حركات الإسلام السياسي
حركات الإسلام السياسي


الإرهابيون والتوظيف السياسي للدين في العقيدة الأمريكية

أخبار الحوادث

الأحد، 10 أبريل 2022 - 02:25 م

تقرير يكتبه: عمرو فاروق

على مدار سنوات طويلة كانت حركات الإسلام السياسي، حاضرة في مفكرة النخبة الأمريكية، وفي طرق تناولها ومعالجتها لقضايا الشرق الأوسط والمنطقة العربية، تحييداً أو دعماً، من خلال تدوير الجماعات الأصولية بما يحقق الحفاظ على المصالح الأمريكية والغربية.

 

رسم الكثير من الخبراء والمفكرين الأمريكيين حدود العلاقة بين واشنطن والجماعات الإسلاموية أو كيانات الإسلام الحركي، سواء كانت عدائية أو توظيفية أو احتوائية، ومدى امكانية استثمارها في تمرير وتنفيذ أجندة السياسات الأمريكية، لعل أبرزهم مستشار الأمن القومي الأمريكي، زيجينو بريجنسكي، والمفكر البريطاني الأمريكي برنارد لويس، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد الأمريكية صمويل هنتنجتون.

كان للمفكرين الثلاثة الدور الأبرز في بناء مسارات المواجهة والصراع بين الإسلام والغرب، ووضع الكثير من الاستراتيجيات السياسية الأمريكية في توظيف جماعات الإسلام السياسي ودعمها مادياً وسياسياً، في نطاق "عملية مزدوجة" تهدف أولاً، إلى تصدير الصور الدموية عن الإسلام، وثانيها، تصفية خصومها ومنافسيها في إطار حروب الوكالة، لضمان بقائها كقطب أوحد مهيمن على المشهد العالمي.

 

ولعل ما يؤكد هذا المنحى، تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، إلى شبكة C.N.N ، قائلة:"بمباركة الرئيس ريجان وبموافقه الكونجرس بقياده الحزب الديموقراطي، دعمنا تجنيد التكفيريين العرب، واستوردنا العلامة الوهابية للإسلام حتى نستطيع الإجهاز على الاتحاد السوفيتي".

فلا يمكن لأحد أن ينكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وظفت الجماعات الأصولية كأوراق ضغط على النظم السياسية لابتزازها وتقديم التنازلات في العديد من الملفات التي تحكم العلاقات الاستراتيجية بينهم، إذ أعلنت كونداليزا رايس، وزير خارجية الأمريكية السابقة، عام 2005 قبولهم وصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة، قائلة: "الولايات المتحدة لا تخشى وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة عبر انتخابات حرة في العالم العربي".

 

عُرف زيجينو بريجنسكي، في الدوائر السياسية الدولية، بمهندس "الجهاد الأفغاني"، وبدعواته المستمرة إلى صناعة استراتيجيات تدعم جماعات الإسلام السياسي، لتكون سلاحاً ضد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط، وفي نهاية عام 2012، أعاد في مقاله بمجلة "فورين بوليسي"، ما دونه في كتابه "بين عصرين"، الصادر عام 1980، قائلاً: " كنت أول من دعا إلى تفكيك النظام الإقليمي العربي وطمس عروبته، وإعاده تشكيله على أسس عرقية وطائفية".

 

يعتبر بريجينسكي من أهم العقول الاستراتيجيّة في القرن العشرين، وقد شغل منصب مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس جيمي كارتر، ويعد من أشهر مؤلفاته كتاب "رقعة الشطرنج الكبرى"، الصادر عام 1997 ، وركز فيه على أنه لا يجوز للولايات المتحدة أن تسمح لأي دولة أخرى بأن تصبح قوة مهيمنة عالمياً، وفي كتابه "الرؤية الإستراتيجية.. أمريكا وأزمة القوة العظمى"، الصادر عام 2011، إشار إلى أنه يجب أن يظل التواجد العسكري الأمريكي في مناطق الشرق الأوسط تحت ذريعة الاستقرار، إذ أن الإنسحاب ربما يهدد الهيمنة الأمريكية بشكل عام.

 

قبل وفاته في مايو 2017، قدم بريجنسكي، محاور الاستراتيجيات الأمريكية في التعامل مع الشرق الأوسط، في مقال نشرته مجلة"The American Interest"  تحت عنوان "إعادة النظام العالمي"، من أبرزها توظيف الأصولية الإسلامية في تحقيق دائرة المصالح الأمريكية، تحت لافتة صحوة "الديمقراطية العالمية"، والتي تدفع إلى وصول التيارات الإسلامية للحكم، مما يعزز ويسهم في خلق انقسامات طائفية ومذهبية في العالم العربي والإسلامي، مع استمرار استراتيجية مكافحة الإرهاب، وإثارة الفوضى والحرب في المنطقة، ونقل الصراع لمناطق نفوذ كل روسيا والصين، بما يؤثر على الأقاليم الجنوبية والشرقية لروسيا، وعلى الأجزاء الغربية من الصين.

 

ربما تتقاطع أفكار بريجنسكي، مع أطروحات المستشرق البريطاني الأمريكي، برنارد لويس، صاحب مشروع تفكيك الشرق الأوسط على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وصائغ مصطلحات "الأصولية الإسلامية" و"الإسلام الراديكالي"، ومنظر سياسة التدخل الأمريكي في المنطقة العربية خلال إدارة جورج بوش، وكان مخططه جزءاً من خريطة "الشرق الأوسط الجديد"، التي لوحت بها علناً وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كونداليزا رايس عام 2006.

 

وتقول صحيفة "واشنطن بوست"؛ إن صداقة لويس وقربه أيديولوجياً من السياسي الأمريكي وعضو مجلس الشيوخ هنري جاكسون، فتحت أمامه أبواب صُناع القرار في البيت الأبيض والبنتاجون، وأعطته لاحقاً مكانة أثيرة لديهم لا سيما في المرحلة التي سبقت غزو العراق عام 2003، وأن لويس لم يكن يتردد في تأييد اتخاذ سياسات صارمة إزاء الشرق الأوسط، واضعاً مبدأه الشهير "القسوة أو الخروج".

 

بنى برنارد لويس مشروعه لتقسيم الشرق الأوسط انطلاقاً من دراسته المستفيضة للعالم العربي والإسلام وعلاقتهما بالغرب، وانتاجه لعشرات الكتب التي تناولت أنظمة الحكم الإسلامية في مراحلها التاريخية المختلفة، لاسيما مرحلة الدولة العثمانية، ومن أهم كتبه: "حرب مندسة وإرهاب غير مقدس"، و"أزمة الإسلام"، و"أين الخطأ"، و"الإسلام من النبي محمد الى الاستيلاء على القسطنطينية"، و"مستقبل الشرق الأوسط"، و"العرب في التاريخ"، و"العرق والعبودية في الشرق الأوسط".

 

خلص برنادر لويس في كتابه "المفردات السياسية للإسلام"، أن قوالب الإسلام لا يمكن أن تتعايش مع الحداثة الغربية، إذ أنها في جوهرها قائمة على نزعة الجمع بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، ومن ثم يصعب الفصل بينهما بحال، مستسيغاً رؤيته اتفاقاً مع خطاب جماعات الإسلام السياسي، وخلطها المتعمد بين ما هو سياسي وما هو ديني، متجاهلاً الفوارق بين الإسلام من المنظور الاجتماعي، والإسلام من المنظور الأيديولوجي، في حالة أقرب إلى شرعنة المنطلقات الفكرية للجماعات الأصولية وشعاراتها حول الحاكمية والخلافة. 

 

كانت مقالة "جذور الغضب الإسلامي"، التي نشرها برنادر لويس عام 1990، في مجلة "أتلانتيك"، الأمريكية، متحدثاً فيها عن الصراع بين الإسلام والغرب، ملهمة للمفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون، في طرح نظريته في كتاب "صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي"، وتأصيله لنقل الصراعات من الأيديولوجية السياسية إلى المرجعية الدينية، وتحويلها إلى إرث تاريخي محمل على عاتق الأجيال المتعاقبة.

 

ربما تتشابه وتتشابك هذه الرؤية مع أطروحات جماعات الإسلام السياسي، التي عملت على تحويل خلافاتها وصراعاتها مع الأنظمة والقوى السياسية من أجل الوصول للسلطة والحكم إلى صراعات دينية، مغلفة برداء الإسلام والشريعة، بهدف التأثير على النخب المجتمعية.

 

في إطار نظرته وتحليله للعلاقة التاريخية بين الإسلام والغرب، يرى هنتنجتون، أن "الإسلام ذو حدود دموية"، وأن الدول الإسلامية بيئة خصبة لنشر الأصولية والإرهاب والتطرف، ذاهباً في كتابه "من نحن؟"، الصادر عام 2004، إلى أن "الأمم تحتاج دائماً إلى عدو"، وأنه بذهاب عدو يجب إيجاد عدو آخر، وأن العدو المثالي للولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يكون عدواً أيديولوجياً ومختلفاً ثقافياً وعنصرياً وقوياً عسكرياً، لكي يفرض تهديداً يعتد به للأمن الأمريكي، معتبراً أن الجماعات الأصولية أو تيارات الإسلام الحركي المنتشرة في المنقطة العربية، تمثل الأداة الأكثر فاعلية لخلق العدو الأمثل والحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية.

 

ويرى هنتنجتون، أن ولاء المسلمين لدينهم وليس لوطنهم، إذ أن فكرة القومية تتنافى مع فكرة الحاكمية، إضافة إلى أن مفهوم "الأممية" يناقض شرعية الدولة القومية، في خلط وتعميم للإنتاج الفكري لجماعات الإسلام السياسي، معتبراً أن الإسلام انتشر بالسيف، وأنه يمجد القتال، ويعادي غير المسلمين، وأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كان مقاتلاً وقائداً عسكرياً، وأن مفهوم اللاعنف غائب عن الفكر والممارسة الإسلامية.

رغم إنقلاب السحر على الساحر مراراً كثيرا، في مضمون العلاقة بين الإدارة الأمريكية والجماعات الأصولية، فإن واشنطن مصرة على استكمال طريقها في توظيف حركات الإسلام السياسي، بما يحقق لها الهيمنة المطلقة في الشرق الأوسط، وطرحهم كبديل جاهز للأنظمة الحاكمة، وإن اختلفت الظروف السياسية المحيطة ودرجات التوظيف. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة