عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس


عبد الهادي عباس يكتب: "العالمي" للفتوى الإلكترونية.. من هنا يبدأ التجديد

عبدالهادي عباس

الإثنين، 18 أبريل 2022 - 04:49 م

وجوه باسمة، متوضئة بالتقوى، وعقول متفتحة كأزهار الربيع تستقبل كل جديد لتصوغه في قالب إسلامي.. مجموعة من شباب العلماء يعملون كخلية نحل داخل مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، يذهبون ويجيئون في همة ونشاط، يعتمرون عمامة الأزهر ويلبسون الجبة والقفطان، يطالعون شاشات الكمبيوتر ويُجيبون السائلين عبر سماعات الأذن بكل اللغات.. عندما ترى هذا المشهد ستعرف كيف سيكون الدور التنويري للأزهر الشريف خلال الفترة المقبلة.
امتلك الأزهر الشريف رؤية ثاقبة للمستقبل، حين قرر شيخه الطيب عام 2016م إنشاء مركز عالمي للفتوى الإلكترونية، اتفاقًا مع التطور التكنولوجي الكبير في شتى مناحي الحياة، وتسهيلا على المستفتين للحصول على الجواب الصحيح والسريع لمسائلهم الدينية، ثم عهد بالعمل إلى فتيةٍ آمنوا بربهم وبدور الأزهر الشريف في تثبيت أركان السلام المجتمعي ونشر الأفكار الوسطية التي تتفق مع صحيح الإسلام، ومن ثم مُحاربة أفكار التكفير والتفجير؛ ثم كان قرار الإمام الأكبر أن يرأس هؤلاء الشباب الكريم واحدٌ من أنبه العقول الأزهرية التي تفهم جيدًا دور الأزهر الشريف التجديدي في مرحلته الحالية، وهو الدكتور أسامة هاشم الحديدي، الذي يقود المركز منذ انطلاقه الفعلي عام 2017.
يضم مركز الفتوى الإلكترونية عددًا كبيرًا من الأقسام التي تعمل بها كتائب من شباب الأزهر المثقف الحاصلين على الدراسات العليا ودرجتي الماجستير والدكتوراه، ومنها: فتاوى النساء- الفتاوى الهاتفية- التواصل الإلكتروني- البحوث والمتابعة والنشر- التدريب والتطوير- قسم مواجهة الظواهر الاجتماعية التي تُهدد أمن واستقرار المجتمع؛ كما يضم مجموعة من الوحدات المتخصصة، ومنها: وحدة الذكاء الاصطناعي- وحدة "بيان" لمواجهة الإلحاد- وحدة لمّ الشمل، التي قامت بالتدخل في لمّ شمل ما يقرب من عشرة آلاف أسرة، وتفرع منها برنامج التوعية الأسرية والمجتمعية الذي استهدف بصورة مباشرة مليونا ومئة وأربعين ألف مواطن في لقاءات متنوعة- وحدة التخطيط العلمي وإدارة الأزمات، وتضم هذه الوحدة الفريق الاستشاري العلمي المُشكل من أساتذة علم الفيروسات، والهندسة الوراثية، والطب النفسي وغيرها، وهو ما يؤكد رؤية الأزهر الاستباقية المُلهمة للظروف العالمية، إذ أفاد التشكيل المُسبق لهذه الوحدة في التعامل الفوري مع الأحداث المُتلاحقة لفيروس "كورونا" وأسهمت في إخراج كتاب مهم: (الدليل الشرعي للتعامل مع فيروس كورونا المستجد).
تشابك المركز في بواكير الجائحة مع باقي مؤسسات الدولة، حيث شارك مديره د. أسامة هاشم الحديدي في الاجتماعات الخاصة بمواجهة الفيروس؛ وشمَّر عن ساعد الجِدِّ للتصدي لفيروس "كورونا" بالطرق العلمية القائمة على تبيان موقف الإسلام من القضايا الجديدة على الناس، وعن طريق (خطة مركز الأزهر العالمي للفتوى) لمواجهة الأمراض المُعدية والأوبئة، والتي ارتكزت على ركيزتين: الأولى: علمية أكاديمية، واحتوت على فلسفة الإسلام في مواجهة الأمراض المعدية والأوبئة، والأصل الشرعي للحجر الصحي وحُكم تقييد ولي الأمر لبعض الشعائر الإسلامية؛ والثانية: توعوية وإفتائية، وتشمل خطة الانطلاق، حيث أطلق المركز العديد من الفعاليات من خلال بوابته الإلكترونية، وبوابة الأزهر، ووسائل التواصل، والقنوات والصحف؛ ثم قام الإمام الأكبر د. أحمد الطيب بالتوجيه بتعميمها على جميع قطاعات الأزهر في الجامعات والمعاهد الأزهرية ومدينة البعوث للطلاب الوافدين، حيث استهدفت في أسبوعها الأول 3 ملايين فرد، نشرًا للوعي وبيانا للأحكام المتعلقة بالفيروس.
لم يكتف المركز بهذا الجهد الضخم، بل عمل على إصدار كتاب تم الفصل فيه في عدد من القضايا المهمة ليُحقق المركز من خلاله دوره في مواجهة فوضى الفتاوى والعمل الدائم على المحافظة على استقرار المجتمع وتحقيق الأمن والسلم المجتمعي؛ وكان من بينها: عدم الاستهزاء بالأمراض والأوبئة أو الاستخفاف بإجراءات الوقاية منه، وكذلك حُكم امتناع المريض بالمرض المُعدي عن البقاء في الحجر الصحي حتى تمام شفائه، وحُكم تعقيم الأماكن العامة والمساجد بالكحول، وحُكم تعمد المُصاب بالفيروس نقل العدوى إلى غيره، وحُكم إقامة مقابر جماعية، وحُكم تغسيل وتكفين المتوفى بالفيروس، وموقف الإسلام من التنمر على المُصابين بالفيروس، وغيرها من الأحكام المستجدة التي تتفق مع الأوضاع التي فرضها هذا الوباء على الناس.
 ولا يزال الأزهر الشريف يفرد جناحيْه على الأمة الإسلامية ليقيها عاديات الإجرام الشارد عن المنهج الوسطي، ولا يزال يُنافح الواغش بعقول أبنائه المُخلصين الذين يُدركون ضروريات مواكبة الحياة المُعاصرة دون التخلي عن أصالتنا التليدة وتاريخنا المجيد، والذين يُطوِّعون أحدث الأدوات التكنولوجية في خدمة القضايا الفكرية الإسلامية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة