غزو أوكرانيا
غزو أوكرانيا


ساحة للصراع بين أمريكا وروسيا والصين

حرب تكسير العظام فى أوكرانيا

آخر ساعة

السبت، 26 مارس 2022 - 11:34 ص

كتب: خالد حمزة

لا حديث خلال الأيام القليلة الماضية، فى واشنطن وبكين وموسكو وعواصم هامة فى العالم، إلا عن تهديد أمريكا للصين بمواجهة العواقب، إذا ساعدت روسيا على التهرب من العقوبات التى فُرضت عليها بعد غزوها لأوكرانيا، خاصة بعد أن أفادت وسائل إعلام غربية وأمريكية، نقلاً عن مسئولين فى واشنطن، أن روسيا طلبت من الصين معدات عسكرية بما فى ذلك طائرات بدون طيار، وحذرت أمريكا الحلفاء من أن الصين، أشارت إلى أنها منفتحة على تحرك لتقديم الدعم العسكرى والاقتصادى لموسكو، وبالمقابل اتهمت وزارة الخارجية الصينية أمريكا بنشر معلومات مضللة، ونفت روسيا طلبها أى مساعدة عسكرية من بكين.

تلك الأخبار، جاءت مُتزامنة مع لقاء مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان، مع كبير الدبلوماسيين الصينيين يانج جيتشى فى روما، وخلال اللقاء أثار سوليفان عددا من القضايا فى العلاقات الأمريكية الصينية، مع مناقشة الحرب الروسية ضد أوكرانيا، كما أكدا أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة بين البلدين، وكان سوليفان قد قال فى مقابلة مع شبكة سى إن إن الأمريكية، إن أمريكا تتواصل بشكل مباشر مع بكين، محذرة إياها من أنه ستكون هناك عواقب لجهود التهرب من العقوبات واسعة النطاق أو دعم روسيا، وأنها لن تسمح بوجود شريان حياة لروسيا من هذه العقوبات الاقتصادية من أى دولة فى العالم، وأنه بينما كانت أمريكا تعتقد أن الصين كانت على علم، بأن الرئيس الروسى كان يخطط لشىء ما قبل الغزو، فإن بكين ربما لم تفهم المدى الكامل لذلك، لأنه من المحتمل جدًا أن يكون بوتين قد كذب عليهم، بنفس الطريقة التى كذب بها على الأوروبيين.


وفى حين تقول الولايات المتحدة، إنها تريد تجنب مواجهة مباشرة مع روسيا، فإن تقديم الصين مساعدة عسكرية لموسكو، سيضع واشنطن وبكين أكبر قوتين فى العالم، على طرفى نقيض فى أكبر هجوم على دول أوروبية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وردًا على سوليفان، قال متحدث وزارة الخارجية الصينية، إنه يتم نشر تضليل يستهدف الصين، بشأن القضية الأوكرانية مع النوايا الخبيثة.


وردًا عما إذا كان بإمكانه توضيح ما إذا كانت الصين، قد تلقت طلب مساعدة عسكرية من روسيا، قال إن هذه أخبار كاذبة، لكنه لم ينفها مباشرة، مشيرًا إلى أن موقف الصين كان ثابتًا دائمًا، وقال المتحدث باسم بوتين إن التقارير التى تفيد بأن روسيا طلبت من الصين مساعدة عسكرية غير صحيحة، وإن روسيا تمتلك إمكانياتها المستقلة لمواصلة العملية، التى تسير وفقا للخطة، والذى عزز المخاوف الأمريكية، كما تقول صحيفة واشنطن بوست، عدة أمور منها امتناع الصين حتى الآن عن إدانة روسيا لغزوها، وقولها إن مخاوف موسكو الأمنية المشروعة يجب أن تؤخذ على محمل الجد.


وعندما صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسى، كانت الصين واحدة من 35 دولة امتنعت عن التصويت، لكن بكين أعربت فى الوقت نفسه عن دعمها الثابت لسيادة أوكرانيا، وإنها مستعدة للمساعدة فى إنهاء الحرب دبلوماسيا، وقبل أسابيع، ومع افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية فى بكين، أعلن الرئيسان شى وبوتين تحالفًا جديدًا بلا حدود، ومن الواضح أن المساعدة العسكرية يمكن أن تكون جزءًا منه، ومع الأيام التى أعقبت الغزو الروسى، أدانت الصين المملكة المتحدة وأمريكا، لتقديمهما أسلحة للجيش الأوكرانى، لأنهما يصبان الزيت على النار، ولكن إذا كان التقييم الأمريكى صحيحًا، واتبعت بكين نفس النهج، فعندئذ ستكون هى أيضًا ممن يصبون الزيت.


وقبل فترة، تعرض رئيس الوزراء الصينى لى كه تشيانج، لأسئلة كثيرة من جانب الصحفيين بعد اختتام الدورة السنوية للمجلس الوطنى لنواب الشعب، حيث كانت الأسئلة تدور حول كيف ترى الصين الغزو الروسى لأوكرانيا؟ وفى رده، قال إن الوضع فى أوكرانيا أصبح خطيرا للغاية، والصين تشعر بقلق وحزن حيال الأمر، وهناك حاجة ملحة الآن لتفادى تصعيد التوترات أو خروج الأزمة عن السيطرة، ولكنه لم يذهب إلى حد انتقاد الغزو الروسى لأوكرانيا، حيث شدد على قوة العلاقات التى تربط بلاده مع روسيا، وأكد أن العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، قد تضر بالاقتصاد العالمى.


وعبر حديث رئيس الوزراء الصينى عن متانة العلاقات بين بكين وموسكو، وسلط الضوء على التعاون الوثيق بين البلدين اللذين يتقاسمان حدودا برية تتجاوز أربعة آلاف كيلومتر، والتى تعد عاملا حاسما فى العلاقات التى تربطها بروسيا، وجوهر الشراكة بين البلدين، كما أن البيان الختامى الذى أصدره البلدان  قبل غزو أوكرانيا، سلط الضوء على التعاون الاستراتيجى بينهما بلا حدود، كما أيدت الصين فى البيان المشترك المطلب الروسى، فى عدم انضمام أوكرانيا إلى صفوف حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، كما طالبا الناتو بالتخلى عن نهج الحرب الباردة، ووحدة أراضى جميع الدول، وهو العرف السائد فى السياسية الخارجية لبكين، لكنها فى الوقت نفسه وصفت مخاوف روسيا الأمنية تجاه توسع الناتو فى شرق أوروبا بالمشروعة.


ويعزز العلاقات الوثيقة بين روسيا والصين، كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، تاريخ طويل من التقارب بين البلدين، كما أن العلاقات بين الصين وروسيا، تقوم على أساس تبادل المنافع، وتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية لكلا البلدين، وعلى الجانب الروسى، اختار بوتين التوجه شرقا وتحديدا صوب الصين بعد العقوبات الاقتصادية التى فرضتها الدول الغربية على بلاده، عقب ضمها شبه جزيرة القرم 2014.


 وفى الوقت الذى أصبح فيه التعاون مع الصين، أمرا لا غنى عنه بالنسبة لروسيا أكثر من أى وقت مضى، فإن الصين ترى أنها تجنى فوائد كثيرة من توثيق علاقاتها مع روسيا، فهناك اتفاقيات كبرى فى قطاع النفط والغاز مع روسيا، وتعد روسيا ثالث أكبر مورد للغاز لبكين، كما تعد الصين أكبر مستهلك للطاقة فى العالم، مما يقلل من اعتماد موسكو على عملائها التقليديين فى أوروبا، خاصة إيطاليا وفرنسا وألمانيا، الذين أعلنوا صراحة انضمامهم للعقوبات الصارمة ضدها، كما أنه غالبا مايندد البلدان بالتأثير السلبى لاستراتيجية أمريكا فى منطقة المحيطين الهندى والهادى، على السلام والاستقرار فى المنطقة، وبحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية، فإن أى تحالف اقتصادى بين روسيا والصين سيعنى اندماج ما يقرب من 25% من اقتصاد العالم، مقابل 50% فقط لأمريكا والغرب، وترى المجلة أن الصين لاتسعى لأن تكون القوى الأولى عالميا، فهى تعمل من وراء ستار، عكس روسيا التى تسعى لإعادة القوة السوفيتية، التى كانت إحدى قوتين بالعالم خلال الحرب الباردة، ورغم ذلك فإن للصين علاقات جيدة مع أمريكا والغرب.


وهذا لا يعنى أن بكين ليست قلقة من تقدم الناتو شرقا، ومحاصرتها والتضييق عليها فى بحر الصين، فلدى الصين مخاوف كبرى وحقيقية، لكنها تفضل أن تعود علاقتها مع أمريكا إلى عهد الاستقرار، وذلك أجدى بالنسبة لها، حيث تعد واشنطن أكبر شريك تجارى، ورغم الحرب التجارية بينها وبين أمريكا، فإن التبادل التجارى بينهما فى تصاعد مستمر، كما أن بكين لا تريد حربا تجارية أشد مع واشنطن، فى حال فرضت عليها العقوبات إذا أعلنت صراحة وقوفها وراء الدب الروسى، ولكن بكين تدرك جيدا أن أى حرب كبرى فى أوروبا، ستضر تجارتها مع روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبى، وقد تضررت تجارتها بالفعل فى عام 2014،  عندما تعرضت موسكو للعقوبات التجارية، بسبب استيلائها على شبه جزيرة القرم.


ورغم كل التصريحات التى تؤكد قوة العلاقات بين موسكو وبكين، إلا أن المصالح هى التى تحكم هذه العلاقة، ومن وجهة نظر الصين، فإن الأزمة فى أوكرانيا ليست واضحة المعالم، بينما يُظهر شى وبوتين علاقة أخوية، تتمتع بكين أيضًا بعلاقات ودية مع كييف، وتوفر لأوكرانيا فرصة تجارية لمبادرة الحزام والطريق الصينية، والمفارقة هنا أن بكين هى الشريك التجارى الأول لأوكرانيا، وهنا ستحاول بكين أن توازن بين مصالحها مع موسكو وواشنطن وكييف، كما أن المكاسب التى يمكن للجانب الصينى جنيها من خلال الأزمة، عديدة منها ما هو مرتبط بما يُمكن أن تجنيه بكين من تخفيف حدة الضغوطات، التى تواجهها من الجانب الأمريكى، مع ضوء توجه البوصلة إلى التوتر بين موسكو والغرب، باعتباره الملف الأهم الآن.


ومع اعتبار أزمة أوكرانيا كمحطة استكشافية للجانب الصينى، لاختبار رد فعل واشنطن والغرب من غزو روسيا لأوكرانيا، وبما يوفر للصين صورة أوضح بالنسبة لخياراتها المستقبلية فى ملف ضم تايوان، كما أن الأزمة تخدم الصين على المدى البعيد، لأن التطورات المحتملة لأزمة أوكرانيا، ستسهم بشكل أو بآخر، فى تشكل النظام الدولى الجديد، وبما يخدم مكانة الصين، فى خروج نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب، كبديل للقطب الأوحد حاليا، وهنا تبرز رغبة  بكين فى منطق الحرب الباردة، ومطالبتها بتخلى جميع الأطراف تماماً عن تلك العقلية، ومرة أخرى ستجد روسيا نفسها وحيدة فى مواجهة المجتمع الدولى، وتخلى الأصدقاء عنها واحدا تلو الآخر.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة