الاستثمار الزراعى
الاستثمار الزراعى


الأمن الغذائي يتصدر النقاشات العربية لتخفيف وطأة الحرب الأوكرانية

آخر ساعة

الأربعاء، 30 مارس 2022 - 01:59 م

كتب: أحمد جمال

تعددت اللقاءات الدبلوماسية العربية خلال الأسبوع الماضى للوصول إلى رؤى مشتركة يمكن أن تسهم فى تخفيف آثار الحرب الروسية- الأوكرانية على المنطقة العربية، وبدا واضحًا أن العامل المشترك فى كل اللقاءات التى جرت على مستويات عديدة يتمثل فى التشاور بشأن تعزيز الأمن الغذائى ومحاولة سد الفجوات الغذائية العربية وكيفية توفير احتياجات المواطنين من الغذاء دون أن تتكبد الحكومات مزيداً من الخسائر جراء ارتباك التجارة الدولية وتأثر سلاسل إمدادات الغذاء حول العالم.

 

وحضرت قضية الأمن الغذائى ضمن النقاشات التى جرت فى مدينة شرم الشيخ الأسبوع  الماضى على هامش اللقاء بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبي، والذى تطرق أيضًا للتباحث حول ضمان استقرار أسواق الطاقة باعتبار أنها تؤثر مباشرة فى أسعار الغذاء ويكون لها انعكاسات مباشرة على توفر السلع الأساسية.

وكانت القضية ذاتها محور الاجتماع الرباعى العربى فى مدينة العقبة بالمملكة الأردنية الهاشمية، الجمعة الماضي، بمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثاني، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولى عهد أبوظبي، ورئيس مجلس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمي.

 

وذكر المكتب الإعلامى لرئيس مجلس الوزراء العراقي، أن اللقاء تناول تعزيز العمل العربى المشترك فى مختلف المجالات، لاسيما فى التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية فى قطاعى الأمن الغذائي، والطاقة، فضلا عن بحث التنسيق العالي، وتوسيع التعاون الاقتصادي، وزيادة التبادل التجارى وبما يحقق مصالح الشعوب الشقيقة فى الازدهار والتنمية.

 

وتناول الاجتماع الوزارى الذى عقده وزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية، مطلع الشهر الجاري، الأزمة ذاتها بطلب من الكويت التى قدمت بنداً بتعلق بالشق الاقتصادى تحت عنوان «مبادرة الأمن الغذائى العربي، والأمر ذاته كان محور النقاشات التى دارت بين رئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال زيارتيه الأخيرتين إلى كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والسعودية.

 

الاهتمام العربى بقضية الأمن الغذائى يؤكد أنه يشكل أولوية مهمة فى تلك المرحلة التى يصعب فيها توقع أو حسم ما ستؤول إليه تطورات الحرب الأوكرانية، وهو ما يشى بأن هناك تخوفات عربية حقيقية من أن تطول الحرب لفترات طويلة ما ستكون له انعكاساته السلبية المباشرة على تحقيق الأمن الغذائى وهو لا ينفصل عن الأمن القومى العربى فى أوجهه السياسية والأمنية والاجتماعية.

 

وفتح الاهتمام العربى بالقضية؛ التى دائما ما تكون حاضرة فى الأوقات التى يشهد فيها العالم أزمات اقتصادية طاحنة؛ الباب أمام العديد من الاقتصاديين للحديث مجدداً عن ضرورة إحداث حالة من التكامل التجارى والاستثمارى العربي، وعاد مجدداً الحديث عن «السوق العربية المشتركة»، وإن كان ذلك باستخدام مسميات مختلفة مثلما جرى طرحه مؤخراً يشأن إمكانية تأسيس «مجلس تعاون استثمارى عربي».

 

وتشكل الدول العربية نحو 5% من سكان العالم، وتستورد نحو 20% من كمية الحبوب المتاحة للتجارة الدولية، كما أنها تستورد نحو 63% من احتياجاتها من القمح، فى حين تحتكر لوحدها فى المتوسط نحو 25% من صادرات القمح العالمية.


وتعتمد الدول العربية بشكل كبير على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا، حيث تظهر البيانات أن الدول العربية قد استوردت نحو 13,165 ألف طن من القمح من روسيا (بتكلفة 2.847 مليون دولار) ونحو 7.598 ألف طن من أوكرانيا (بتكلفة 1.527 مليون دولار) عام 2020.

 

وشكلت واردات القمح الروسى إلى الدول العربية 35.3% من مجمل صادرات روسيا من القمح، فى حين شكلت واردات القمح الأوكرانى إلى الدول العربية 42.1% من مجمل صادرات أوكرانيا من القمح، وعليه، فقد بلغ مجمل واردات القمح للدول العربية نحو 20.763 ألف طن عام 2020، مثلت نحو 10.8% من مجمل صادرات القمح العالمية، ما يدل على الاعتماد الكبير للدول العربية على هذه السلعة من جهة، وأهمية السوق العربية بالنسبة للقمح من جهة أخرى.


وتشير الانعكاسات الحالية للحرب الأوكرانية إلى أن هناك ارتباكاً على مستوى سلاسل الإمداد من روسيا وأوكرانيا ما أحدث ارتفاعاً فى أسعار تأمين بواخر شحن المواد الغذائية، بجانب انخفاض الشحن بنسبة تصل لـ60% عمّا كانت عليه قبل الحرب، ومع استمرار الحرب ربما تُقطع سلاسل الإمداد بشكل كامل، بالإضافة إلى وقف تصدير المواد الزراعية من تلك المناطق، وهذا يعنى أن العام المقبل سوف يشهد تضرراً كبيراً فى حجم الإنتاج من أوكرانيا.

لقاءات هدفها تأمين الاحتياجات الأساسية

وأكد الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أن أزمة الغذاء تتصدر المباحثات العالمية وليس فقط العربية وأضحت طاغية على التطورات اليومية للحرب الروسية الأوكرانية، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الحصول على الغذاء والمشكلات التى تتعرض لها اللوجستيات حول العالم وتأثر إمدادات الغذاء إلى الدول النامية والتى تعتمد فى الجزء الأكبر من احتياجاتها على الدول الكبرى المتصارعة فى الوقت الحالي.

إقرأ أيضاً | البيئة: إعداد وصياغة أول إستراتيجية لتمويل المناخ بالدول العربية

وأوضح أن المشكلة لم تعد تكمن فى توفر السيولة المالية للحصول على إمدادات الغذاء لكنها أضحت تتمثل بشكل مباشر فى كيفية الحصول على هذه الإمدادات، والبحث عن أسواق جديدة من الممكن أن توفر انتظام تصديرها، الأمر الذى يجعل هناك ظروفاً دولية وسياسية مواتية أمام الدول العربية لمزيد من التكامل تماشياً مع الإدراك العام باستحالة مواجهة أى من الدول الصدمات المتتالية على مستوى أسواق الغذاء والموجات التضخمية بمفردها.

وأشار إلى أن اللقاءات العربية والأفريقية التى عقدها الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخراً تستهدف لإحداث قدر من التوازن فى معادلة التبادل التجارى والاستثمارات المختلفة، إلى جانب تأمين الحاجات الأساسية للمواطنين وذلك من خلال تقديم مصر الفوائض الإنتاجية والزراعية لديها فى مقابل استيراد سلع ومواد غذائية تحتاجها بما يوفر قدرات أعلى على مستوى مواجهة الهزات العنيفة للاقتصاد العالمي، معتبرًا أن المقايضة السلعية هى السبيل الأضمن لحفاظ الدول العربية على الاحتياطى النقدى من العملة الصعبة، مشدداً على الاتجاه السائد لدى دول الخليج كالسعودية والإمارات نحو التوسع استثمارياً فى العديد من الدول الأفريقية والعربية بحاجة لمزيد من التفعيل على المستوى العربى الشامل مع ضرورة تسريع خطوات الشراكة التجارية العربية لسرعة التعامل مع التطورات الدولية المتلاحقة.


وشدد على أن مصر لديها فرصة للاستفادة من المشروعات القومية التى دشنتها فى مجال الزراعية وتحقيقها الاكتفاء الذاتى من زراعة وإنتاج بعض السلع المهمة وجهود استصلاح الأراضى والصوب الزراعية لمزيد من الاستثمارات المشتركة مع الدول العربية مع أهمية الترويج للفرص الاستثمارية، على أن يكون ذلك مصحوباً بخفض معدلات النمو السكانى المتسارعة والاتجاه بشكل أكبر نحو مضاعفة الإنتاج المحلي.

الاستثمار الزراعى

وذهب السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الأفريقية، للتأكيد على أن توالى الأزمات الدولية يجعل هناك قناعة من جانب الزعماء العرب نحو الذهاب باتجاه تحقيق التكامل الاقتصادى العربي، وذلك بعد أن تركت أزمة كورونا ومن قبلها التغييرات المناخية إلى جانب أزمات شح المياه تأثيراتها الاقتصادية السلبية على كافة الدول العربية، وهو ما يشكل ضغوطاً إضافية على رؤساء الدول والحكومات قد يجعل هناك فرصة لتحقيق مزيد من التعاون.

وأضاف أن السودان ومصر إلى جانب بعض الدول الأخرى التى لديها مواد مائية وبيئة زراعية مواتية لديها فرصة لأن تكون سلة غذاء للدول العربية لأن هذه الدول لديها إمكانيات زراعية وثروة حيوانية وثروات بحرية وتطل على البحرين الأحمر والمتوسط، مع أهمية أن يكون هناك صناعات قائمة تخدم الاستثمارات الزراعية والغذائية، وهو أمر يتطلب إرادة سياسية حقيقية لإنجاحها بما يجعل هناك فرصة لتوفير الاحتياجات المحلية. لافتًا إلى أن هناك فرصة عربية للاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية المشتركة حال جرى تدشينها وفقًا للرؤية التى طرحتها مصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي، مع ضرورة أن يكون هناك بنية تحتية إنتاجية تفعل العلاقات التجارية بين الدول العربية والأفريقية، وأن يكون هناك خطط طويلة المدى يجرى تنفيذها بعيداً عن التأثيرات الخارجية التى تعمل على توجيه خيرات الدول النامية للقوى العظمى فى العالم.

التكامل الاقتصادى

وأكد الدكتور نادر نورالدين، المفكر الإنمائى وأستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة بجامعة القاهرة، أن الدول العربية عليها اتخاذ موقف حاسم ومحدد من بين خيارين أولهما يتمثل فى الاستمرار فى شراء السلال الغذائية من البورصات العالمية مع تحمل ما تتعرض له من مضاربات وتقلبات فى الأسعار ومجاملات لبعض الدول الأوروبية على حساب الدول النامية، والثانى يتعلق بتوفير احتياجات السلع الأساسية سواء فى الدول التى تمتلك وفرة زراعية على مستوى الدول العربية أو الأفريقية أو بعض بلدان أمريكا الجنوبية من خلال استثمارات زراعية مباشرة.

وأوضح أن هناك إرادة منفردة من بعض الدول العربية للاتجاه نحو الاستثمار الزراعى وعدم الاستسلام لأسعار البورصات العالمية، وهو ما يظهر من خلال التوسع الخليجى فى تأجير المزارع فى العديد من البلدان الأفريقية ودول الفلبين وتايلاند وتركيا وإندونيسيا، وكذلك الاتجاه المصرى نحو مشروعات الاستصلاح الزراعي، مشدداً على أهمية أن يكون هناك إنتاج عربى من الأراضى الزراعية الموجودة فى العديد من الدول، وأن يكون هناك سياسات موجودة على مستوى المنطقة تضمن عدم الرضوخ لمعايير الغرب فى توزيع الاحتياجات الأساسية.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة