صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


مؤرخون يرصدون جرائم العثمانيين بمصر.. قتلوا 10 آلاف شخص في 4 أيام

أخبار الحوادث

الأربعاء، 20 أبريل 2022 - 04:52 م

كتب: أحمد الإمام

لم يكن العثمانيون مجرد غزاة يطمعون في الأرض وثروات مصر لتوسيع رقعة دولتهم الوليدة ولكنهم كانوا لصوص حضارات عملوا على خطف أمهر الحرفيين والصناع لبناء افخم القصور في عاصمتهم اسطنبول لتضاف إلى جرائم القتل والسلب والنهب التي ارتكبوها جريمة أخرى أوردها المؤرخون في كتاباتهم التي وثقت جرائم العثمانيين وسلطانهم الدموي سليم شاه.

 

جرائم ممتدة على مدى التاريخ ارتكبها العثمانيون، فما بين غزو باسم الدين، وتوسع استعمارى تحت ستار الخلافة، تعددت الانتهاكات على امتداد الخرائط والقارات، وكان للمحروسة، قاهرة المعز.. تلك المنارة التى كانت مقبرة للغزاة موعدًا مع تلك الجرائم، قبل أن تنال مصر استقلالا وراء استقلال، وتنفض عنها غبار السنين ودنس المحتلين.

وفى مصر، كان للعثمانيين مآرب عدة.. فما بين موقع استراتيجى وموارد تعادل بطبيعة الحال جباية المزيد من الضرائب، كان بديهيًا أن يضع الغزاة الأتراك مصر فى مرمى أهدافهم التوسعية، ومؤامراتهم الممتدة.

 

إقرأ أيضاً |  الوزير «المدخن».. أفطر في نهار رمضان فأقاله الملك فؤاد الأول

 

ومنذ اللحظة الأولى لتواجد الأتراك على أرض مصر، بدأوا فى سفك الدماء، ونصب الشباك، والغدر، والسرقة، وأقاموا المذابح التى لم يغفرها لهم المصريون، فقد كانت القاهرة قبل عام 923 هجرية، عاصمة الخلافة الإسلامية، وكان حكامها من المماليك خير مدافع عن الأمجاد الإسلامية والعربية، وامتدت دولتهم إلى حدود آسيا الصغرى، مسيطرة على الشام، وكانت تدين لها بلاد الحجاز بالولاء، وكانوا القائمين على شؤون الحرمين الشريفين.


غزا العثمانيون مصر، بقيادة سليم شاه الذى وصل إلى عرش السلطنة بعد انقلاب قام به على والده، وقتل كل إخوته، بدافع الحفاظ على الدين وحماية الشريعة، ورغبته فى تأمين ظهر الدولة العثمانية، وكان اليوم الأسود على مصر، بعد معركة مرج دابق فى سوريا، بين العثمانيين والمماليك والتى انهزم فيها المماليك وقتل فيها قنصوة الغورى، بسبب المدافع العثمانية، والفارق العددى البشرى بين الجيشين، بالإضافة إلى الخيانة التى بث العثمانيون سمومها بين المماليك.


وتقدمت جيوش الغزاة العثمانية بعد ذلك، واقتحمت حدود مصر وحاول السلطان الأشرف طومان باى الذى خلف الغورى التصدى لهم لكن الجيش الذى تبقى من معركة مرج دابق كان قد تشتت فى الشام، فانهزم فى معركة الريدانية، ودخل العثمانيون مصر واحتلوا القاهرة فى 26 يناير 1517 ونهبوها وخربوها وتحولت مصر من دولة مستقلة لولاية عثمانية يحكمها السلطان العثمانى من إسطنبول عن طريق نائب له.

 

ودخلت مصر فى عهد الأتراك، عصرًا مظلمًا، حيث اختفى منها العلم والعلماء بعدما عزلها العثمانيون عن العالم والتطورات النهضوية التى كانت تحدث فيه، واقتصر هم العثمانيين على جباية أموال وخيرات الأمة المصرية وبدأ المؤرخ ابن إياس الذى توفى عام 1523، يدون الأحداث والمصائب والمذابح التى قام بها العثمانيون، التى فاقت الخيال، حتى وصلت لاقتحام الأزهر الشريف ومسجد ابن طولون وجامع الحاكم، وإحراق جامع شيخو الذى كان يعقد فيه اجتماعات المماليك، وتخريبهم ضريح السيدة نفسية وداسوا على قبرها.

 

ويصف المؤرخ المصرى إبن إياس فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» ما وقع للمحروسة بعد سقوط القاهرة قائلا: إن بن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالهم وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها.

 

وقام العثمانيون بأعمال نهب وسلب وتخريب، كما يورد ابن إياس فإنه «شحت الغلال من القاهرة، وسبب هذا أن العثمانية لما دخلوا القاهرة نهبوا الغلال التى كانت فى الشون وأطعموها لخيولهم»، وفى موضع آخر «أنهم سرقوا دجاج الفلاحين وأغنامهم وأوزهم، ثم دخلوا إلى الطواحين وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش وأخذوا عدة جمال من جمال السقايين، وصارت العثمانية تنهب ما يلوح لهم من القماش وغير ذلك، واستمر النهب عمالا فى ذلك اليوم إلى بعد المغرب، وتوجهوا إلى شون القمح التى فى مصر وبولاق ونهبوها».

 

وكانت القاهرة عامرة بأبنيتها الفخمة وتراثها المعمارى الذى حرص حكامها السابقون من الفاطميين والمماليك على المباهاة بها، وظل منها ما ظل ولم تطله يد الحرق أو النهب والهدم على يد الأتراك الذين هدموا المساجد ذات الطرازات المميزة، مثل جامع شيخو، ونقل سليم الأول، أمهر العمال وأرباب الحرف فى مصر إلى اسطنبول ما سبب الخراب وتوقف الصناعات التى اشتهرت بها مصر، حتى انقرضت 50 حرفة.

 

أما المؤرخ المصرى عبدالرحمن الجبرتى ففى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، رصد فضائح وجرائم العثمانيين، منها خطفهم النساء والغلمان، فيذكر أن «أربعة من الجند اغتصبوا غلاما، وذهبوا به إلى بيت لهم، وتكاثر عليهم الناس يريدون إخراج الغلام، فأطلق الجند الرصاص على الناس فمات منهم 15 رجلا».

 

سارق الحضارات

كان يمكن أن يكتفي السلطان العثماني سليم الأول بوضع نفسه في خانة الغزاة القتلة لو كانت جريمته في مصر قد اقتصرت على قتل الآلاف من أهلها خلال بضعة أيام قليلة من العام 1517، ولكن سليم أبى إلا أن يضيف إلى أفعاله جرائم حضارية أخرى بنهبه المحروسة وتفريغها من ثورتها البشرية الممتازة.


كانت فاتحة تلك الجرائم عقب هزيمة المماليك بقيادة السلطان طومان باي في موقعة الريدانية شمال القاهرة يوم 29 ذي الحجة 922هـ/ 22 يناير 1517، فقد نقل طومان باي مقاومته للغزو العثماني بعد الهزيمة إلى داخل أسوار القاهرة، متخذًا من جامع شيخو مقرًا لعملياته العسكرية، ما سمح للعثمانيين بالعبث في مباني القاهرة الشامخة من جوامع وزوايا أضرحة وأوقاف، بل وحتى قلعة الجبل نفسها.

 

بدأ العثمانيون من منطقة الناصرية التي كانت من بؤر المقاومة المملوكية، إذ هجموا فيها وفقًا للمؤرخ المصري ابن إياس على «زاوية الشيخ عماد الدين.. وقبضوا منها على مماليك شراكسة، فأحرقوا البيوت التي حول الزاوية، وقتلوا جماعة كثيرة من العوام وفيهم صغار وشيوخ».

 

اشتعلت الحرب بعد ذلك بين العثمانيين والمماليك حول جامع شيخو. يقول ابن إياس: «ثم إن السلطان طومان باي نزل في جامع شيخو الذي بالصليبة، وسار يركب بنفسه ويكر من الصليبة إلى قناطر السباع في نفر قليل من العساكر. ثم رسم بحفر خندق في رأس الصليبة، وآخر عند قناطر السباع، وآخر عند رأس الرملة، وآخر عند جامع ابن طولون، وآخر عند حدرة البقر.. ولكن لم يقاتل من الأمراء المماليك إلا القليل».

 

أحدثت حرب طومان باي خسائر كبيرة في صفوف سليم الأول. حتى «صار القتلى من المماليك والعثمانلية أجسادهم مرمية من بولاق إلى قناطر السباع وإلى الرملة وإلى تحت القلعة، وفي الحارات والأزقة من الأتراك والعثمانية، وهم أبدان بلا رؤوس. ولكن طومان باي أجبر مع حلول يوم السبت الثامن من المحرم 923هـ على الانسحاب من جديد بعد أن تبين عدم قدرته على مواجهة العثمانيين في معركة مفتوحة بسبب قلة الإمكانات. وقد نتج عن ذلك الانسحاب، اقتحام سليم الأول للقاهرة وتنفيذ مذبحة مروعة راح ضحيتها نحو 10 آلاف شخص من أهل مصر».

 

يقول ابن إياس «راح الصالح بالطالح. وصارت جثثهم (أي أهل مصر) مرمية على الطرقات من باب زويلة إلى الرملة إلى الصليبة إلى قناطر السباع إلى الناصرية إلى مصر العتيقة. فكان مقدار في هذه الواقعة من بولاق إلى الجزيرة الوسطى إلى الناصرية إلى الصليبة فوق العشرة آلاف إنسان في مدة هذه الأربعة أيام. ولولا لطف الله لكان لعب السيف في أهل مصر قاطبة، وظلت الجثث مرمية وقد تناهشتها الكلاب كما صارت الخيول مرمية في الرملة وفي الأسواق والأزقة وقد قتلوا بالبنادق والرصاص في الواقعة».

 

شرع العثمانيون بعد تلك المذبحة في الهجوم على جوامع القاهرة. يقول ابن إياس: «صارت العساكر العثمانية تكبس على المماليك الشراكسة في البيوت والحارات، فمن وجدوه منهم ضربوا عنقه. ثم صاروا العثمانية تهجم الجوامع وتأخذ منها المماليك الشراكسة، فهجموا على جامع الأزهر وجامع الحاكم وجامع ابن طولون وغير ذلك من الجوامع والمدارس والمزارات، ويقتلون من فيها من المماليك الشراكسة، فقيل قبضوا على نحو 800 مملوك ما بين أمراء عشرات وخاصكية ومماليك سلطانية، فضربوا رقابهم أجمعين بين يدي ابن عثمان»، وفي محرم 923/ فبراير 1517: «أشيع أن العثمانية هجموا على مقام الإمام الشافعي رضي الله عنه ونهبوا ما فيه من البسط ومن القناديل في حجة المماليك الشراكسة، وكذلك مقام الإمام الليث بن سعد أيضا نهبوا ما فيه».

 

استدار سليم الأول في أثناء ذلك إلى قلعة الجبل. فوفقًا لابن إياس، طلع السلطان العثماني «إلى القلعة واحتجب عن الناس ولم يظهر لأحد، ولا جلس على التكة بالحوش السلطاني جلوسًا عامًا وحكم بين الناس وينصف الظالم من المظلوم، بل كان يحدث منه ومن وزرائه كل يوم مظلمة جديدة، من قتل وأخذ أموال الناس بغير حق. وكان هذا على غير القياس، فإنه كان يشاع العدل الزائد عن أولاد ابن عثمان وهم في بلادهم قبل أن يدخل سليم شاه إلى مصر، فلم يظهر لهذا الكلام نتيجة ولا مشى سليم شاه في مصر على قواعد السلاطين السالفة، ولم يكن له نظام يعرف لا هو ولا وزراؤه ولا أمراؤه ولا عسكره، بل كانوا همجا لا يعرف الغلام من الأستاذ.

أكد ابن إياس أن القلعة التاريخية التي أنشئت في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي قد تحولت إلى مربط لخيول العثمانيين يلوثونها بفضلاتهم.
يقول ابن إياس: «لما أقام ابن عثمان بالقلعة ربط الخيول من الحوش إلى باب القلة إلى عند الإيوان الكبير وباب الجامع الذي بالقلعة، وثار زبل الخيل هناك بالكيمان على الأرض، وأخرب غالب الأماكن التي بالقلعة».

 

لم يكتف السلطان العثماني بذلك بل عمد إلى فك الرخام من قاعات قلعة الجبل لنقله معه إلى العاصمة العثمانية إسطنبول. يقول ابن إياس في أحداث شهر ربيع الأول سنة 923 هـ: «وفي هذا الشهر وقع أن ابن عثمان شره في فك الرخام الذي بالقلعة، في قاعة البيسرية والدهيشة وقاعة البحرة والقصر الكبير وغير ذلك من أماكن بالقلعة، وفك العواميد السماقي التي كانت في الإيوان الكبير، وقيل إنه كان يقصد أن ينشئ له مدرسة في إسطنبول مثل مدرسة السلطان الغوري، فلا تقبل الله منه ذلك».

وانتقلت حمى سرقة الرخام من القلعة إلى بيوت المماليك المزينة بالرخام البديع. يقول ابن إياس: «ثم صار يحيى بن نكار يركب ويأخذ معه جماعة من المرخمين يهجمون قاعات الناس ويأخذون ما فيها من الرخام السماقي و الزرزوري والملون، فأخربوا عدة قاعات، من أوقاف المسلمين وبيوت الأمراء قاطبة، حتى القاعات التي في بولاق، وقاعة الشهابي أحمد ناظر الجيش ابن ناظر الخاص التي على بركة الرطلي، وغير ذلك من قاعات المباشرين والتجار وأبناء الناس وغير ذلك».

 

وبينما كان سليم عارفا بقيمة الرخام بالقلعة، فإنه كان جاهلا ببعض التحف التي حوتها تلك الأخيرة، الأمر الذي دفعه إلى التفريط فيها بسهولة، وكانت خيمة المولد النبوي الشريف من تلك التحف المجهولة بالنسبة للسلطان العثماني. يقول ابن إياس: «وفي يوم الجمعة 11 ربيع الأول كانت ليلة المولد النبوي، فلم يشعر به أحد من الناس، وبطل ما كان يعمل في ليلة المولد من اجتماع القضاء الأربعة والأمراء بالحوش السلطاني.. وأشيع أن ابن عثمان لما طلع إلى القلعة وعرض الواصل التي بها فرأى خيمة المولد فأباعها للمغاربة بـ 400 دينار، فقطعوها قطعا وباعوها للناس ستائر وسفر».

 

يصف المؤرخ المصري تلك الخيمة بقوله: «وكانت هذه الخيمة من جملة عجائب الدنيا، لم تر مثلها في الدنيا قط، قيل أن مصروفها على الأشرف قايتباي 30 ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك، وكان بها تجمل لما تنصب يوم المولد الشريف، وكانت كهيئة القاعة لها قبة بقمريات والكل من قماش، وكان فيها تقاصيص غريبة، وصنايع عجيبة، لم يعمل الآن مثلها أبدا، فكانت إذا نصبت أيام المولد يحضرون بجماعة من النواتية نحو من 500 إنسان حتى ينصبونها في الحوش السلطاني. وكانت من جملة شعائر المملكة فبيعت بأبخس الأثمان، ولم يعرف ابن عثمان قيمتها، وفقدتها الملوك من بعده ، فحصل منه الضرر الشامل، وهذا من جملة مساوئه التي فعلها بمصر».

نهب نفائس الكتب

الكتب النفيسة التي حوتها خزانات المدارس في مصر لم تسلم هي الأخرى من النهب العثماني، يقول ابن إياس: «ثم إن الوزراء استدرجوا لأخذ الكتب النفيسة التي في المدرسة المحمودية و المؤيدية و الصرغتمشية، وغير ذلك من المدارس التي فيها الكتب النفيسة، فنقلوها عندهم ووضعوا أيديهم عليها، ولم يعرفوا الحرام من الحلال في ذلك».

 

كانت الثروة البشرية لمصر هي المستهدف الأخير لسليم الأول بعد إتمام غزوه مصر وسيطرته على القاهرة، إذ لا تزال ماثلة في الأذهان قراراته بشحن نحو 2000 من قضاة مصر وصناعها وحرفييها إلى إسطنبول، وهي الخطوة التي أثرت كثيرا على مستقبل الصناعات اليدوية في المحروسة لسنوات عدة تالية، وأمام كل تلك السرقات وعمليات النهب، أصدر ابن إياس حكمه على سليم الأول رفاقه من العثمانيين. فقال إن السلطان العثماني «انتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها، وأسر رجالها وبدد أحوالها، وأظهر أهوالها».

 

ثم راح يعدد ما نهبه من البلاد: «وأشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وصحبته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارجا عن ما غنمه من التحف والسلاح والصيني والنحاس المكفت الخيول والبغال والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شئ أحسنه، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبله أبدا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة