الاكتفـاء الذاتـى مـن القمـح
الاكتفـاء الذاتـى مـن القمـح


مصر على الطريق الصحيح.. الاكتفـاء الذاتـى مـن القمـح.. هـل آن الأوان؟!

آخر ساعة

السبت، 26 مارس 2022 - 03:35 م

هانئ مباشر

أدت الحرب «الروسية - الأوكرانية» الدائرة بين أكبر دولتين مصدرتين للقمح فى العالم إلى زيادة حالة عدم اليقين فى السوق وارتفاع أسعار القمح إلى ضعف أسعار العام السابق، كما أن توفير مورد للقمح بديل عن روسيا وأوكرانيا بالسرعة المطلوبة ليس أمراً يسيرا فى الوقت الحالي، لتزايد الطلب على الدول المصدرة الأخرى للقمح والزيوت النباتية وهى دول الاتحاد الأوروبى وكندا وأمريكا وأستراليا والأرجنتين.. وصحيح أن مصر بعيدة عن خطر هذه الحرب من خلال توفير احتياطى من القمح يكفى لتغطية احتياجات أربعة أشهر وتقليل حجم الفاقد السنوى من الإنتاج والذى يصل لـ٢٥٪.. إلا أن الدولة لم تقف عند هذا الأمر بل اتخذت حزمة من الإجراءات للبدء فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح.

وقد قفز سعر طن القمح إلى أكثر من 410 دولارات مؤخرًا مقابل أقل من 260 دولارًا قبل أقل من ستة أشهر، ومع استمرار الحرب، ستشهد الأسعار المزيد من الارتفاع، والذى يكلف ميزانية الدولة المصرية نحو مليار دولار إضافية خلال النصف الأول من السنة الجارية.

وسواء استمرت الحرب أو انتهت، فإنه إذا ثبتت جدوى البدائل وخلطها مع القمح فلنستمر بها فى حال كانت قادرة على تخفيف استيرادنا للقمح، لأننا فى كل الأحوال لن نحقق الاكتفاء الذاتى منه، لأن المساحة المنزرعة حاليا من القمح فى مصر لا تسمح بذلك، حيث إن مصر تزرع حوالى 3 ملايين فدان وفقا لإحصائية العام الماضى ٢٠٢١، بمتوسط إنتاجية ٣ أطنان للفدان، أى ننتج ٩ ملايين طن قمح سنوياً والآن هناك توقعات بالزيادة، حيث يوجد ٥٠٠ ألف فدان تم إضافتها من خلال مشروع «مستقبل مصر»، لذا يُتوّقع فى هذا العام زراعة 3.5 مليون فدان بمتوسط إنتاجية ٣ أطنان للفدان، أى سيتوافر حوالى ١٠ ملايين ونصف طن بزيادة تصل إلى 1.5 مليون طن.


صحيح أن الحكومة وضعت عددًا من السياسات للنهوض بمحصول القمح من أجل تحقيق نسبة اكتفاء ذاتى تصل إلى 80%، من خلال رؤية مصر 2030 فهناك 20 صنفًا تتم زراعتها على المستوى التجارى فى جميع مناطق الجمهورية منها 14 صنفا من قمح الخبز، وتتميز جميعهـــا بالإنتاجــــــية العاليـة فى المحصول والمقاومــــة للأمــــراض خاصة الأصداء.

لقد كان الاحتياطى الاســـتراتيجــــــى مـــــــن القمح لا يكفى إلا لنحو ١٨ يومًا عام ٢٠١٧، وفقاً للبيانات الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، إلا أنه الآن أصبح لدينا احتياطى يكفى لتغطية احتياجــات أربـعـــــــــــة أشهر، بفضل إطلاق المشروع القومى للصوامع، الذى استهدف تطبيق أفضل التكنولوجيات العالمية فى تخزين القمح، وهو ما وفّر حجم الفاقد السنوى من الإنتاج والذى يصل لـ25%.


لكن تظل أزمة الاحتياج قائمة، والمشكلة ليست فى عدم توفر الدولار والعملات الصعبة الأخرى، بل فى نقص العرض السلعى من الأغذية من جهة وارتفاع أسعارها وأسعار التأمين والنقل من جهة أخرى، ويعود هذا النقص إلى أن الدول المطروحة كبدائل لا تتوفر لديها الكميات اللازمة لسد الطلب المتزايد وتعويض نقص الصادرات من روسيا وأوكرانيا. فهذان البلدان يُصدران حوالى 30% من الصادرات العالمية من القمح بحجم أكثر من 55 مليون طن.

 

لكن ما الحل؟! أو بمعنى آخر ألا توجد حلول لمواجهة هذه التغيُّرات الدولية التى تمثل تحديًا للأمن الغذائى المصري؟!
الدكتور ناصر مندور، رئيس جامعة قناة السويس والأستاذ بكلية الزراعة، يقول: إن هناك سلسلة من الحلول المقترحة ليس لتجاوز تلك الأزمة فحسب، بل هى خطوات جادة لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح، فعلى المدى القصير يجب إيجاد دول مصدرة للقمح كبدائل لروسيا وأوكرانيا كدول الاتحاد الأوروبى وكندا والأرجنتين، والإسراع فى تنفيذ خطة الدولة للتوسع الأفقى لزراعة القمح، وذلك بزراعة 500 ألف فدان إضافية على الأقل بطاقة إنتاجية تعادل 1.5 مليون طن خلال العام المقبل، خاصة أن الدولة حققت قفزة كبيرة فى توفير المياه المعالجة اللازمة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية.

 

ويمكن تحقيق ذلك عبر تقديم تسهيلات ومحفزات للقطاع الخاص للمشاركة فى زراعة القمح على الأراضى والمشروعات الجديدة مثل مشروع 600 ألف فدان فى توشكى و500 ألف فدان فى شمال سيناء ومليون فدان فى محور الضبعة بالساحل الشمالى الغربى من الإسكندرية إلى مطروح.


وتشير التقديرات الأولية لعام 2022 إلى أن المساحة المزروعة قمحًا تبلغ 3.7 مليون فدان، بزيادة قدرها 400 ألف فدان مقارنة بعام 2019، وبنسبة بلغت نحو 12%، ويُتوقع أن تبلغ الإنتاجية الكلية هذا العام نحو 10.5 مليون طن، وتسعير توريد الأقماح المحلية للحكومة بأسعار مشجعة تتناسب مع ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج للمزارعين. لذلك يمكن القول إن المقترح الحالى لسعر توريد الأردب بـ810 جنيهات علاوة على 60 جنيها حافزا إضافيًا وهو ما يعادل حوالى 5.8 - 6 آلاف جنيه للطن، قد يكون مشجعاً لزيادة توريد القمح، إلى جانب تخصيص 10-20% من الأراضى التابعة للشركات الزراعية الكبرى والهيئات والوزارات الحكومية مثل أراضى الأوقاف ووزارة الزراعة والمزارع التعليمية بالجامعات لزراعة القمح والذرة الشامية وتوريد ما لا يقل عن 50% من الإنتاج  لصوامع الدولة.

أما على المدى الطويل، فيجب إعطاء الأولوية لسياسة إحلال الواردات من القمح والسلع الاستراتيجية الأخرى من خلال إنتاج البديل المحلي، حتى إن كان على حساب بعض الزراعات الموجهة للتصدير والتى حظيت باهتمام بالغ خلال الفترة الماضية، فسياسة الإحلال تبدو أكثر استدامة وحماية من تقلب أسعار السلع الأساسية التى تختفى من الأسواق الخارجية بسرعة لأنها السبيل الأنجح لإنتاج المواد الغذائية محليا بأسعار أنسب بدلاً من الاعتماد على الأسواق الخارجية شديدة التقلب فى تأمينها، والإسراع فى تنفيذ خطة استكمال بناء الصوامع لاستيعاب الزيادة المقترحة من سياسات الأجل القصير، حيث تضمن المشروع القومى للصوامع 50 صومعة لتخزين القمح والغلال يتم تنفيذها وإنشاؤها فى 17 محافظة بطاقة تخزينية تصل إلى 1.5 مليون طن..

ودعم المزارعين عبر توفير مستلزمات إنتاج القمح بوسائل مختلفة كالقروض الميسرة والاستشارات المجانية بناءً على حيازة فعلية منزرعة بالقمح فقط، وزراعة الأصناف عالية الإنتاجية فى الأراضى الجديدة مثل توشكى والعوينات والوادى الجديد والواحات من خلال مشروعات جهاز الخدمة الوطنية حيث يتم زراعة ما لا يقل عن 15% من مساحة أى مشروع زراعى جديد أو قائم تابع لجهاز الخدمة الوطنية بالقمح والذرة الشامية مع استخدام الطرق الحديثة للزراعة والرى، والتوسع فى زراعة بعض الأراضى خارج مصر بنظام حق الانتفاع مع الإشراف المصرى على الزراعة والإنتاج مثل بعض الدول الأفريقية - السودان على سبيل المثال - حيث تتوفر المياه اللازمة..

وضغط مساحات بعض المحاصيل الشتوية الأخرى فى الدلتا لإفساح المجال للقمح وفى مقدمتها البرسيم، وزراعة محاصيل أعلاف جديدة مثل البونيكام والسورجم فى الصحراء، وهى عالية الإنتاجية ودائمة الخضرة.. وزراعة الأصناف الجديدة المتحملة للملوحة والجفاف فى الأراضى الملحية والأراضى قليلة المياه، وهناك تجارب لزراعة أحد أصناف القمح متحمل الملوحة والجفاف بالإسماعيلية بكلية الزراعة جامعة قناة السويس لتؤكد على دور البحث العلمى التطبيقى فى التنمية، هذه التجربة تم زراعتها هذا الموسم فى أكثر من منطقة بسيناء والإسماعيلية والصعيد ومطروح بإشراف وتنسيق بين كلية الزراعة جامعة قناة السويس ومركز البحوث الزراعية ووزارة الري.

لكن تظل هناك نقطة فى غاية الأهمية ولن تتم إلا بشكل مكثف ومركز بتشجيع الأبحاث الاجتماعية والتسويقية والإعلامية التى من شأنها تعديل النمط الاستهلاكى للإنسان المصرى للحد من استهلاك القمح واستبداله بمحاصيل نشوية أخرى متوفرة حيث تشير الإحصائيات إلى أن متوسط نصيب الفرد المصرى من القمح يزداد سنوياً بمقدار 1 كيلوجرام، حيث بلغ 137 كجم /فرد/سنة خلال عام 2021 وهو ما يمثل تقريباً ضعف المتوسط العالمى لنصيب الفرد من القمح والذى يبلغ 72 كجم/فرد/سنة.

أصناف محلية

فى نفس السياق، يقول الدكتور سامى عبدالفتاح، عميد كلية الزراعة بجامعة القاهرة: إن ما يشهده العالم من تقلبات مناخية أو سياسية، يؤثر بالتبعية فى سلاسل الإمداد الغذائى مثل الحبوب والزيوت وغيرها من السلع الأساسية، وتسبب هذه المتغيرات تقلبات فى أسعار هذه السلع والمنتجات المترتبة بها، وهذا يعود بنا إلى البحث عن الاكتفاء الذاتى من القمح على المدى الطويل وتقليل الفجوة من القمح على المدى القصير.

إذ يجب إعطاء الأولوية لسياسة إحلال الواردات من القمح والسلع الاستراتيجية الأخرى، من خلال إنتاج محلى بديل، ولو على حساب الزراعات الموجهة للتصدير، وتعد سياسة الإحلال الأفضل من حيث الاستدامة والحماية من تقلب أسعار السلع الأساسية، والسبيل الأنجح للمساعدة على إنتاج المواد الغذائية محليا بأسعار أنسب، حيث يعد البحث العلمى السبيل الوحيد لإيجاد حلول لزيادة إنتاجية القمح من خلال استنباط أصناف محلية ذات إنتاجية عالية لتقليل الفجوة والتوسع فى زراعات القمح والحبوب مع تقديم دعم على المنتج.

والمشكلة ليست فى الحبوب، ولكن أيضا فى اللحوم والتى تعتمد بشكل كبير فى تغذيتها على الحبوب المستوردة والبحث عن التغذية على مصادر غير تقليدية هو السبيل الأمثل، ومن أجل دعم سياسة إحلال الواردات قد تكون إعادة النظر فى عادات وثقافة التغذية السائدة ضرورية لصالح زيادة استهلاك مواد غذائية أخرى مقابل تقليل استهلاك الخبز والمعجنات ومنتجات القمح الأخرى، أو استخدام بدائل أخرى فى صناعة الخبز مثل البطاطس والبطاطا وغيرها، وكذلك اللحوم مثل التغذية على لحوم الأغنام والماعز لقلة احتياجها من المصادر العلفية أو البحث عن بدائل أخرى ذات قيمة غذائية مرتفعة مثل عيش الغراب وغيرها من البدائل.

ويأتى دور الجامعات فى صقل خريجيها خلال فترة الدراسة بالمعارف والمهارات التى تؤهلهم إلى إيجاد حلول غير تقليدية ومستدامة فى ظل التغيرات المناخية والدولية ووضع خطط بحثية تساعد الدولة فى تحقيق أهدافها التنموية..

عادات استهلاكية
إذن من بين الضرورات لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح وتقليل معدلات الاستهلاك ضرورة تغيير العادات الاستهلاكية والغذائية، فمعدل استهلاك الفرد المصرى السنوى من القمح يزيد على ضعف معدل استهلاك الفرد على مستوى العالم.

فمتوسطات الاستهلاك بالنسبة للقمح على مستوى العالم مقارنة بمصر، تقول إن نصيب الفرد وفقا للمتوسط العالمى لمنظمة «الفاو» أن نصيب الفرد من القمح على مستوى العالم يصل إلى حوالى ٧٠ كيلو قمح فى السنة - ليس من بينهم الأطفال - ولكن فى مصر يحصل الفرد على ١٨٠ كيلوجراما، ويرجع ذلك بسبب ثقافة التغذية فى مصر المعتمدة على الخبز، فى حين أن هناك دولاً لديها توازن فى تناول واستهلاك نوع واحد فقط من النشويات فى الوجبة، بمعنى إذا كانت الوجبة بها أرز لا يستخدم معها البطاطس وهكذا.. إلخ.


ولكن فى مصر بحسب ما يقول الدكتور محمود محمد بنداري، رئيس وحدة منتجات خالية الجلوتين بمعهد بحوث تكنولوجيا التغذية: يحدث العكس ويتم الاعتماد بشكل كبير على الخبز لذلك لابد من توعية المواطن من خلال برامج توعية لتغيير وعيه حتى يقتنع، كما حدث من قبل فى إقناع شريحة كبيرة بخطورة السكر، مع التوعية بأن فائدة الوجبة فى جودتها وفى الكم وليس الكيف، من خلال استخدام وجبة غذاء بها تنوع بدون تكلفة وهى ما تتحدث عنها القيادة السياسية فى تغذية الأبناء من خلال تغذية متوازنة للحفاظ على صحتهم وحمايتهم من السمنة وهو ما تركز عليه الدولة لأنها تعوق المواطن عن الإنتاج، مع توجيه القمح لمن يستحقه فقط.

 

ويوضح أنه توجد شريحة من المواطنين يغفل عنها الجميع لا تتناول القمح ورغم ذلك يصل لهم رغيف الخبز المصنوع من القمح ولكن لا يستخدمونه، بالتالى يدخل فى إطار القمح المهدر، وهذه الشريحة الضخمة التى لا تتناول القمح، نسبة تصل إلى ١٥٪ من السكان لديهم حساسية من القمح ولا يتناولونه، ولذلك يلجأون لتناول بدائل القمح، وبذلك سنوفر كمية من الإنتاج المحلى من القمح كانت تذهب إلى ١٥ مليون فرد؛ ورغم ذلك لهم بطاقات تموينية، فمن الممكن حصرهم ومعرفتهم وسحب بطاقاتهم التموينية، وبالمناسبة هذه الفئة أو الشريحة لديهم أوراق صحية تثبت مرضهم مدعومة بتحليلات معروفة مما يسهل سحب الحصة التموينية لهم بالنسبة للخبز فقط، مع إعطائهم أموالا على البطاقة التموينية الخاصة بهم أو بالطريقة التى تراها الدولة.

ويطالب الدكتور محمد أحمد عبدالهادي، الأستاذ بقسم المحاصيل بكلية الزراعة جامعة عين شمس، بضرورة العودة لخلط دقيق القمح ببعض المكونات مثل دقيق الذرة، وقد سبق تجربته وإنتاجه فى عهد الدكتور أحمد جويلى وزير التموين السابق، حيث كانت الأفران تستلم مقابل كل ٨٠ كيلو قمح نحو ٢٠ كيلو دقيق ذرة لإنتاج رغيف العيش من هذا الخليط، وكان الرغيف جيدا ووجد استحسانا من الناس؛ خاصة أن دقيق الذرة صحى ولذلك يفضّل التفكير فى العودة لهذه التجربة وتعميمها. ويمكن أيضا إدخال دقيق الشعير وخلطه مع دقيق القمح، حيث إن الشعير يتم زراعته بمساحات كبيرة فى الأراضى الجديدة؛ بالإضافة إلى أنه يتحمل الجفاف.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة