الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي| هدى للناس

الأخبار

الخميس، 07 أبريل 2022 - 03:47 م

«حين تضع إشارات فى الطريق الملتبسة، فمعنى ذلك أننا نريد للسالك أن يصل إلى الطريق بأيسر جهد»

الحق ينزل القرآن منجماً لماذا؟ «لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ» ومعنى «لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ» أى أنك ستتعرض لمنغصات شتى، وهذه المنغصات الشتى كل منها يحتاج إلى تَرْبِيتٍ عليك وتهدئة لك، فيأتى القسط القرآنى ليفعل ذلك وينير أمامك الطريق «كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً» أى لم نأت به مرة واحدة بل جعلناه مرتباً على حسب ما يقتضيه من أحداث،  حتى يتم العمل بكل قسط، ويهضمه المؤمن ثم نأتى بقسط آخر، ولنلحظ دقة الحق فى قوله عن القرآن: «وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً» «الفرقان: 33».. إن الكفار لهم اعتراضات، ويحتاجون إلى أمثلة، فلو أنه نزل جملة واحدة لأهدرَتْ هذه القضية، وكذلك حين يسأل المؤمنون يقول القرآن: يسألونك عن كذا وعن كذا، ولو شاء الله أن يُنزل القرآن دفعة واحدة، فكيف كان يغطى هذه المسألة؟ فما داموا سوف يسألون فلينتظر حتى يسألوا ثم تأتى الإجابة بعد ذلك.. إذن فهذا هو معنى (أنزل) أى أنه أنزل من اللوح المحفوظ، ليباشر مهمته  فى الوجود، وبعد ذلك نزل به جبريل، أو تتنزل به الملائكة على حسب الأحداث التى جاء القرآن ليغطيها. 

ويقول الحق: «أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ»،  ونعرف أن كلمة «هُدًى» معناها: الشيء الموصل للغاية بأقصر طريق، فحين تضع إشارات فى الطريق الملتبسة، فمعنى ذلك أننا نريد للسالك أن يصل إلى الطريق بأيسر جهد، و(هدى) تدل على علامات لنهتدى بها يضعها الخالق سبحانه، لأنه لو تركها للخلق ليضعوها لاختلفت الأهواء، وعلى فرض أننا سنسلم بأنهم لا هوى لهم ويلتمسون الحق، وعقولهم ناضجة، سنسلم بكل ذلك، ونتركهم كى يضعوا المعالم، ونتساءل: وماذا عن الذى يضع تلك العلامات، وبماذا يهتدي؟.

إذن فلابد أن يوجد له هدى من قبل أن يكون له عقل يفكر به، كما أن الذى يضع هذا الهدى لابد ألا ينتفع به، وعلى ذلك فالله سبحانه أغنى الأغنياء عن الخلق ولن ينتفع بأى شيء من العباد، أما البشر فلو وضعوا (هدى) فالواضع سينتفع به، ورأينا ذلك رأى العين؛ فالذى يريد أن يأخذ مال الأغنياء ويغتنى يخترع المذهب الشيوعي، والذى يريد أن يمتص عرق الغير يضع مذهب الرأسمالية، ومذاهب نابعة من الهوى، ولا يمكن أن يُبرىء أحد من فلاسفة المذاهب نفسه من الهوى: الرأسمالى يقنن فيميل لهوى نفسه، والشيوعى يميل لنفسه، ونحن نريد مَن يُشرع لنا دون أن ينتفع بما شرع، ولا يوجد من تتطابق معه هذه المواصفات إلا الحق سبحانه وتعالى فهو الذى يشرع فقط، وهو الذى يشرع لفائدة الخلق فقط.

إقرأ أيضاً | خواطر الإمام الشعراوي | منزلة رمضان

والذى يدلك على ذلك أنك تجد تشريعات البشر تأتى لتنقض تشريعات أخرى، لأن البشر على فرض أنهم عالمون فقد يغيب عنهم أشياء كثيرة، برغم أن الذى يضع التشريع يحاول أن يضع أمامه كل التصورات المستقبلية، ولذلك نجد التعديلات تجرى دائما على التشريعات البشرية؛ لأن المشرع غاب عنه وقت التشريع حكم لم يكن فى باله، وأحداث الحياة جاءت فلفتته إليه، فيقول: التشريع فيه نقص ولم يعد ملائماً، ونعدله ، إذن فنحن نريد فى من يضع الهدى والمنهج الذى يسير عليه الناس بجانب عدم الانتفاع بالمنهج لابد أيضا أن يكون عالما بكل الجزئيات التى قد يأتى بها المستقبل، وهذا لا يتأتى إلا فى إله عليم حكيم، ولذلك قال تعالى: «وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ».

وحين تجد تعقيباً على قضية فافهم أن من شهد منكم الشهر فليصمه ولابد أن تقدر من شهد الشهر فليصمه إن كان غير مريض، وإن كان غير مسافر، لابد من هذا مادام الحق قد جاء بالحكم. و(شهد) هذه تنقسم قسمين: «فَمَن شَهِدَ» أى من حضر الشهر وأدركه وهو غير مريض وغير مسافر أى مقيم، «وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر». ونريد أن نفهم النص بعقلية من يستقبل الكلام من إله حكيم، إن قول الله: «يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر». تعقيب على ماذا؟

تعقيب على أنه أعفى المريض وأعفى المسافر من الصيام، فكأن الله يريد بكم اليسر، فكأنك لو خالفت ذلك لأردت الله معسراً لا ميسراً والله لا يمكن أن يكون كذلك، بل أنت الذى تكون معسراً على نفسك، فإن كان الصوم له قداسة عندك، ولا تريد أن تكون أسوة فلا تفطر أمام الناس، والتزم بقول الله: «فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» لأنك لو جنحت إلى ذلك لجعلت الحكم فى نطاق التعسير، فنقول لك: لا، إن الله يريد بك اليسر، فهل أنت مع العبادة أم أنت مع المعبود؟ أنت مع المعبود بطبيعة الإيمان.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة