد صحفى للكويت، لتغطية مؤتمر صحفى لولى العهد الراحل الشيخ سعد العبدلله الصباح، بمناسبة رفع الأعلام الأمريكية على السفن الكويتية، ويومها حرص ولى العهد على دعوة الوفد المصرى إلى قصره تكريما له، خاصة بعد غياب الإعلام المصرى طوال تلك السنوات، وبعدها تكررت الزيارات، ومن أهمها تلك التى أعقبت تحرير الكويت، وكانت تحديدا فى ديسمبر ١٩٩١، حيث استضافت أول قمة خليجية، ومن بينها أيضا، تغطية احتفالات الكويت بمرور عشرين عاما على التحرير واليوم الوطنى فى فبراير ٢٠١١، حيث نظمت الكويت عرضا عسكريا، بمشاركة الدول المنضوية ضمن عملية عاصفة الصحراء، حيث ظهرت مشاعر حزن الكويتيين على غياب الرئيس الراحل حسنى مبارك، بعد تنحيه عن الحكم قبلها بأيام، اعترافا بدوره فى عملية تحرير الكويت، ومشاركة القوات المسلحة المصرية فى العملية، خاصة وأن عربة القيادة التى أقلت الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، ضمت بشار الأسد بدلا من حسنى مبارك، وقد تعددت تغطيتى لدورات انتخابية متعددة لمجلس النواب الكويتي، خاصة أن الكويت صاحبة التجربة الأقدم والأبرز - على الأقل فى منطقة الخليج– فهى أول من أقرت الدستور والذى تم التوقيع عليه فى نوفمبر ١٩٦٢، بعد إعلان استقلالها بحوالى عام، كما أنها تتمتع بحراك سياسى ملحوظ. 


أزمة الاستقلال


 تعددت الأزمات التى واجهتها الكويت، نتيجة ظلم الجغرافيا لها، خاصة وأن حدودها مشتركة مع العراق والسعودية، وفى الجوار إيران أيضا بخلافاتها التاريخية مع بغداد والرياض، وكانت البداية مع إعلان استقلالها فى العام ١٩٦١، حيث واجهت العديد من المشاكل من الجار الأكبر العراق، الذى تذرع بتبعيتها التاريخية له، وهدد بالفعل بضمها، ولكن تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ووقوفه مع استقلال الكويت، ضد تهديدات الرئيس العراقى فى ذلك الوقت عبدالكريم قاسم، منع تدهور الأوضاع، ونجح اقتراحه فى نشر قوات عربية تحت مظلة الجامعة، فى تفويت الفرصة على العراقيين، كما نجحت مصر عبدالناصر فى سرعة قبول طلب الكويت عضوية الجامعة العربية فى يوليو من نفس العام، وانتهت أول أزمة أمام الدولة الوليدة بعد توقيع البلدين، على اتفاقية تؤكد الاعتراف بالكويت دولة مستقلة ذات سيادة على حدودها.


حرب الناقلات


فجأة وبدون مقدمات اندلعت الحرب بين العراق وإيران فى سبتمبر ١٩٩٠، خاصة مع رغبة بغداد فى إعادة النظر فى اتفاق الحدود البحرية بين البلدين، والموقعة فى الجزائر ١٩٧٥، ورأتها القيادة الجديدة فى العراق بقيادة صدام حسين أنها مجحفة فى حق بلاده، الكويت بهذه الصورة (لا ناقة لها ولا جمل) ولكنه مع استمرار الحرب لسنوات،على عكس كل توقعات العراق، وصلت شرارتها الى دول الجوار، وفى القلب منها الكويت، وتمثلت فى حرب الناقلات، وكانت أحد صور الصراع، فردا على هجمات العراق على موانئ تصدير النفط الإيراني، اختارت طهران الرد عبر الهجوم على ناقلات النفط الخليجية خاصة الكويتية، بزعم تأييدها لعراق، فكانت واشنطن هو الخيار الأخير، وهو ماحدث بالفعل، عندما تم رفع الاعلام الأمريكية على ناقلات النفط الكويتية، وكان ذلك فى مارس ١٩٨٧، وهو موعد زيارتى الأولى للكويت، كما سبق لى أن ذكرت، وتكبدت المنطقة ودولها خسائر بالمليارات، كان النصيب الأكبر منها للكويت.   


  لعل الظلم الأكبر الذى تعرضت له الكويت، نتيجة موقعها الجغرافى ،كان مع نهاية حرب الخليج الثانية بين العراق وإيران، رغم أن الكويت دفعت أثمانا باهظة لها، ومنها الدعم المالى الضخم للعراق، فكان الغزو هو رد الجميل، وافتعل العراق أزمة، ظهرت أولا فى الكواليس والغرف المغلقة، نتيجة توابع الخسائر الاقتصادية للحرب وطلب صدام حسين لمبالغ طائلة كدعم ومساعدة من الكويت، على أساس أنه حمى منطقة الخليج ودولها من عدوان وتوغل إيراني، والتى كان من الصعب عليها توفيرها فى تلك الفترة، جاء ذلك فى زيارة قام نائب رئيس الوزراء، فتحول الأمر إلى اتهامات للكويت، بوجود مخطط لتخفيض أسعار النفط، مما يترك آثارا مدمرة على الاقتصاد العراقي، مما دفع كلا من القاهرة والرياض وعمان للتدخل، لإنهاء النزاع حيث تمكنت الرياض من عقد اجتماع ضم كبار المسئولين من البلدين، وزار الرئيس الراحل حسنى مبارك واجتمع مع صدام حسين، وهنا حدث سوء فهم حول ما جرى بين الرجلين، مبارك فهم أن صدام لن يقوم بعمل عسكري، بينما الأخير كما قال لاحقا (أنه لن يفعل ذلك طالما المفاوضات قائمة). 


زلزال الغزو


وكان الزلزال الأكبر فى الأول من اغسطس، عندما دخلت طلائع القوات العراقية إلى الكويت، مما استدعى تحركا عربيا سريعا بقيادة مصر، التى دعت إلى عقد قمة عربية عاجلة، فى محاولة سريعة لإنهاء والتوصل إلى حل، وفقا لما قاله مبارك، ولكن الأمور تأزمت أكثر على صعيد الرد العراقى على الإعلان عن القمة، وفى خطوة استباقية وتصعيد للأمور، أعلن العراق فى التاسع من أغسطس وقبل ساعات من التئامها، ضم الكويت واعتبارها المحافظة العراقية التاسعة عشرة، وقال إنها عادت الى الوطن الام، أما الصعيد الثانى فكان فى الانقسام العربى الكبير حول تحديد موقف عربى من الغزو، وسط مخاوف حقيقية من خروج القرارات بشكل مؤيد للغزو أو بصورة تفتقد الوضوح، تشجع النظام العراقى على الاستمرار، وتباينت المواقف، رفض تام للغزو من مصر وسوريا ودول الخليج والمغرب، على خلفية أن حل الأزمة يبدأ بانتفاء أسباب وجودها، وهو الانسحاب العراقي، وعودة الشرعية للكويت، ومجموعة ثانية تضم الأردن وفلسطين واليمن وليبيا مع الحل العربي، ضد تنفيذ قرارات مجلس الأمن التى صدرت فى اليوم التالى للغزو واستمرت لتجيز استخدام القوة، وكان ذلك فى نوفمبر من نفس العام..

وكان مخاض قرار القمة العربية صعبا، وسادت قاعة المؤتمر حالة من الهرج والمرج ،بعد كلمتى رئيس وفد الكويت والعراق، ليحسم الرئيس مبارك الامر، معلنا موافقة ١٢ دولة من بين ٢٠ على مشروع القرار العربى بادانة الغزو العراقي، والمطالبة بانسحابه وعودة الشرعية، واستمرت الأزمة بعدها حوالى خمسة اشهر حتى منتصف يناير من عام ١٩٩١، هو الموعد المحدد من قبل واشنطن ببدء تحرير الكويت ،ليتم الاعلان عن نجاحها وطرد القوات العراقية فى الشهر التالي، بعد ان وصلت التكلفة المباشرة للحرب نحو ٦٢٠ مليار دولار، كما وصلت خسائر الكويت من تدمير آبار النفط وخطوط الانابيب والطرق والمبانى الى ١٦٠ مليار، بينما تكبد العراق ١٩٠ مليار هو الآخر، والعجيب ما كشف عنه المحقق فى وكالة الاستخبارات الامريكية جون نيكسون، والذى تولى التحقيق مع صدام حسين، الذى كشف عن ندمه على الغزو.


علاقات جديدة  


ظل فعل الغزو عائقا أمام استعادة علاقات طبيعية بين البلدين، رغم ان الكويت استانف سريعا دوره الانسانى والاغاثى للعراقيين اللاجئين فى إيران، وزادت تلك الاعمال بعد سقوط صدام حسين فى عام ٢٠٠٣، وكانت أول زيارة رسمية فى عام ٢٠١٠ من رئيس الوزراء السيخ ناصر المحمد الصباح، وقد ترأس امير الكويت الشيخ صباح الاحمد للعراق وفد بلاده لقمة بغداد فى مارس ٢٠١٢، وكنت أحد شهودها  ، ولكن الزيارة الرسمية الأولى له كانت بعد ذلك فى عام ٢٠١٩، وسبقها تبنى واستضافة الكويت لمؤتمر المانحين للعراق فى يوليو ٢٠١٦، كما استضافت أيضا مؤتمرا دوليا لإعادة تعمير العراق، بعد استعادة الموصل من قبضة تنظيم داعش فى يوليو ٢٠١٧، ووصل تعهدات الدول المشاركة الى ٣٠ مليار دولار. 


عبث إيرانى 


للحقيقة والتاريخ بأن ظلم الجغرافيا للكويت ،لم يقتصر فقط على العراق، بل امتد أيضا إلى ايران ،على الرغم من عدم وجود حدود مشتركة بين البلدين، ولكنها محاولات إيرانية لبسط النفوذ فى المنطقة المجاورة، وان كان شاه إيران داعما استقلال الكويت فى اوائل الستينات.

ضد مزاعم العراق، فالأمر هنا يتعلق ببداية استخدامه طوعا، من قبل الغرب لمهمة (شرطى الخليج) واختلف الأمر بشكل كبير فى زمن حكم رجال الدين، بعد نجاح الثورة الايرانية فى عام ١٩٧٩، حيث مرت العلاقات بحالة من (المد والجزر)، حيث قامت ايران واذرعها فى المنطقة خاصة اللبنانية، بمجموعة من العمليات الارهابية، التى وصلت لحد محاولة اغتيال الأمير الشيخ جابر فى مايو ١٩٨٥.

وتهديد المصالح الأمريكية فى البلد، وفى عام ٢٠١٠ تم الإعلان عن اكتشاف شبكة تجسس تعمل لصالح الحرس الثوري، وبين أعضائها إيرانيين، وهو ما اعترف به النظام صراحة، ولعل اكتشاف خلية العبدلى فى ٢٠١٥ والتى ضمت ٢٦ شخصا، بعد ضبط كميات كبيرة من الاسلحة ،تمثل نموذجا لطبيعة التدخل الإيرانى المستمر فى الكويت.  


وهكذا عاشت الكويت منذ استقلالها،على وقع ظلم جغرافي، لا تستطيع تغييره، ولكنها تسعى الى التعاطى مع تبعاته، بسياسات خارجية محايدة.
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة