محمد العزبي
محمد العزبي


يوميات الأخبار

لا كلام على صيام

الأخبار

الأربعاء، 13 أبريل 2022 - 04:55 م

بقلم: محمد العزبي

ضحكت إذ تذكرت فؤاد المهندس: عبد الموجود موجود؟!»..أيوه ياسيدى موجود بس مش هيرد على التليفون.. خليه يرن!

حرب وكرب وكوروناً وغلاء ..غير أنه مع الأعياد والليالى الملاح تحلو الذكريات..
بجلابية حمرا مخطّطة أبكى يومين بليلة أحلم بفانوس العيد صغير خفيف زجاج ملون يهتز فى يد الطفل الصغير وهو يشدو مع أولاد الحارة، وغناؤه فى شارع فى حى شعبى:
«أدونا العاده الله يخليكو».. فيخرج الجيران فرحانين يحملون مما عندهم من خيرات
أما كلمة السر فكانت أغنية «وحوى يا وحوى إياحة» نشيد رمضانى لا نعرف له معنى.. بعد أن تقدّم بى العمر كثيرا ولم تعد الأغنية منتشرة او لها فائدة عرفت حكايتها: أصلها فرعونى
كان الفانوس لعبة ثمنه قروش فأصبح اليوم تحفة أشكالا والوانا معدن وخشب صغير وكبير ثمنه بعشرات الجنيهات ولكن بدون بهجة زمان
اسماعيل يس اشترى، فانوس بعشرة قروش فى فيلم «المصباح السحرى» سنة ١٩٦٠
اما«وحوى يا وحوي» التى احتار الكبار فى معرفة معناها فهى كلمة فرعونية «يا فرحتى»: «واياحه» فتعنى القمر واصلها «ايوح»!
ويقال ان هناك ملكة فرعونية اسمها «اياح حتب» !
وحوى كلمة مصرية قديمة وليست رمضانية جاءت مع الاسلام.. والله اعلم
بالنهار تاه الولد الذى هو أنا بعد أن استهواه بائع الحلوى ينادى بصوت جميل والعيال من خلفه يزداد عددهم ويشترى بعضهم حتى ينتهى الحفل وتقل الأعداد ليجد نفسه فى حارة لا يعرف لها أول أو آخرفلا يملك سوى البكاء!

أخذته سيدة طيبة من يده ودخلت من باب دكان صغير يبيع حاجه حلوة للأطفال من صينية وراءها حجرة ضيقة هى كل شقة الحلوانى وزوجته .. هدأ وأكل ونام بينما الأم تبكى الواد راح ويتجمع الجيران.. ولا حل إلا المنادى يطوف الشوارع: وعيل تايه يا اولاد الحلال!
كان النداء على الأطفال التائهين بالصوت الحيانى مع دق الطبلة أحيانًا مهنة فى ذلك الوقت
بقيت طول عمرى اسأل نفسى: ماذا لو كنت طلعت حلوانى؟!
عدت للعب فى الحارة: كورة للاولاد وأولى للبنات وأحياناً للصبيان ولكننى لم اجازف بالجرى والشعبطة وراء عربات الرش مع أنها كانت متعة فى ايام الصيف

قال لى بعد سنوات طويلة الدكتور «عبد العظيم أنيس» الأستاذ بكلية الهندسة والمناضل الثورى الذى دفع الثمن أن متعة طفولته كانت الشعبطة على عربيات الرش فى الحارة القريبة من بيتنا..
كنت صديقا أكثر لشقيقه الدكتور «محمد أنيس» أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة
أما الأخ الأكبر الدكتور «ابراهيم انيس» الأستاذ بكلية دار العلوم فأذكره عندما تأثر بسيرة أى ليلة «مقندلة» وهو يقول أن كل ليالينا مقندلة فالأفراح -أيضا- تقام على ضى القناديل!
من شباب حارتنا أيضا لمع اسم الفنانين: حمدى غيث وشقيقه عبد الله غيث
كانت ليالى الحارة دائما مقندلة !!

● « صلاح منتصر» أيضا تمنى فى شبابه أن يصبح حلوانى!
ترى من تمنى بيع الحلويات - أو غيرها من المهن - فيكسب من المال والشهرة ما لا يحققه من الورق والقلم!
يقول منتصر: «من دمياط التى بدأت فيها تعليمى وأنهيت السنة الثانية فى مدرسة دمياط الثانوية، وكان حلمى العمل فى صناعة الحلوى التى يعمل بها «أفراد أسرة (تعيلب) الكريمة الذين تربيت بينهم»، ولكنه انتقل إلى القاهرة فى مدرسة التوفيقية الثانوية، ليعيش مع والده وأخيه الأكبر يسكنان فى حى شبرا، وقد وجدت البيت الذى أصبحت أعيش فيه مليئاً بالكتب والصحف والمجلات فجذبتنى القراءة والكتابة، وبصورة لم أتوقعها تبخرت أحلام صناعة المشبك والبسبوسة، وجذبتنى أحلام جديدة من نجوم السينما الأجنبية الذين أصبحت أشاهد أفلامهم، وكان أول من جذبنى بوسامته وابتسامته الممثل الأمريكى (جلين فورد)، لكن أهم حلم عشت فيه عشق الكتّاب الذين قرأت لهم وسيطروا على تفكيرى، وكان من حظى أن تعرفت فى مدرسة التوفيقية على أول صديق لى فى القاهرة وهو الراحل العزيز أحمد بهجت، وكان مثلى من عشاق القراءة. هو متيم بروايات يوسف السباعى: أرض النفاق وإنى راحلة واثنتا عشرة امرأة، وأنا معجب بقصص إبراهيم الوردانى. وقد تزاملت مع أحمد بهجت، بعد ذلك فى كلية الحقوق، ثم فى العمل الصحفى، وإن كان قد بدأ فى دار روزا اليوسف، بينما بدأت أنا فى دار أخبار اليوم، ثم بعد ذلك معا فى الأهرام.. شفا الله صلاح منتصر

● ● ●

وإذا كان رمضان صيام وذكريات فهو أيضا مسلسلات قد لا يجوز الحكم عليها من أول ليلة فإن المسلسل يعرف من بداياته ومن إعلاناته ورقصاته حتى فى الإعلانات الجادة
فلنقرأ شهادة جريدة «القدس العربى» التى تصدر من لندن عما ينتظرنا من مسلسلات التليفزيون المصرى: «دنيا تانية» و«المداح: أسطورة الوادي» و«ملف سري» و«راجعين يا هوا» و«جزيرة غمام».. يلخص العنوان ما سوف يجرى فى المسلسلات المصرية فى رمضان: زنا محارم وقتل وحرق ومحاولة اغتيال!»

● ● ●

ولكن يبقى دائماً طوال العام وخصوصاً شهر رمضان الاستماع والاستمتاع بقراءة القرآن الكريم
أصدر الكاتب الصحفى «ايمن الحكيم كتابه «مزامير القرآن» - العظماء السبعة لدولة التلاوة عن : محمد رفعت ومصطفى اسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود خليل الحصرى ومحمد صديق المنشاوى ومحمود على البنا ومحمد محمود الطبلاوى : وهم اقطاب المدرسة المصرية منذ لفتت الانظار فى بديات القرن العشرين على يد الرواد مثل الشيخ «احمد ندا» - جد الفنانة «شريفة فاضل» وقد ارتفع اجره من خمسة جنيهات إلى مائة جنيه ويعيش فى قصر فخيم يتحرك فى عربة «حنطور» يجرها ستة خيول مما اغضب الخديوى فاجبره ان يكتفى بحصانين فقط
يتضمن الكتاب أيضاً تحليلاً موسيقياً بكل صوت من خلال موسيقيين متخصصين، اصدرته دار «ابييدى»: وتناوله بحب و اعجاب الصحفى الاديب الناقد «ياسر ثابت» .. كتاب «حلال» قراءته خصوصاً فى شهر رمضان

● كنت أتحاشى شهر رمضان فى الغربة ولكنها حكمت مرة فى «دار السلام» عاصمة تنزانيا. أول يوم رمضان أخذونا إلى غابة قريبة القبيلة التى تعيش فيها من الأقلية المسلمة.. كانت النيران على أشدها تعد طعامنا فى الخلاء تثير اللعاب وكلمات الترحيب بأكثر من لغة بما فيها كلمات من القرآن تخلق جوا مريحا فى الغربة.. فلما أذّن المغرب اخذت بطبقى أختار ما أحب مما يغلى فى الحلة التى تشبه الهرم المقلوب القائم على ما كنا نسميه فى قريتنا «موقدة» - ننطقها بالألف- تشتعل بمواد طبيعية من فروع وأوراق الشجر الجافة.. الشوربة تدخن بحماس يزيده النسيم إغراء.. ممتلئة بما لذ وطاب خصوصا وجهها تكاد تخفيه قطع من اللحم الأبيض جعلتنى أشير إليها وأطلب المزيد وانتحيت جانبا لبدء معركة إفطار أول رمضان فى الغربة..صدمنى اكتشافى من أول لقمة أن ما حسبته لحما شهيا كان قطعا من الموز العملاق يضيفونه لمعظم طعامهم!.. صوم مقبول وإفطار شهى!!
أكثر من يحتفل بالشهر الفضيل هم أهل مصر.. كما أنهم يسمون أبناءهم: رمضان وشعبان ورجب وربيع .. ويعشقون زيارة الحسين والسيدة زينب ويتبركون بالسيدة نفيسة
رمضان كريم. إدّونا العادة . الله يخليكو .

● ● ●

توقف رنين التليفون:
اصابته السكتة الصوتية
بوست عجبنى كتبته من شهور وبالتحديد ٢٣أغسطس٢٠٢١ .. لم يكن أكثر من عنوان أداعب به الأحباب الذين غمرونى بالسؤال وازى الحال وتُأمرنى وأى خدمة تلاقينى عندك فى ثانية.. كنت أحس بالدفء فى زمن الهزيمة
غير أننى مع الوحدة والوقت وانهيار البصر تضخم احساسى بالحاجة للحبايب بينما هم شغَلتهم الأيام فكتبت - بوست بحُب - أثار ردود فعل على الفيسبوك وبس !!

● «مش عايز ازعج حضرتك - حسك بالدنيا - رنين العزبى لا يتوقف؛ رنين المحبة لك ابقى - لو مفيش إزعاج نرن على طول البعد عن التليفون غنيمة - قد تصيبه السكتة الصوتية ولكنه لايزال ينبض بحبكم يا مولانا - دى طبيعة البشر فى بلادنا - لو توقف جرس التليفون فالحرارة موصولة من القلوب - ربنا يغنيك عن كل أصحاب التليفونات - رنين دقات قلوب محبينك - ولكن هاتفى ينتظر صوتك على أحر من الجمر - أحيانا صمت التليفون مريحا - واحشنى - أشْتَرى وردة لنفسى وأكتب رسالة وأبعت فى البريد على عنوانى !!»
هناك من يتساءل ببراءة ودهشة وحسن نية وتلقائية : هوه لسه عايش؟!

● هذا وما زال التليفون على حاله وأكثر.. أخيرا ضرب فأحسست بالطرب ولكن النمرة غلط.. ضحكت إذ تذكرت فؤاد المهندس : عبد الموجود موجود؟!»..أيوه ياسيدى موجود بس مش هيرد على التليفون.. خليه يرن!

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة