صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


رحلة استطلاع هلال رمضان.. من العين المجردة إلى التصوير بالكاميرات الاحترافية

آخر ساعة

الأربعاء، 30 مارس 2022 - 02:45 م

كتب: ياسين صبرى

اهتدى العرب قديمًا بمواقع النجوم، وسخروا علوم الفلك على الرغم من بساطتها فى ذلك الوقت لمعرفة اتجاهات الإبحار، كما أنهم تمكنوا من التفريق بين الأجرام السماوية التى تتحرك بشكل مختلف عن باقى النجوم الثابتة، واستطاعوا رصد الأهلة وتحديد مواقيت الشهور وفقا للتقويم الهجرى.


وكان العرب فى بداية ظهور الإسلام يقومون باستطلاع هلال شهر رمضان بالعين المجردة بعد غروب شمس يوم 29 من شهر شعبان، فإذا ثبتت رؤيته يكون اليوم التالى هو أول أيام شهر رمضان، وإذا لم يتم رؤية الهلال يكون اليوم التالى هو اليوم المتمم لشهر شعبان واليوم الذى يليه هو أول أيام رمضان.

الأسطرلاب والربع المجيب أدوات استخدمها العرب فى رصد الأجرام السماوية
 

فى هذا الصدد، يوضح الدكتور محمد أحمد الصادق، الباحث بقسم الفلك بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، مدير مرصد القطامية الفلكى، أن المسلمين  قاموا بالاعتماد على الرؤية البصرية فى رصد الأهلة والأجرام السماوية،  ثم جرى استخدام آلة تعرف بـ«الأسطرلاب» ساعدت على تحديد مواقع النجوم  واحتساب فصول السنة والمواسم، ثم انتقلوا إلى وسيلة أخرى للرصد وهى «الربع المجيب» وهى عبارة عن آلة بسيطة كانت تستخدم فى القرن التاسع، وتصميمها يشبه المنقلة، حيث يربط بها خيط معلق بثقلٍ فى منتصفها يُسمى الشاقول،  والغرض منها هو تحديد زاوية الجرم أو الهلال من الأفق السماوى، إلا أنه وعلى الرغم من ظهور هذه الآلات، فقد استمر الاعتماد الأكبر على العين المجردة فى استطلاع هلال رمضان، اعتمادا على الحديث الشريف عن النبى (صلى الله عليه وسلم):  «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمى عليكم الشهر فعدوا ثلاثين».

 

يضيف: شهد القرن السابع عشر نقلة نوعية فى علوم الفلك، لا سيما بعد اختراع العالم جاليليو التلسكوب البصرى الذى أصبح بمثابة نافذة يمكن من خلالها اكتشاف أعماق الكون من مجرات وسُدمٍ ونجوم, ومع التطور التقنى فى وقتنا الحالى أمكننا  احتساب فترة مكث الهلال بعد غروب الشمس التى لها دور كبير فى عملية رصده, فإذا كانت فترة المكث تتراوح بين 4 و5 دقائق، يكون من الصعب رصده نظرا لوجود بقايا شعاع الشمس فى الشفق الأحمر، ما يعوق عملية الرؤية حتى مع استخدام التلسكوبات البصرية، ولكن فى حالة زيادة فترة المكث عن 10 دقائق يمكن مشاهدة الهلال بالعين المجردة مع التأكد باستخدام الوسائل المساعدة كالتلسكوبات.

 

إقرأ أيضاً | الإفتاء: الأصل شرعًا في ثبوت هلال رمضان الرؤية البصرية

ومع التقدم العلمى أصبح لدى جميع دول العالم برامج محاكاة دقيقة للغاية، يمكن أن تتنبأ بمكان القمر وظهوره من عدمه، ولكن المشكلة تكمن حاليا فى رؤيته بالعين المجردة, فلم تعد رؤية الأفق كما كانت منذ 1400 عام فى مصر مثلاً، نتيجة التلوث والكثافة السكانية العالية, لذلك يأتى الهواء محملاً بكميات من الغبار ما يخلق حالة من الضباب تمتص الضوء السماوى، وهذا ما قد يحجب رؤية الهلال فى أول الشهر العربي، لأنه يكون رقيقا للغاية، فلا يمكن رصده إلا من خلال تليسكوب قوى مع وجود إحداثيات مسبقة بمكانه, أو رصده من خلال القمر الاصطناعى من خارج الغلاف الجوي.

 

ويحدثنا المهندس عصام جودة، رئيس الجمعية المصرية لعلوم الفلك وعضو الاتحاد العربى لعلوم الفضاء، قائلا: إن الحسابات الفلكية الحديثة أصبحت تعطى نتائج  تصل دقتها إلى 99,9% فى رصد هلال رمضان سواء بالتلسكوبات أو الكاميرات  الاحترافية بصورة تفوق الرؤية البشرية وحدها، وهو ما مكّن الفلكيين من احتساب موعد ظهور الهلال من خلال حدوث عملية «الاقتران»، وهى عبور القمر الخط الوهمى الذى يصل بين الشمس وكوكب الأرض.

 

يتابع: عند استطلاع هلال رمضان المقبل فى يوم الجمعة 29 شعبان، سيكون هناك وقت قصير للغاية لرصده بعد غروب الشمس فى فترة «المكث»، وهى فترة ظهوره أعلى الأفق بعد الغروب، وهذه المدة لا تكفى لرؤيته بصريًا ولا حتى عبر التليسكوبات، ولكن يمكن تصويره عن طريق الكاميرات الاحترافية التى توجه إلى موقع الهلال من خلال الإحداثيات المعروفة مُسبقًا، ثم تقوم بعملية تعريض للضوء  المنعكس من على سطح القمر، ثم تُؤخذ الصور الناتجة منها ويتم زيادة درجة التباين بين ألوانها، ومن هنا يمكن معرفة ما إذا كان الهلال موجودًا أم لا.

قوة العدسة تحدد قدرة التلسكوب على الرصد 

من جانبه أشار الدكتور محمد غريب أستاذ فيزياء الشمس المتفرغ بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، إلى أن هناك عوامل محددة فى اختيار مواقع رصد هلال رمضان، فلا بُد أن تتم فى أماكن مرتفعة بالمحافظات، بحيث تكون بعيدة عن مصادر التلوث حتى لا تكون هناك أى عوائق تمنع رصد «الأفق الغربى» موضع رؤية هلال رمضان، كما لفت إلى أن اللجنة المشكلة لرصد الهلال تضم أعضاء  من المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية وهيئة المساحة بالإضافة إلى  أعضاء آخرين من دار الإفتاء ووزارة الأوقاف والأزهر فى المحافظة التى يتم  الاستطلاع بها، وبعد أن تنتهى اللجنة من استطلاع الهلال تقوم بإبلاغ قرارها بإجماع أعضائها لدار الإفتاء وفضيلة المفتى هو صاحب القرار الشرعى فى تحديد بداية الشهر الهجرى.

 

فيما أوضح الدكتور جاد القاضى، رئيس المعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، أن عملية استطلاع هلال رمضان بالتلسكوبات البصرية يسبقها قيام  وحدة الحسابات المدراية بالمعهد بتحديد وضع القمر حسب موقعه من الشمس وكوكب الأرض، وبناء عليه يمكن معرفة توقيت تكوُّن هلال الشهر الجديد وزاوية وجوده وارتفاعها وفترة المكث التى سيبقى خلالها فى الأفق لتتضح احتماليات رصده من عدمها، لافتًا أن الفيصل فى تحديد قدرة التلسكوب على الرصد البصرى هى قوة العدسة  التى ينبغى ألا يقل قطرها عن مقياس ٨ بوصة بأى حال.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة