الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي| ابتغاء الآخرة

ضياء أبوالصفا

الخميس، 10 مارس 2022 - 08:18 م

يقول الحق فى الآية 77 من سورة القصص: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ»، معنى «وابتغ...» أي: اطلب «فِيمَآ آتَاكَ الله...» بما أنعم عليك من الرزق «الدار الآخرة...»

لأنك إن ابتغيت برزق الله لك الحياة الدنيا، فسوف يَفْنى معك فى الدنيا، لكن إنْ نقلتَهُ للآخرة لأبقيتَ عليه نعيماً دائماً لا يزول، وحين تحب نعيم الدنيا وتحتضنه وتتشبث به، فاعلم أن دنياك لن تمهلك، فإما أنْ تفوت هذا النعيمَ بالموت، أو يفوتك هو حين تفتقر، إذن: إن كنت عاشقاً ومُحباً للمال ولبقائه فى حَوْزتك، فانقله إلى الدار الباقية.

ليظل فى حضنك دائماً نعيماً باقياً لا يفارقك، فسارع إذن واجعله يسبقك إلى الآخرة ،وفى الحديث الشريف لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة عن الشاة التى أُهديَتْ له قالت بعد أن تصدقت بها: ذهبتْ إلا كتفها، فقال صلى الله عليه وسلم: «بل بقيتْ إلا كتفها»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «ليس لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدقْتَ فأبقيْتَ»، لذلك كان أولو العزم حين يدخل على أحدهم سائل يسأله، يقول له: مرحباً بمَنْ جاء يحمل زادى إلى الآخرة بغير أجرة، والإمام على رضى الله عنه جاءه رجل يسأله: أأنا من أهل الدنيا.

أم من أهل الآخرة؟ فقال: جواب هذا السؤال ليس عندي، بل عندك أنت، وأنت الحكم فى هذه المسألة، فإنْ دخل عليك مَنْ تعودت أنه يعطيك، ودخل عليك مَنْ تعودت أنْ يأخذ منك، فإنْ كنتَ تبشُّ لمن يعطي، فأنت من أهل الدنيا، وإنْ كنتَ تبشُّ لمَنْ يسألك ويأخذ منك، فأنت من أهل الآخرة، لأن الإنسان يحب من يعمر له ما يحب، فإنْ كنتَ محباً للدنيا فيسعدك مَنْ يعطيك، وإنْ كنتَ محباً للآخرة فيسعدك مَنْ يأخذ منك، وإذا كان ربنا- عز وجل- يوصينا بأن نبتغى الآخرة، فهذا لا يعنى أن نترك الدنيا: «وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا...» لكن هذه الآية يأخذها البعض دليلاً على الانغماس فى الدنيا ومتعها، وحين نتأمل «لاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا...» نفهم أن العاقل كان يجب عليه أنْ ينظر إلى الدنيا على أنها لا تستحق الاهتمام، لكن ربه لفته إليها ليأخذ بشيء منها تقتضيه حركة حياته.

فالمعنى: كان ينبغى علىَّ أنْ أنساها فذكِّرنى الله بها، ولأهل المعرفة فى هذه المسألة مَلْمح دقيق:

يقولون: نصيبك من الشيء ما ينالك منه، لا عن مفارقة إنما عن ملازمة ودوام، وعلى هذا فنصيبك من الدنيا هو الحسنة التى تبقى لك، وتظل معك، وتصحبك بعد الدنيا إلى الآخرة، فكأن نصيبك من الدنيا يصُبُّ فى نصيبك من الآخرة، فتخدم دنياك آخرتك، أو: يكون المعنى موجهاً للبخيل الممسك على نفسه، فيُذكِّره ربه «وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا...»

يعني: خُذْ منها القَدْر الذى يعينك على أمر الآخرة، لذلك قالوا عن الدنيا: هى أهم من أن تُنْسى- لأنها الوسيلة إلى الآخرة- وأتفه من أن تكون غاية؛ لأن بعدها غاية أخرى وأبقى وأدوم.

إقرأ أيضاً|خواطر الإمام الشعراوي.. «قارون» عبرة لمن لا يؤمن بالآخرة

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة