محمد العزبي
محمد العزبي


يوميات الأخبار

توت عنخ حواس

الأخبار

الأربعاء، 09 مارس 2022 - 05:31 م

بقلم: محمد العزبي

فلما اقترب الموت كانت وصيته الوحيدة أن يدفن فى مصر وكان يقول عندما أموت مش عايز حد يزورنى

 

لا مفر من شراء كتاب «زاهى حواس» الذى اختار له اسم «الحارس»، كتب فيه تاريخ حياته بالتفصيل منذ حفل «طهوره» طفلًا، وهو يعاكس البنات تلميذاً من قريته «العبيدية»، إلى «فارسكور» وطالباً فى «جامعة الإسكندرية»، يترك الحقوق إلى الآداب وبالصدفة إلى قسم الآثار الجديد الذى لم يحبه.. عموما كان «ينجح بالتيلة» ليصبح بعدها عاشقا، نجما فى سماء مصر القديمة وتحت أرضها كاشفاً أسرار المومياوات يبحث فى البر والبحر والنهر ويسعى لاستعادة آثارنا المسروقة فى الخارج.. ويناير2011 «أنا وميدان التحرير وما بعدها».. «وأنا والمشاهير والجوائز والتكريم فى العالم».. حتى أصبح نجما عالميا على سن ورمح لم تستفد مصر من شهرته ومن علاقاته الدولية سفيرا فوق العادة؛ ربما على العكس هناك من يهاجمه ويحاول التقليل من شأنه.. كان ينتصر وتخسر مصر.

دافع عن محاولة سرقة آثار مصر وتكلم عن استغلال الإخوان لثورة يناير وقد تردد أنه أخذ كرسيا وجلس عليه فى الميدان أمام المتحف المصرى ليحميه بشخصه من هجمات اللصوص.. زادت شهرته بعد أن ترك مناصبه.. وأصدر أكثر من خمسين كتابا وموسوعة أثرية للأطفال.. تمنى إعادة كنوزنا المسروقة دوليا من مصر: حجر رشيد. رأس نفرتيتى. وأحمس. وحتشبسوت. اكتشافات بلا حدود.. ولقاءات مع مشاهير العالم كلما زاروا آثار مصر.
لا مفر من شراء كتاب «الحارس» - ٦٣٦ صفحة بـ ١٩٠ جنيها - والاحتفاظ به فقد يكون الميراث الوحيد لكل الأبناء بعد أن هجر معظمهم الكتب والصحف وحتى روايات الجيب!.. يزيده قيمة أن «زاهى» كتبه بخط يده كما يفعل دائما مع كل كتبه ومقالاته بالعربية أو الانجليزية على ورق عادى وبقلم جاف بسيط.
ينهى زاهى حواس مقدمة كتابه - سبق أن أصدر أكثر من خمسين كتابا - بقوله: «وأخيراً أرجو أن أكون قد وفقت فى أن أسرد لكم حياتى بما فيها من عسر ويسر».

عيون بهيه
وقد كان لزاهى فضل كتابة مقالى «عيون» فى جريدة «المصرى اليوم» ذلك أنه فى جلسة عشاء كان يدعو لها رجل أعمال غاوى - من حين لآخر - عددا محدودا من أصدقائه كتاب الجريدة وورد اسمى بشكل أو بآخر، فتحمس زاهى حواس وقال: جورنال ما يكتبش فيه العزبى يبقى مش جورنال.. يبالغ زاهى عندما يحب، ويقسو عندما يغضب.. والقول الصحيح هو أن بلدا فيه «زاهى حواس» ولا تستفيد بشهرته العالمية عالما عاشقا لآثار مصر يبقى ما عدّاش على مصر.. لا أتمناه وزيرا يغرق فى الملفات وإنما أتمناه سفيرا متجولا فى العالم كله.. لزم الحاضرون الصمت: صديقى صلاح منتصر متحرجا؛ وصاحب المصرى اليوم صلاح دياب حتى لا يتورط.. الذى أشاد وأفاض وقال فى غيبتى كل كلام طيب هو «عبد اللطيف المناوى» مع أننا لم نلتق سوى مرة واحدة فى مكتبى بجريدة «الإجبشيان جازيت»، كان يبحث عن بداية طموحة بإصدار مجلة يملكها ولم يكن ذلك وقتها مسموحا به ولا مفر من رخصة أجنبية غالبا من قبرص حيث كان لى فيها أصدقاء وتجربة.. لم أسمع منه بعد ذلك ولكننى تابعت دوره الإعلامى.

أيام ثورة
ومن المفارقات أن زاهى حواس كان سببا غير مباشر فى ترددى فى مواصلة الكتابة فى «المصرى اليوم» وكانت «منبرا» للكتابة لمختلف الآراء دون أن يفلت، فوجئت بنشر مقال لزاهى حواس يحتل ثلث الصفحة الأولى من الجريدة وهو يستحق كل تكريم واحترام، إنسان جميل وعالم متميز لولا أن عنوان المقال «ليلة الدخلة عند الفراعنة» والمنديل الأبيض بدم العروسة إثباتا لعذريتها أمام أهل البلد.. (صفحة أولى؟!!)..

لم يكن «حمدى رزق» قد كتب مقاله: «المصرى اليوم تتجدد ولا تتغير». كنت واحدا من القلائل الأوائل الذين عرفوا باختيار حمدى رئيسا للتحرير بعد ترشيحات وشائعات.. اتصلت به لأقول له: «إقبل. المهمة صعبة.. ولكنها فرصة».. وحمدى رزق صديق اهتم بكتابى «الصحافة والحكم» ولم يعجبه «صحفيون غلابة» وكتب مقالا فى الأخبار يناشدنى فيه أن أستمر فى الكتابة، اختار له عنوان: «لسه الصحافة ممكنة «!.

فلما جاء شهر رمضان وهو إجازة للصوم والمسلسلات انتهزتها فرصة لإعادة التفكير.. قلت لرئيس التحرير: كل سنة وانت طيب.. الكتابة هذه الأيام حرام.. وذكرته بأننى ضيف على المصرى اليوم وبعد الإجازة يحلّها الحلّال.. ولم يحلّها الحلّال!!.

يا حبيبى تعالى الحقنى
فى الساحل الشمالى لا مكان للصحف ووجع الدماغ ولكننى غاوى.. ذهبوا إلى الشاطئ ورحت أنا أبحث عن»المصرى اليوم» فضاع منى الطريق ووجدتنى أمام «لابوار».. هناك وأنا أنشد حاجة حلوة رأيتها.. عدت بالجريدة ونسيت الحلويات.. لم أكن أعرف أن «صلاح دياب» هو صاحب المحل وعاشق الحلم!
كل هذا وأنا مجرد قارئ يستهوينى سوق عكاظ الذى يسمح لمختلف الآراء وإن كان هناك دائما من يمسك باللجام!
لم يخطر على بالى أن أكتب فيها؛ ولم يخطر أيضا على بال صاحبها إذ روى لى «محسن محمد» أنه فى لقاءات مع «دياب» فى الفورسيزونس للتشاور؛ اقترح «محسن» اسمى كاتبا بالجريدة الجديدة.. رفض بكلمة واحدة ثم قال: ولا واحد من «الجمهورية»!!.

عندما تولى «ياسر رزق» رئاسة التحرير فاجأنى بتليفون يطلب فيه بحسم أن أكتب للمصرى اليوم مقالا كل أسبوع حدّده بـ ٦٠٠ كلمة.. كنت على خلاف مع «الجمهورية» توقفت بسببه عن الكتابة.. شكرته فى سرى وتذكرت والده صديقى «فتحى رزق» الصحفى المناضل بقلمه فى القاهرة والمحارب بالسلاح فى مدينة الإسماعيلية التى أصدر عنها عددا من الكتب: «رباعيات سيناء» و«جسر على قناة السويس».

ولم يقصّر «محمد أمين» الفائز بجائزة «مصطفى وعلى أمين» لأحسن كاتب عمود صحفى - عام ٢٠١٤ - فى إغرائى وسط أحاديث منتصف الليل - التى توقفت - أن أكتب فى «المصرى اليوم» بحب دون إلحاح!.

● لم يكن بينى وبين «صلاح دياب» سوى ثلاث مكالمات تليفونية قصيرة، واحدة يشكو فيها من توقف «حمدى قنديل» عن الكتابة فى المصرى اليوم فور أن تولى الدكتور «عبد المنعم سعيد» رئاسة مجلس إدارتها لأنه من أقطاب مجموعة «كوبنهاجن» - مثقفون مصريون سعوا لمساندة التطبيع مع إسرائيل! -
والمرة الثانية كانت للسؤال عليه بعد أن أجرى عملية جراحية فى لندن.
أما الثالثة كان واضحا أنها بالخطأ إذ بادرنى دون سلام أو تحية: انت بتعمل إيه دلوقتى؟.. أجبت بسرعة : باتفرج على التلفزيون !.. وخُلص الكلام.

لماذا لا نرثيهم أحياء ؟
عندما اقترحت على الدكتور «زاهى حواس» يوما الكتابة عن الفراعنة المصريين المعاصرين الذين يلتقى بهم كل يوم إلى جانب ملوك وملكات أجدادنا؛ لم أكن أعرف أنه يستعد لكتابة قصة حياته كى تبقى للزمن؛ ولكنه كتب مقالات عن شخصيات عرفها واختار لها عنوان: لماذا لا نرثيهم أحياء؟!
كتب عن: «فاروق حسنى وزير ثقافة مصر لمدة ٢٥ عاماً» و»عمرو موسى» وزير خارجية مصر الذى غنى له شعبان عبد الرحيم و»صلاح دياب» رجل الأعمال الذى كان أفضل ما قدمه «المصرى اليوم» و»مصطفى الفقى» السياسى والبرلمانى والدبلوماسى والمثقف و»عبد الرءوف الريدى» الدبلوماسى الذى سجل اسمه بأحرف ذهبية و»إبراهيم محلب» من أهم رؤساء وزراء مصر لعمله الميدانى ونزوله الشارع المصرى و«صلاح منتصر» صاحب واحد من أهم الأعمدة الصحفية فى مصر.. وقد كتب يقول: «زاهى حواس يرثينى»!!

كانت تلك هى الدفعة الأولى التى اختارها زاهى حواس «لرثائهم وهم أحياء».. ثم توالت القوائم:
«جيهان السادات وسوزان مبارك والمشير طنطاوى ومجدى يعقوب ووحيد حامد وأحمد أبو الغيط»
وتوالت الأسماء بالعشرات.. وبقى الرثاء وإن تغير العنوان ليصبح «وسام الإمتنان»!

عن «عمر الشريف»
«أشهر صفاته كان الصدق والالتزام بالمواعيد ولم يكن يأكل سوى وجبة عشاء كان راضيًا وسعيدًا طوال عمره ولم يحزن إلا على حفيدته التى ماتت وهى دون العامين من عمرها» وعندما توفيت حبه الأول والوحيد وسبب سعده كان قد تمكن منه داء النسيان.. قال له «زاهى» الذى كان يصاحبه طول الوقت بعد أن أصابه مرض «ألزهايمر»: فاتن حمامة ماتت.. أجابه: فاتن مين؟!
ولا بأس من أيام الهلس والفرفشة:
أقام علاقات عابرة مع انجريد برجمان وباربرا سترايسند وصوفيا لورين وكولوديا كاردينالى وعندما عمل فيلما مع باربرا سترايسند هاجموه لأنه يمثل مع فنانة يهودية، وكان رده أن قال: «عندما أقبل نجمة سينمائية لا أسألها عن ديانتها»، وهذه الكلمة من وجهة نظر زاهى حواس أجمل ما قال عمر الشريف فى حياته.. «فلما اقترب الموت كانت وصيته الوحيدة أن يدفن فى مصر وكان يقول عندما أموت مش عايز حد يزورنى.

اخترنا مسجد المشير طنطاوى، ولأن مكانه فى التجمع يعد بعيدا نسبيا ولن يذهب إليه إلا من يكون قادما خصيصا للجنازة، وبهذا تخرج الجنازة بشكل محترم، وبالفعل هذا ما حدث وحضر نحو ٥٠٠ شخص، ومرت المسألة فى هدوء
وكان حضور الفنان «جميل راتب» الجنازة مؤثرا للغاية، لأن الرجل كبير فى السن ويتحرك على عكاز ولكنه كان حريصا على حضور صلاة الجنازة، وكذلك حضور الدفنة، رغم أن المقبرة بعيدة عن مكان انتظار السيارات، ما كتبه زاهر عن «عمر الشريف» بمنتهى الحب يستحق ذكره.
وكذلك ما كتبه عن نفسه وتفاصيل تاريخ حياته فى كتابه الأخير «الحارس».
لا مفر من شراء كتاب «زاهى حواس» فهو لن يتركك فى حالك.. ربنا يخليه لمصر.. وهو من أبناء دمياط: العبيدية مركز فارسكور: علم وذوق وكرم!

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة