صورة تعبيرية
الأوروبـيات فـى «سـوق الرقـيق»
الأحد، 17 أبريل 2022 - 12:38 م
دينا توفيق
نظن أنها قوية، حرة؛ لا يتحكم فيها أحد.. صلبة لا يمكن إخضاعها وإذلالها.. قادرة على نيل حقوقها دون معاناة، متمتعة بحياة دون أن تنتهك كرامتها.. لا تعانى من التمييز ولا تواجه العنف.. لا تستغل وليست ضحية.. نرسم لها عالما تعيش به وكأنه قطعة من الجنة.. ولكن نستيقظ على حقيقة أنها لا تزال فى المرتبة الثانية بعد الرجل.. المساواة شعار وحريتها مكبلة، وهى منهكة ومنتهكة جسديًا، يروج لها كسلعة؛ أنها المرأة الغربية المضطهدة رغم نجاحها، غارقة فى قسوة الحياة يتحكمون فيها ويتاجرون بها لكونها أنثى..
لا تزال المرأة فى أوروبا تعانى من الإهانة والإذلال، لا تزال تتعرض للاضطهاد وينظر لها وكأنها سلعة يمكن أن تباع وتشترى.. يواجهن التمييز، وعرضة للفقر والعنف مع وقوع بعضهن ضحايا للاعتداءات الجنسية، فالمرأة الغربية تجتهد مثلها مثل الرجل بل وأكثر فى تحمل أعباء الحياة، فلا تزال تكافح من أجل المساواة فى العمل والتعليم وفرص تقلد المناصب، فالملايين منهن يتناولن المهدئات والأقراص المنومة ومضادات الاكتئاب لمواجهة الضغوط اليومية الملقاة على عاتقهن.
يواجه مئات الآلاف من الأوروبيات خطراً كبيراً بالتعرض للعنف الجنسى والتحرش فى أماكن العمل، لأن السلطات وأصحاب العمل يفشلون فى توفير الحماية المناسبة لهن. فى كل عام وفقًا لهيئة الإذاعة البريطانية BBC يتم تهريب آلاف النساء إلى المدن الأوروبية بهدف الاتجار بهن. وفيما كشفت وكالة االجريمة الوطنية البريطانية NCA أن الاتجار بالبشر تطور فى أوروبا وعادت تجارة الرقيق الأبيض، وأصبح سماسرة الجنس يرسمون وشمًا على أجساد النساء كختم الماشية لتأكيد ملكيتهم لها قبل بيعها بآلاف الدولارات. وأشار تقرير سابق نشرته صحيفة االإندبندنتب البريطانية، إلى أن هذا الرمز المعروف ببار كود، يستخدم للاتجار بالنساء الفتيات، اللاتى يتم استقدامهن من الخارج، خاصة من أوروبا الشرقية. وتشكل النساء والفتيات المستغلات جنسياً غالبية ضحايا الاتجار بالبشر فى الاتحاد الأوروبي، فيما تعمل بروكسل الآن على تعزيز جهودها للتصدى لشبكات التهريب.
مؤخـــراً نشـــرت المفوضـــية الأوروبيـــــة استراتيجيتها لمكافحة الاتجار بالبشر، ووضعت خطتها للتصدى لهذه التجارة على مدى السنوات الخمس 2021-2025، بعد 10 سنوات من اعتماد التوجيه 2011/36 EU/، الأداة الأساسية للاتحاد الأوروبى لمعالجة هذه الظاهرة وحماية ضحاياها. يرغب الاتحاد الأوروبى فى تعزيز استجابته لهذا النشاط الإجرامي، الذى يحقق مليارات اليورو كل عام من خلال استغلال عشرات الآلاف من الضحايا، بحسب بيان صادر عن المفوضية. وقالت مفوضة الشئون الداخلية اإيلفا جوهانسونب إن الاتجار بالبشر جريمة يجب ألا يكون لها مكان فى المجتمع الأوروبي. ومع ذلك، يواصل المجرمون الاتجار بالضحايا، وخاصة النساء والأطفال، وفى الغالب للاستغلال الجنسي.
ووفقًا لبيان المفوضية الأوروبية فإن الاتجار بالبشر ليس فقط جريمة خطيرة لا حدود لها، ولكنه أيضًا عمل مربح، مدفوع بالطلب على الخدمات الجنسية وغيرها؛ حيث يستغل المجرمون الأشخاص الضعفاء مثل النساء والأطفال، ويحققون أرباحًا عالية ويتحملون مخاطر منخفضة نسبيًا. تمثل النساء والفتيات عددًا كبيرًا من الضحايا، على مستوى العالم وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، لا سيما فيما يتعلق بالاستغلال الجنسي. لا يزال هذا الشكل من الاستغلال سائدًا فى أوروبا، على الرغم من تزايد أشكال أخرى، مثل الاستغلال فى العمل الجبرى والأنشطة الإجرامية.
ويمثل الاتجار بالنساء مصدر قلق عالميا خطيرا اليوم يهدد حياة وأمن العديد من النساء وينتهك حقوقهن وكرامتهن. تمثل هذه تجارة إجرامية عبر الحدود، وذلك أساسًا لغرض الاستغلال الجنسى القابل للتسويق. وفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة حول الاتجار بالأشخاص لعام 2020، فى عام 2018، كان الاتجار بأكثر من نصف الضحايا البالغ عددهم (60%) فى الاتحاد الأوروبى بغرض الاستغلال الجنسى (92% منهم نساء وفتيات)، بينما تم الاتجار بـ 15% من الضحايا من أجل الاستغلال فى العملو هناك تباين كبير بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بأشكال الاستغلال المختلفة التى تسجلها السلطات وهيئات التسجيل الأخرى. وعلى الرغم من أن الاتجار من أجل الاستغلال الجنسى يهيمن على 15 دولة من دول الاتحاد الأوروبي، فقد تم الإبلاغ عن زيادة فى الاتجار من أجل الاستغلال فى العمل فى العديد من البلدان الأوروبية. وتشهد الإحصائيات التى جمعها المجلس الأوروبى على الزيادة الإجمالية من هذا الشكل من أشكال الاتجار بالبشر، والذى ظهر باعتباره الشكل السائد للاستغلال فى أوروبا.
وتم الاعتراف بالاتجار بغرض الاستغلال الجنسى على المستوى العالمى وعلى مستوى الاتحاد الأوروبى باعتباره شكلاً حادًا من أشكال العنف ضد المرأة، وهو متجذر بعمق فى عدم المساواة بين الجنسين. وفقًا لورقة سابقة لخدمة الأبحاث البرلمانية الأوروبية اEPRSب، فإن معظم النساء والفتيات اللاتى تم الاتجار بهن من أجل الاستغلال الجنسى أبلغن أيضًا عن تعرضهن للعنف قبل تجربة الاتجار بهن. وأثناء استغلالهن، يعانون من التهديدات والسيطرة النفسية والعنف الجنسى والجسدى والحرمان من الحرية، ما يؤثر بشكل كبير على صحتهن الجسدية والعقلية. أولئك الذين ينجحون فى الهروب من الاستغلال معرضون لخطر السقوط والعمل فى التجارة نفسها؛ فى حين أن معظم المتاجرين بالبشر هم من الرجال، فإن حوالى 25% من الجناة فى الاتحاد الأوروبى هم من النساء؛ حيث إن عدد المتاجرات بالبشر أعلى فى بعض المناطق، مثل أوروبا الشرقية، حيث ترى النساء المتجر بهن فرصة للهروب من الاستغلال الجنسى بأن يصبحن هن الجناة.
تميل بيانات كل من مكتب الأمم المتحدة المعنى بالمخدرات والجريمة والمفوضية الأوروبية إلى إثبات أن الاتجار بالبشر له بُعد يتعلق بالنوع الاجتماعى واضح. لا يتم الاتجار بالنساء والرجال بالطريقة نفسها أو للغرض نفسه، ويمكن أن تكون تجربتهم فى الاتجار مختلفة للغاية؛ من الأسباب الجذرية إلى نهج السياسات والتدابير التى تهدف إلى مكافحة الاتجار بالبشر. وفى الواقع، الخدمات الجنسية التجارية فى أوروبا يستهلكها الرجال بشكل شبه حصرى وتقدمها النساء بشكل أساسي.
ويشير التقرير إلى أن الاتجار بالنساء والفتيات جنسيًا لا يزال يمثل أكثر أشكال الاتجار بالبشر شيوعًا فى أيرلندا. وأوضح التقرير، الذى تم إجراؤه فى إطار مشروع الاتحاد الأوروبى لمكافحة الاتجار بالبشر، أن وضع ضحايا الاتجار من الإناث فى أماكن مختلطة الجنس يعرضهن إلى اممارسات تمييزية، وخطر العوز، وخطر إعادة الاتجار.ب وفى عام 2020، حددت السلطات 38 ضحية للاتجار بالبشر، من بينهم 26 تم استغلالهن فى التجارة الجنسية. وخلال ديسمبر الماضي، أعلنت الشرطة الإيرلندية إنها تحقق فى اأكثر من 100ب مشتبه بهم وجرائم مرتبطة بالاتجار بالبشر؛ ومن بين هؤلاء 13 عضوًا فى عصابة أيرلندية يشتبه فى قيامهم بالاتجار بالنساء داخل البلاد.
ومن ناحية أخرى، تحتاج النساء فى أوروبا إلى استقلال اقتصادى أكبر لتجنب الفقر والعوز، وفقًا لتصريحات المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بالفقر وحقوق الإنسان اأوليفييه دى شوترب، فى مؤتمر صحفى فى بروكسل يناير 2021 وهو يختم جولته فى الاتحاد الأوروبي. تواجه النساء فى القارة العجوز التمييز فيما يتعلق بالعمل والأجر، لا يزال هناك تقسيم للأدوار بين النساء والرجال داخل الأسرة مما يجعل من الصعب على النساء البحث عن عمل طويل الأجل بدوام كامل.
وغالبًا ما تنقطع وظائف النساء لرعاية الأطفال، ويعمل عدد أكبر من النساء على أساس الدوام الجزئى، وبالتالى فإن مستوى المعاشات التى يتلقينها أقل بكثير. تبلغ فجوة الأجور بين الجنسين فى الاتحاد الأوروبى 14٫1% ولم تتغير إلا بشكل طفيف خلال العقد الماضى. وبلغت فجوة التوظيف بين الجنسين 11٫7% عام 2019، مع توظيف 67٫3% من النساء فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبى مقارنة بـ 79% من الرجال، فالنساء يعانين من فوارق اقتصادية كبيرة فى الأجور، مقارنة بالرجال.
لم تحل بوضوح هذه القضايا فى التشريعات، الأمر الذى يؤكد أن كثيراً من الدول الأوروبية التى تدعى الديمقراطية وتنادى بالحريات وحقوق المرأة، يتم انتهاك المرأة بها جسدياً وتدميرها نفسياً سواء باستغلال عزمها على العمل مقابل أجر لا يساوى جهدها، أو بالاتجار بها فى الرقيق الأبيض بشكل شبه علنى وإن كانت سلطات هذه البلاد وبعض مؤسساتها تدعى محاربته.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة