توماس جورجيسيان
توماس جورجيسيان


يوميات الاخبار

مع إحسان والهواء الطلق

الأخبار

الأحد، 20 مارس 2022 - 07:36 م

توماس جورجيسيان

فى شهر مارس من كل عام ومع مجيء «يوم المرأة العالمي» (٨ مارس) يتجدد العهد والاحتفاء بقيمة المرأة وأدوارها الحيوية وبصماتها المميزة

كان الكاتب الكبير احسان عبد القدوس كريما معى فى استقبالى وفى التحاور معى واستمرار لقاءاتنا.. خاصة عندما لمس اهتمامى كشاب بعالم الكتابة والصحافة وعلم ببداية خطواتى فى مجلة «صباح الخير» فى بداية الثمانينيات ومعرفتى بما كتبه وايضا اهتمامى بما شكله بأسلوبه المتفرد ليس فقط فى عالم الكتابة ولكن فى تأسيس وإدارة مدرسة صحفية.. «مدرسة الهواء الطلق». كنت أعرف ما كتبه. كما كنت أعرف وأثمن ما تركه من بصمات فى حياة واداء من عملوا معه ومن قرأوا له.


نعم كانت لى ايام ودردشات عشتها معه فى مكتبه بالاهرام بالدور السادس وفى بيته بالزمالك خلال الثمانينيات من القرن الماضى.
ولقد فتح لى قلبه بحديثه عن تفاصيل حياته وكتاباته.. عن والده محمد عبد القدوس ونصيحته الغالية (انما الغنى فى ان تكون فى غنى عن الناس) ووالدته روز اليوسف (ووصاياها العشرة لابنها الغالي) وزوجته لولا (عشرة عمر ومشوار كفاح) وأولاده محمد واحمد.. واحفاده واللعب معهم (متعة لا مثيل لها).


..معه تصفحت وتأملت العدد الأول من مجلة صباح الخير الصادر عام ١٩٥٦ بمناسبة عيد الميلاد الثلاثين للمجلة (ياه دى كانت ايام حلوة) واستمعت اليه يتحدث عن الصحافة والصحفيين وانا اسأله عن نظرته لما كان يجرى فى الصحافة المصرية خلال الثمانينيات (كنا فين وبقينا فين). وفى مكتبه التقيت بتحية كاريوكا (كم كانت فرحتى وسعادتي) وكنت معه وهو حريص على ان يذهب الى حيث يجلس نجيب محفوظ ويهنى (ابن العباسية) لفوزه بجايزة نوبل للآداب عام ١٩٨٨.. وقد سجلت هذه اللحظات الجميلة النادرة بكاميرا الفيديو التى كانت معى حينذاك.. وكنت معه ايضا فى مكتبه عندما أصابته جلطة الدماغ وسقط القلم من يده.


ولا أنسى أبدا هذا المشهد فى رحلتى معه.. كان مع اقتراب عيد ميلادى الثلاثين قدمت له من جديد ما كتبه وهو يبلغ الثلاثين تحت عنوان «الشموع المطفأة»ـ وكان قد أعيد نشر هذه المقالة فى كتاب «أيام شبابي».. بعد أن قرأ الأستاذ إحسان ما كتبه قبل نحو أربعين عاما أخذ قلمه وكتب فى صدر الكتاب: الى الصديق الشاب توماس جورجيسيان
أهديك أيام شبابى.. متمنيا لك أن تهنأ هنائى ولا تتعذب عذابي.


وبالطبع لن انسى تلك اللحظات المحفورة فى الذاكرة وانا اصور واخرج فيلما قصيرا عن حياته. وانا ألتقط لقطات ومشاهد نادرة فى حياة احسان منها لقطات فى مكتبه وتهنئته لنجيب محفوظ بنوبل الادب وعيد ميلاده السبعين فى بيته مع عائلته واصدقائه وايضا فى روز اليوسف مع زملائه وتلامذته. والفيلم الذى ساعدتنى فى اعداده وتنفيذه زميلتى من الجامعة الأمريكية آنذاك ايناس الشناوي. وقد تم عرض الفيلم فى ذكراه بنقابة الصحفيين وقد توفى احسان عبد القدوس فى يناير ١٩٩٠. واذكر هنا اننى لم اتردد ولو للحظة واحدة فى ان ينتهى الفيلم بعبارة «تصبحون على حب» مكتوبة على الشاشة. تلك العبارة الشهيرة التى كان ينهى بها احسان عبد القدوس برنامجا إذاعيا فى نهاية الخمسينيات فثارت الدنيا عليه.. وتم مطالبته بان يغير كلمة «حب» بكلمة «محبة» على اساس ان الكلمة الثانية اكثر احتراما او اقل اباحية !!
مع رفيقة الدرب.. وشريكة الحياة


فى شهر مارس من كل عام ومع مجيء «يوم المرأة العالمي» (٨ مارس) يتجدد العهد والاحتفاء بقيمة المرأة وأدوارها الحيوية وبصماتها المميزة، وبالطبع التذكير بحقوقها التى لم تتحقق بعد. كما يتكرر الحديث عن ضرورة تعليمها وأهمية تمكينها وحتمية مشاركتها فى اتخاذ قرارات المجتمع وتشكيل ملامحه ومستقبله. بإعادة قراءة السطور السابقة وتأمل معانيها.. ثم النظر حولنا ولواقع حالنا وحال العالم نجد أن أمامنا جميعا (وليس أمام المرأة وحدها) طريقا طويلا وشاقا لكى نصل الى ما نريد أن نحققه ونعيشه فى الغد.
كما أن الاستماع اليها والى ما يقال عن المرأة همسا كان أم صراخا أو الاطلاع على ما يكتب عنها بصريح العبارة والجهالة معا بالتأكيد يدق «نواقيس الخطر» للتخلف الذى نعيشه ونعانى منه ـ ومع الأسف أحيانا نبرره وأحيانا «نتباهى به» بمسميات مختلفة. وهكذا يتم وأد حقوق النساء وآرائهن وأصواتهن !!


والحديث عن المرأة بشكل عام أو حتى حديث المرأة عن نفسها كان وما يزال منطقة ملغمة وشائكة وغالبا فيها مخاطرة.. لا يحب أن يغامر فيها أو يقامر بها كل شخص. وبالرجوع الى صفحات إرثنا الثقافى الثرى أجد «كيف أريد الرجل أن يكون؟» وتحت هذا العنوان كتبت مى زيادة : «الرجل الذى يكون فعله حلا للمشاكل لا عقدة فيها، نورا فى الظلام لا ظلاما فى النور، تعزية فى الألم لا ألما فى التعزية، نشاطًا فى اليأس لا يأسًا فى النشاط، الرجل الشهم الكريم الجميل جمال الرجولة المهيب، الرجل المرئ الحصيف، وفى نفسه ذلك الحنان الواسع الذى ليس من خصائص الضعفاء كما يزعمون، بل هو من أنفس مواهب الأقوياء. الرجل الذى يمر فى زمانه وقومه فينتفع بجميع الممكنات المقدمة له، ولكنه يترك على ذلك الزمان وذلك القوم طابعه المبين!» هذه الكلمات لمى زيادة (١٨٨٦ ـ ١٩٥٤) نقرؤها فى مجلة «المقتطف» فبراير عام ١٩٢٦. وهنا من الطبيعى أن أتساءل: هل مع مرور السنوات تغيرت نظرة المرأة للرجل؟ .. وهى الآن كيف تريد أن يكون هذا الرجل؟


«يصدمنى فى الحركات النسائية نزوعها للانتقام» قالتها الكاتبة البريطانية «دوريس ليسنج» الحاصلة على نوبل للآداب عام ٢٠٠٧ والتى عاصرت وعايشت أغلب هذه الحركات ترى أن المرأة نعم يجب أن تطالب وتناضل وتكافح من أجل حقوقها ولكن ليس من حقها أن يكون كل ذلك فقط للانتقام من الرجل أو للتصادم مع من يختلفون معها أو ربما للاستهزاء من نساء أخريات اخترن طريقا آخر.
عندما كتب الأستاذ الكبير كامل الشناوى مقالًا فى مجلة «روز اليوسف» عن السيدة فاطمة اليوسف عنوانه «السيدة الرجل» حكى فيه ذكرياته معها وحياتها الصحفية علقت السيدة روز اليوسف فى نهاية المقال بعدة سطور قالت فيها: «إن صديقى كامل الشناوى يقول إنى «رجل» لا يا كامل لست رجلًا ولا أحب أن أكونه.. إنى سيدة فخور بأنى سيدة وعيب صحافتنا هو كثرة رجالها وقلة سيداتها، وقد غفرت لك ويوم أرضى عنك وعن جهادك سأقول إنك سيدة».


وألتقى فى مشوارى بما كتبته غادة السمان منذ سنوات ليست ببعيدة: «إن المرأة العربية وعت منذ البداية بنضج استثنائى أن حليفها الوحيد الممكن هو الرجل الواعى ولذا لم تستفزه (إلا نادراً وبأصوات متطرفة) بل طلبت مساعدته ومحالفته ليقاوما معاً أى ظلم يقع عليهما كمواطنين.. وحرب الدجاجة والديك فى مجتمعاتنا ترف لغوى.. والمرأة العربية تعلن بسلوكها: نريد التكامل مع الرجل لا التماثل.. نريد ان تحقق المرأة العربية ذاتها كإنسانة وتؤدى واجبها كمواطنة ولكن داخل وطن لا يسلب الطرفين الحرية والكرامة وفرص العمل» وبالتأكيد أرى من واجبى أن أتساءل هل تقبل المرأة العربية هذا التوصيف أو توافقها المرأة المصرية على هذا الرأى؟! وكانت غادة السمان قد قالت من قبل: «حين تذوق الفراشة طعم التحليق بحرية، حين تعرف نشوة تحريك أجنحتها فى الفضاء لا يعود بوسع أحد إعادتها إلى شرنقتها ولا إقناعها بأن حالها كدودة أفضل».


لا شك أن يوم المرأة العالمى والأيام التالية له فرصة لنا للتفكير والتذكير والتنبيه والتحرك لكى نعرف حقوق المرأة وما لها وأيضا واجباتنا وما علينا تجاه المرأة.


دنيانا ـ دنياك أيها الرجل هى المرأة الواقفة معك وبجانبك وخلفك وأمامك.. بعيدة عنك أو «كتفها فى كتفك» و»إيدها فى إيدك» و»قلبها معاك وعليك» ومهما كان الطريق طويلا فأهلا بالمشوار والمسار و»رفيقة الدرب» و»شريكة الحياة». أهلا بكل من يخبز العيش وبكل من يزرع الورود. ودنيانا الحلوة والجميلة والطعمة واللذيذة والمهضومة.. «مالهاش حل» وهى المرأة والخبز والورود معا.. وحكاياتهن معك. وطبعا حكاياتك أنت معهن!!
كل عيد أم وانتى معايا يا ماما
من سطور كتبتها عن ماما «رحمها الله».. أقرؤها من حين الى حين وأعيد صياغتها من جديد..
.. وماما موجودة دايما معايا وبألتقى بها على طول.. فى الأماكن اللى زرناها معا. وفى الحكايات اللى سمعتها لأول مرة منها.. وفى الكتب اللى قلبنا صفحاتها معا. وفى الأغنية اللى غنتها لى وهى عايزانى أنام علشان أقدر أصحى الصبح وأروح المدرسة بنشاط وهمة. هى الحدوتة اللى كانت بتتكرر وكمان بتتغير وهى نبع للسرد الآسر والحكى المتنوع.. غالبا كنت عارف الحكاية ولكن وهى بتحكى كانت بتتفنن وتسرح وتضيف وتغزل وبتدينى أجنحة بأطير بها بعيد وفى كل الأحوال هى كانت ساحرة ومبهرة بتلعب بخيالى وبتثرى قاموس كلماتى وبتخلينى أحس انى ممكن فى يوم من الأيام أحكى ميت حكاية وأحكى الحكاية الواحدة بميت طريقة.. أسرح بها زى ما أنا عايز.. أنا وشطارتي!!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة