يوم خالد فى التاريخ المصرى
يوم خالد فى التاريخ المصرى


اللواء فيليب زخارى: المسيحيون صاموا مع المسلمين وأفطرنا جميعاً على نصر أكتوبر

بطولات مصرية على أرض سيناء | العاشر من رمضان.. صائمون على جبهة القتال

سما صالح

الجمعة، 08 أبريل 2022 - 08:07 م

تهل علينا ذكرى العاشر من رمضان الذى وافق السادس من أكتوبر عام 1973، حيث كتب الله سبحانه وتعالى النصر للمصريين على أعدائهم الذين جاروا على بقعة مباركة من أرض مصر وهى سيناء على مدار 6 سنوات عجاف، حيث علت كلمة الله أكبر إلى عنان السماء، وزُلزلت الأرض من تحت أقدام الأعداء الغاشمين، وألقت الرعب فى قلوبهم حتى كتب الله النصر لأبناء أرض الكنانة وعادت إلى أحضانها سيناء الحبيبة.
وشهر رمضان المبارك، هو شهر الانتصارات العظيمة التى هزت أركان العالم بأسره بل وأسست حضارات ودولاً كبرى وخلَّصت بلاداً من أسطورة الاحتلال. وقد ضرب أبطال القوات المسلحة الأوفياء، كعادتهم دائمًا أروع بطولات التضحية والفداء، حيث ضحوا بأغلى ما يملكون، حتى يحفظوا للمصريين والعرب جميعاً أرواحهم، وأمنهم، وأموالهم.


يقول اللواء فيليب زخارى قائد لواء الصواريخ ببورسعيد فى حرب أكتوبر 73، إنه صام فى رمضان مع ضباطه وجنوده المسلمين رغم وجود فتوى بجواز الإفطار فى رمضان فى حالة الحرب، ولكن ضباطه وجنوده أصروا على الصيام فتوحد معهم وصام وهو المسيحى الذى لا صيام له فى رمضان.

ولكنها مصر المؤمنة التى تضم مواطنيها المسلمين والمسيحيين، لكى يكون قدوة لضباطه وجنوده، مسترجعاً الذكريات، قائلاً: صُمت رمضان على الجبهة لأكون قدوة للضباط والجنود وإن وقت الحرب كانت هناك فتوى بجواز الإفطار فى رمضان، لكن جميع الضباط والجنود لم يعطوا الفتوى أى أهمية وأصروا على الصيام.

وهو ما جعله يصوم معهم، مؤكداً أن الشرف وحق استعادة الأرض والثأر أبرز الدوافع التى أدت إلى الانتصار فى الحرب، وتحويل الهزيمة فى 1967 إلى نصر كبير.


قدوة للضباط
وأضاف: أنا كنت صائماً لكى أكون قدوة لضباطى وجنودى، وأتذكر فى يوم 8 أكتوبر، قائد القطاع ببورسعيد أرسل لنا ضابطاً برتبة مقدم اسمه عزت السيد، وكنا تعرضنا لضربة كبيرة فى هذا اليوم، ولم تكن هناك فرصة لضباط وجنود «الميس» لطهى الطعام، وكان أمامى ساندويتش واحد، وسألته: فطرت يا عزت؟ قال: لأ، فأعطيت له نصف الساندويتش وتناولت النصف الآخر.

وأضاف أنه لم تكن سنة الحرب أول صيام لى، كنت قائد كتيبة وقتها، وأنا مَثَل ورمز لا يصح أن أفطر وأشرب الشاى والقهوة والناس صائمة، ومحبتى لجنودى وضباطى عندما يعرفون أننى صائم وأصدر أمراً لأحدهم لأى مهمة وهو يعلم أنه قد لا يعود مرة أخرى تجعله يتقبل المهمة دون مناقشة.

وأضاف: أتذكر اللواء جورج ماضى واللواء جورج حبيب وغيرهما، كانوا صائمين واختلطت دماؤنا كمصريين ولم نلتفت إلى غير ذلك مطلقاً واجتمعنا على حب الله والنصر لوطننا الغالى.


المهمة المستحيلة
أما اللواء دكتور نصر سالم قائد الاستطلاع فى حرب أكتوبر، بدأ مهمته «المستحيلة» وطالت 6 أشهر، حيث قطع 4 ساعات سيراً على الأقدام، داخل سحابة سوداء كثيفة فوق جبل، لأداء مهمته فى استطلاع تحركات العدو، تلك المهمة التى خرج منها ورفاقه بعد وقت طويل عاشوه فى الصحراء على فتات خبز وقطرات المياه.

ويقول: دورى بدأ يوم 6 أكتوبر، ومهمتى طالت إلى 6 أشهر أخرى أى 180يوماً، فالاستطلاع عين فى قلب العدو على مدار الساعة.

وتابع: توقعنا أن المؤن لن تكفى لمدة طويلة، فقررت أن نقتصد فى الاستهلاك بأن نتغذى نحن الثلاثة على حصة شخص واحد، ولذلك المؤن التى كان من المقرر أن تكفينا 6 أيام، استمرت معنا 20 يوماً، وفى 26 أكتوبر كانت مؤنتنا من الطعام نفدت إلا من نصف زمزمية ماء، قررنا عدم الاقتراب منها إلا للضرورة القصوى.

وكنا نقطر بها على ألسنتنا التى تيبست من العطش، وللبحث، سرنا فى الصحراء بحثاً عن بئر ماء لمدة 6 أيام دون مؤنة، حتى توقف الزميلان عن المشى من شدة التعب، فحفظت مكانهما وظللت أسير حتى وجدت 3 آخرين من فرقة أخرى معهم بطيخ، التهمت بعضه بنهم شديد.

وأوصيتهم أن يهرعوا بالباقى إلى زميلى اللذين توقفا عن المشى لإغاثتهما وعاودنا جميعاً مواصلة العمل.  وتابع: وفى تلك المرحلة صدرت لى تعليمات بالتوجه نحو نقطة تمركز للعدو فى إحدى السلاسل الجبلية، حددت الموقع وكان يرافقنى دليل من البدو، وهم وطنيون حتى النخاع ودورهم كان بارزاً فى نصر أكتوبر، فضلًا عن أنهم أصبحوا يمدوننا بالماء والطعام أسبوعياً حتى انتهت مهمتنا.

تحركت ومعى الدليل، ولنصل إلى الموقع المحدد كان عليّ السير فوق جرف بقمة سلسلة جبلية، الظلام حالك إلى أقصى حد، ولكنى كنت مطمئناً وأثق أننى طالما حددت موقعى على الخريطة فلا قلق.

وسأواصل السير حتى ينتهى الجرف، وفى لحظة وجدنا ضوءاً شديد السطوع والشمس فوقنا دون سابق إنذار، نظرت إلى الساعة لأجدها 8 صباحاً، ونظرت خلفى لأجد سحابة قاتمة وضخمة وكثيفة جداً، سرت فيها نحو 4 ساعات.

وعندما انقشعت السحابة ظهر النور فجأة، وكانت مفاجأة غير سارة لأنى نظرت حولي، وجدت أننا فى لسان صخرى أسفله مباشرة منطقة للعدو، يفصلنا عنهم 50 متراً لا أكثر، ولكن بهدوء استطلعت الموقع بمنظاري.

وأرسلت الإشارات إلى القيادة دون أن أخبرهم، بأننى ربما استشهد خلال دقائق، إلا أن هذه الدقائق مرت دون أن يعترضنا أحد. وعندما عدت إلى المجموعة فرحت بسلامتى كثيراً، وأعدوا لنا وليمة كانت عبارة عن بعض الدقيق، نعجنها بالماء ونخبزه على قرص «ملا» فوق النار، ثم نأكله ساخناً بملح أو دون شيء، كانت بالنسبة لنا وجبة عظيمة بعد الصيام.


عبور خط بارليف
حرب أكتوبر المجيدة لم تكن مجرد حرب عابرة فى تاريخ العسكرية المصرية المليئة بالبطولات، بل كانت حدثا فريدا من نوعه، حيث شهد هذا اليوم أكبر الانتصارات المصرية والعربية.

وتمكن المصريون من عبور قناة السويس، أكبر مانع مائى فى العالم، وتحطيم دفاعات خط بارليف الحصينة. وتلّقى العدو ضربة قاسية تحطمت فيها أسطورة الجيش الذى لا يقهر.


وحقق الجيش المصرى، الانتصار على العدو، واستطاع استعادة الأرض وتحقيق الانتصار العظيم، رغم كل المعوقات التى كان يرددها البعض حينها، وكانت تروج لها القوى العظمى، إلا أن الجيش المصرى استطاع تحطيم المستحيل.


بداية الملحمة، عندما عبر الجيش المصرى فى العاشر من رمضان 1393 هجرية السادس من أكتوبر 1973 فى تمام الساعة الثانية ظهرا، خط القناة، لتبدأ موجات من الجيش المصرى تعبر تدريجيا، وذلك فى منظومة عمل تم إعدادها بشكل متقن للغاية، فاجأت الجميع حينها.


حدث مميز
كانت حرب أكتوبر «العاشر من رمضان»، وما زالت حدثا فريداً، بل نقطة تحول فى مسار الصراع العربى مع العدو وكان من أبرز سمات حرب أكتوبر هو ظهور كفاءة المقاتل، ومدى ارتفاع مستوى نوعيته وقدرته على استيعاب واستخدام الأسلحة الحديثة والمعقدة بما فيها الأسلحة الإلكترونية.


وبدأت المدفعية المصرية بعد عبور الطائرات بخمس دقائق بقصف التحصينات وأهداف العدو الواقعة شرق القناة بشكل مكثف تحضيراً لعبور المشاة، فيما تسللت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقى للقناة لإغلاق الأنابيب التى تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة.

وفى الساعة الثانية والثلث تقريبا توقفت المدفعية ذات خط المرور العالى عن قصف النسق الأمامى لخط بارليف ونقلت نيرانها إلى العمق، وقامت المدفعية بالضرب المباشر على مواقع خط بارليف لتأمين عبور المشاة من نيرانها، بعدها عبر الجنود والضباط القناة من خمس فرق مشاة.

واحتفظوا بخمسة رؤوس كبارى واستمر سلاح المهندسين فى فتح الثغرات فى الساتر الترابى لإتمام مرور الدبابات والمركبات البرية.


المانع المائي
حصن العدو خط باريف بتحصينات كبيرة تمنع عبور القوات المصرية، حتى قال موشيه ديان فى 22 نوفمبر 1969 :«إن عمليات العبور المصرية - إذا حدثت - لن تؤثر على قبضة إسرائيل الحازمة على خط بارليف المنيع وسيلقى المصريون الرد الحاسم لأن تحصينات العدو على خط بارليف أكثر تحصيناً وتنظيماً.

ويمكن القول بأنه خط منيع لا يمكن اختراقه.. وأضاف أنهم أقوياء بدرجة تكفى للاحتفاظ إلى الأبد بخط بارليف، وأن مبالغ طائلة قد أنفقت على إنشاء التحصينات به». كل ذلك تحطم خلال 4 ساعات فقط من إصدار أوامر العبور.

واستطاع المقاتل المصرى عبور القناة واقتحام خط بارليف فى ظل عدة اعتبارات مهمة هى :صعوبة المانع المائي؛ فقناة السويس من الموانع الصناعية الصعبة فشاطئ القناة شديد الانحدار ومغطى سواتر أسمنتية وحديدية تمنع نزول وصعود المركبات البرمائية، فضلا عن سرعة التيار واتجاهه وتتميز القناة بشدة التيار وسرعته التى تبدأ من 18 متراً فى الدقيقة فى القطاع الشمالى وتصل إلى 90 متراً فى الدقيقة فى القطاع الجنوبى وفضلاً عن ذلك فإن اتجاه التيار يتغير دورياً كل ست ساعات من الشمال إلى الجنوب وبالعكس .


كذلك من أهم الصعوبات؛ تتعرض القناة لظاهرة المد والجزر فيختلف منسوب المياه تبعاً لارتفاعها عدة مرات فى اليوم الواحد .


أبرز الصعوبات التى حطمها جنودنا البواسل أن عرض القناة يتراوح بين 180 -220 متراً ويتراوح عمقها بين 16- 18 متراً وينخفض سطح المياه على حافة الشاطىء بحوالى مترين وبذلك لا يمكن عبور القناة بالمعدات المختلفة لا عوماً ولا خوضاً ولا سيراً على القاع .


أما الساتر الترابي؛ فنتيجة حفر قناة السويس وتطهيرها تكون على الضفة الشرقية للقناة ساتر ترابى يتراوح ارتفاعه من 6 إلى 10 أمتار استغله العدو فى إقامة خط دفاعى محصن على امتداد القناة فقام بتعليته حتى وصل فى بعض القطاعات إلى 25متراً ارتفاعاً .


ولم يكتف العدو بالتعلية بل أزاحه غرباً حتى لامس حافة القناة تماماً ليضع أمام المقاتل المصرى مزيداً من العقبات، وهذا الساتر الترابى أخطر من أى حائط صخرى لأن الدبابة تستطيع تحطيم الحاجز الصخرى واختراقه أما الحاجز الرملى فينهار على الدبابة ويردمها كما استخدم العدو هذا الساتر الترابى كمصاطب لنيران دباباته ومدفعياته.


أما حاجز اللهب؛ فجهز العدو سطح القناة بمواسير متصلة بخزانات وقود ومواد نفط فى النقط الحصينة ليتسرب خلالها الوقود طبقاً لنظرية الأوانى المستطرقة لتغطية سطح القناة حتى تتحول مياهها إلى مسطح هائل من اللهب ترتفع ألسنته الحارقة لأكثر من المتر وتصل درجة حرارته إلى 700 درجة مئوية .


أما النقط الحصينة؛ فخلف الساتر الترابى وفى جوفه أقام العدو نقاطه الحصينة وقد جهزت كل دشمة بعدة فتحات تمكنها من الاشتباك فى جميع الاتجاهات، بحيث تكون النقطة كتلة من النيران تغطى كل مساحات الأرض حولها، هذا فضلاً عن دشم أخرى مجهزة لأسلحة المدفعية والدبابات.

وتتصل جميع هذه التجهيزات ببعضها البعض عن طريق خنادق عميقة مبطنة بألواح الصلب وشكائر الرمل، ولزيادة مناعة النقطة الحصينة أحاطها العدو بنطاقات كثيفة من الأسلاك الشائكة وحقول الألغام المضادة للدبابات والأفراد والتى يبلغ عمقها حوالى 200 متر هذا بالإضافة إلى الشراك الخداعية والتى تغطى ميول الساتر الترابى وقمته.


 السطور القليلة الماضية وأكثر فى ما واجههه أبطال القوات المسلحة لإستعادة الأرض والدفاع عن العرض وهم صائمون.

اقرأ ايضا | رجال صنعوا النصر| اللواء فيليب زخاري: الدفاع الجوي عين القوات المسلحة الساهرة

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة