الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي.. قارون كان حافظًا للتوراة

ضياء أبوالصفا

الخميس، 17 مارس 2022 - 08:59 م

يقول الحق فى الآية 78 من سورة القصص: «قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِى أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ».

لكن ما وجه هذا الردّ :«إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي» على المطلوبات الخمسة التى طلبوها منه؟ كأنه يقول لهم: لا دخلَ لكم بهذه الأمور؛ لأن الذى أعطانى المال علم أننى أهْلٌ له، وأننى استحقه؛ لذلك ائتمننى عليه، ولسْتُ فى حاجة لنصيحتكم، أو يكون المعنى» إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي» يعني: بمجهودى ومزاولة الأعمال التى تُغِل علىَّ هذا المال، وكان قارون مشهوراً بحُسْن الصوت فى قراءة التوراة، وكان حافظاً لها، وكان حسن الصورة، وعلى درجة عالية بمعرفة أحكام التوراة، فعجيب أن يكون عنده كل هذا العلم ويقول :»إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عندي» ولا يعلم أن الله قد أهلك من قبله قروناً كانوا أشدَّ منه قوة، وأكثر منه مالاً وعدداً، «أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القرون مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً» فكيف فاتتْه هذه المسألة مع عِلْمه بالتوراة؟ ومعنى «أَوَلَمْ يَعْلَمْ...» أي: من ضمن ما علم «مِنَ القرون...» أناس كانوا أكثر منه مالاً، وقد أخذهم الله وهم أمم لا أفراد، وكلمة «جَمْعاً..» يجوز أن تكون مصدراً يعني: جمع المال، أو: اسم للجماعة أي: له عُصْبة.

وبعد ذلك قال سبحانه: «وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون» وعلامة أنهم لا يُسألون أن الله تعالى يأخذهم دون إنذار يأخذهم على غِرَّة، فلن يقول لقارون: أنت فعلت كذا وكذا، وسأفعل بك كذا وكذا، وأخسف بك وبدارك الأرض، فأفعالك معلومة لك، والحيثيات السابقة كفيلة بأنْ يُفاجئك العذاب، وهكذا يتوقع أنْ يأتيه الخَسْف والعذاب فى أيِّ وقت، إذن: لن نسألهم، ولن نُجرى معهم تحقيقاً كتحقيق النيابة أو(البوليس)، حيث لا فائدة من سؤالهم، وليس لهم عندنا إلا العقاب، وبعد هذا كله وبعد أنْ نصحه قومه ما يزال قارون متغطرساً بَطِراً لم يَرْعَوا ولم يرتدع، بل ظل فَرِحاً باغياً مفسداً، ويحكى عنه القرآن: « فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ «القصص: 79». « قلنا: إن قارون كان بطبيعة الحال غنياً وجيهاً، حَسَن الصوت والصورة، كثير العدد، كثير المال، فكيف لو أضفت إلى هذا كله أن يخرج فى زينته وفى موكب عظيم، وفى أبهة» فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ...».

وللعلماء كلام كثير فى هذه الزينة التى خرج فيها قارون، فقد كان فيها ألف جارية من صفاتهن كذا وكذا، وألف فرس.. إلخ، حتى أن الناس انبهروا به وبزينته، بل وانقسموا بسببه قسمين: جماعة فُتِنوا به، وأخذهم بريق النعمة والزينة والزهو وترف الحياة، ومدُّوا أعينهم إلى ما هو فيه من متعة الدنيا.

وفى هؤلاء يقول تعالى: قَالَ الذين يُرِيدُونَ الحياة الدنيا ياليت لَنَا مِثْلَ ما أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» وقد خاطب الحق تبارك وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: «وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا.. «طه: 131».

والمعنى: لا تنظر إلى ما فى يد غيرك، واحترم قدر الله فى خَلْق الله، واعلم أنك إنْ فرحت بالنعمة عند غيرك أتاك خيرها يطرق بابك وخدمتْك كأنها عندك، وإنْ كرهتها وحسدته عليها تأبَّت عليك، وحُرمْت نفعها؛ لأن النعمة أعشق لصاحبها من عشقه لها، فكيف تأتيه وهو كاره لها عند غيره؟ .

إقرأ أيضاً|«البحوث الإسلامية» ينشر «الإسراء والمعراج» لإمام الدعاة وشيخ المفسرين «الشعراوي»

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة