الإمام الشعراوى
الإمام الشعراوى


خواطر الإمام الشعراوي.. الباطل لا يستمر

ضياء أبوالصفا

الخميس، 21 أبريل 2022 - 08:24 م

يواصل الإمام الشعراوى تفسيره للآية 188 من سورة البقرة حيث يقول الحق سبحانه: «وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل»، قد يقول: أنا أخذت مثلما يأخذون، نقول له: لا؛ لقد أخذت زمن غيرك ولا يصح أن تأتى آخر الناس وتأخذ حق الشخص الذى وقف فى (الطابور) من السابعة صباحا.

إن حقك مرتبط بزمنك، فلا تعتد على وقت الآخرين الذين هم أضعف منك قدرة أو مالاً. إن الحق يقول: « وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ الناس بالإثم وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ». والفريق هو الجماعة المعزولة من جماعة أكثر عددا، فإذا ما انفصلت جماعة صغيرة عن أناس بهذه الجماعة تُسمى فريقاً.


 والإثم الأصيل فيه ولو لم يكن هناك دين أن تفعل ما تُعاب عليه وتُذم، وكذلك تُعاب عليه وتُذم من ناحية الدين، وفوق ذلك تعاقب فى الآخرة. وما هو مقياس الحق والباطل؟ إن المقياس الذى ينجيك من الباطل هو أن تقبل لنفسك ما تقبله للطرف الآخر فى أية صفقة أو معاملة؛ لأنك لا ترضى لنفسك إلا ما تعلم أن فيه نفعاً لك.


ثم ينتقل الحق سبحانه وتعالى إلى قضية يعالج فيها أمراً واجه الدعوة الإسلامية، والدعوة الإسلامية إنما جاءت لتخلع المؤمنين بالله من واقع فى الحياة كان كله أو أغلبه باطلاً، ولكنهم اعتادوه وألفوه أو استفاد أناس من ذلك الباطل، ذلك أن الباطل لا يستمر إلا إذا كان هناك مَنْ يستفيدون منه. وجاء الإسلام ليخلص الناس من هذه الأشياء الباطلة. فالحق لم يشأ أن يعلمنا أن كل أحوال الناس غارقة فى الشرور، بل كانت هناك أمور أقرها الإسلام كما هى، فالإسلام لم يغير لمجرد التغيير، ولكنه واجه الأمور الضارة بالحياة التى لا يستفيد منها إلا أهل الباطل.


 مثال ذلك كان العرف السائد فى الدية أنها مائة من الإبل يدفعها أهل القاتل، وقد أبقاها الإسلام كما هى. وحينما استقبل المسلمون الإيمان بالله، فهم قد استقبلوا أحكامه وأرادوا أن يبنوا حياتهم على نظام إسلامى جديد طاهر، حتى الشيء الذى كانوا يعملونه فى الجاهلية كانوا يسألون عن حكمه؛ لأنهم لا يريدون أن يصنعوه على عادة ما كان يصنع، بل على نية القربى إلى الله بالامتثال، إذن فهم عشقوا التكليف، وعلموا أن الله لم يكلفهم إلا بالنافع، وعندما نقرأ « يَسْأَلُونَكَ» فى القرآن فاعلم أنها من هذا النوع، مثل ذلك قوله تعالى: « وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو» «البقرة: 219».


وقوله تعالى: « وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض قُلْ هُوَ أَذًى» «البقرة: 222».


وقوله تعالى: « وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى» «البقرة: 220».


وقوله تعالى: « يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ والأقربين» «البقرة: 215».


وقوله تعالى: «وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى القرنين..» «الكهف: 83».


وقوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول» «الأنفال: 1».


إذن فكل سؤال معناه أنهم أرادوا أن يبنوا حياتهم على نظام إسلامى، حتى الشيء الذى لم يغيره الإسلام أرادوا أن يعرفوه ويصنعوه على أنه حكم الإسلام لا على حكم العادة.


 والسؤال الذى نحن بصدده يعالج قضية كونية. وعندما يسأل المسلمون عن قضية كونية فذلك دليل على أنهم التفتوا إلى كون الله التفاتاً دينياً آخر، لقد وجدوا الشمس تشرق كل يوم ولا تتغير، أما القمر الذى يطلع فى الليل فهو الذى يتغير، إنه يبدأ فى أول الشهر صغيراً ثم يكبر حتى يصبح بدراً، وبعد ذلك يبدأ فى التناقص حتى يعود إلى ما كان عليه، لقد لفت نظرهم ما يحدث للقمر ولا يحدث من الشمس، فسألوا النبى صلى الله عليه وسلم، أو أن بعضاً من اليهود أرادوا إحراج المسلمين فقالوا لهم: (اسألوا رسولكم عن الهلال كيف يبدأ صغيراً ثم يكبر حتى يصير بدراً ثم يعود لدورته مرة أخرى حتى يغرب ليلتين لا نراه فيهما)، وهذا السؤال سجله القرآن فى قوله تعالى: « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج وَلَيْسَ البر بِأَن تَأْتُواْ البيوت مِن ظُهُورِهَا».

اقرأ أيضاً

من خواطر الشعراوي.. لا تطول معركة بين حق وباطل لأن الباطل دائماً زهوقا

 

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة