عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس


عبد الهادي عباس يكتب: شيخ عموم المقارئ الذي "حنبله" الشيخ "بسّه"!

عبدالهادي عباس

الجمعة، 22 أبريل 2022 - 03:41 م

في شهر القرآن يصبح تذكر سيرة كبار القراء أمرًا واجبًا، ومن يُطالع التسجيلات النادرة لشيخ عموم المقارئ السابق عبد الحكيم عبد اللطيف، رحمه الله، يعرف مدى علاقة هذا الرجل بالقرآن وأهله.

منذ أن صافحت قدماه وجه الطريق وحتى وفاته عن الثمانين عامًا منذ عدة أعوام، لم يعرف سوى خدمة كتاب الله، وسيلة عيش، وهواية، وأسلوب حياة؛ وذلك لأنه تتلمذ على يد أكابر العلماء في عصره، وكذلك تتلمذ عليه معظم القراء الآن، كما قدَّم عدة برامج في علوم القراءات بإذاعة القرآن الكريم وسجّل ختمتين لحفصٍ إحداهما بِقصْر المنفصل، وختمة أخرى لشُعبة، وكان قد أكمل كتاب "الكوكب الدري" للشيخ قمحاوي، وشرح منظومة الكسائي للشيخ الضباع، سمَّاها: حديقة الرأي، ولكن يبدو أن هذا الشرح قد أضاعه أحد تلاميذه.

وفي تصريحات لـ"بوابة أخبار اليوم" يُسهب الشيخ محمد صالح حشاد، شيخ عموم المقارئ المصرية، ونائب نقيب القراء، ونقيب قراء الإسكندرية، في الثناء على شيخه وصديقه الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف، شيخ عموم المقارئ السابق، تواضعًا لأستاذه، لأنه في الحقيقة لا يقل عنه علمًا وخلقًا وتأثيرًا في المسلمين في كل الدول التي قرأ فيها القرآن.



يؤكد الشيخ حشاد أنه يشتاق إلى لقاءاته مع أستاذ القراء الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف الذي كان أحد أهم علماء القرآن الكريم في العالم الإسلامي، وأنه لم يكن صديقه وأستاذه فقط، بل لأن القراء كلهم مدينون بالعلم له، وقد تخرج في مدرسته عدد كبير من القراء الموجودين الآن، كما تعلم منه أيضًا أساتذة القراءات والمفسرون.
 
ويقول الشيخ حشاد، إن المقولة المأثورة تؤكد أن القرآن نزل بمكة وطبع بالشام وقرئ في مصر، لذلك فإن منصب شيخ عموم المقارئ المصرية من المناصب الرفيعة، ولا يُوجد هذا المنصب سوى في مصر، وهو منصب أكاديمي تولاه شيوخ أجلاء حاذقون في علوم القرآن، مثل الشيخ خلف الحسيني والشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ عامر عثمان، وغيرهم من العلماء، وتولى هذا المنصب قبلي فضيلة الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف، وكان هذا الرجل عالمًا متخصصًا في علوم القراءات، يملك ناصية هذا العلم، وقد رافقته في عام 2000 إلى مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية للقراءة بالمركز الإسلامى بمنهاتن، حيث نصلى العشاء بالتبادل، وبعد العودة إلى الاستراحة نتناقش في علوم القرآن والقراءات، وحتى المقامات الموسيقية التي لا تخل بالأداء القرآني، فكنت أجده عالمًا شاملًا، وفوق ذلك صاحب خلق رفيع؛ ومن الطرائف التي أذكرها وقتها أنه قبل عام 2000 مباشرة، انتشرت شائعة تقول إن القيامة ستقوم فى أول يوم من السنة، فكان الشيخ عبد الحكيم يُداعبني ويقول: بعد هذا العمر هنموت في أمريكا يا شيخ حشاد! 

كان مولدالشيخ عبدالحكيم عبداللطيف بمنطقة الدمرداش أمام مسجد المحمدي، في السابع عشر من سبتمبر عام 1936، وهو الشهر نفسه الذي توفي فيه الجمعة العاشر من سبتمبر 2016،حيث نزح والده من الصعيد في سنٍّ باكرةٍ ليعمل عدة أعمال، منها:التجارة في الخشب حيث كان يقاول على العمائر المُراد هدمها، فيهدمها ويأخذ ما فيها من الخشب والحديد والحجارة، ويسلمها أرضًا لصاحبها، ولكن الوالد لم يُرد لابنه أن يسلك تلك الطريق فبعث به وعمره لم يتجاوز السنوات الأربع إلى المكتب المحمدي بمنطقة الدمرداش، فأتم حفظ القرآن الكريم وعمره 13 عامًا فقط، وكان شيخ المكتب الشيخ إمام عبده حلاوة الذي أخذ علوم القراءات عن عدد من القراء المُعتبرين برواية حفص، وكان الشيخ إمام معتنيًا بتلاميذه، يُصحِّح عليهم القرآن الكريم بعد الكتابة في الألواح، وبعد أن أتم الحفظ قرأ الشيخ عبدالحكيم على تلميذ شيخه الشيخ علي مصطفى عرفة عدة ختمات إعادة، وعلى غيره من مشايخ هذا المسجد.. ولكن كل ذلك لم يكن ليُرضي والده الذي تطلع إلى رؤية ولده شيخًا أزهريًّا قرآنيًّا فألحقه بالمعهد الديني الابتدائي، وبعد أن انتظم في الدراسة أصر والده على أن ينتقل إلى معهد القراءات بالأزهر وكان ذلك نحو سنة 1950، ومن ميزات هذا المعهد أنه لم يكن يدرِّس به إلا من قرأ القراءات العشر وناظمة الزهر في العد والعقيلة في الرسم، مع حصوله على العالمية في القراءات .

ولأن العلم لا يأتي من الهواء، بل تلزمه دراسة جادة واجتهاد كبير فإن الشيخ عبدالحكيم قد درس على عدد كبير من المشايخ كانوا أعلامًا مضيئة للأزهر الشريف،من بين هؤلاء المشايخ الذين حضر لهم واستفاد منهم في مرحلة إجازة حفصالشيخ "محمود علي بِسَّة"، أخذ عنه الشيخ عبد الحكيم إجازة التجويد، فقرأ عليه عدة ختمات، وحضر له شرح التحفة والجزرية، وألف كتابًا حافلاً في التجويد سماه: "العميد في علم التجويد"، وكان حنبليًّا، قال الشيخ عبد الحكيم: "وهو الذي حنبلني، وحبَّبني في هذا المذهب، وأرشدني إلى كتب الحنابلة، كالمقنع"، وفي هذه المرحلة عشق القراءات، وأجراها الله في دمه، وهذا سبب تلقيه لها عن مشايخ خارج المعهد، حيث انتقل إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة عالية القراءات، التي تتضمن دراسة الشاطبية والدرة، وغير ذلك من التفسير والرسم والفواصل والنحو والصرف والفقه، حتى انتقل إلى المرحلة الثالثة، وهي مرحلة التخصص، وحضر فيهاعلى الشيخ عامر السيد عثمان، شيخ المقارئ المصرية، والشيخ حسن المري وهو من تلاميذ الشيخ الزياتوالشيخ أحمد عيطة، وكان من المشايخ الأجلاء، والشيخ أحمد عبد العزيز الزيات، قرأ عليه في المعهد، وقرأ عليه في بيته ختمة كاملة من الطيبةوالشيخ خميس نصار، والشيخ عبد المنعم السيد، والشيخ محمود بكر قرأ عليه لحفص مرة أخرى، حتى تم تعيينه مدرس ابتدائي بالأزهر بالإسكندرية وكان هذا أول تعيين لهفبقى فيها سنة واحدة، ثم انتقل إلى التدريس في التعليم الابتدائي بالقاهرة، وعلَّم بالمعهد الإعدادي والثانوي بالفيوم، ثم انتقل إلى التعليم بمعهد القراءات بالقاهرة، وتتلمذ عليه كثيرون من المصريين وغيرهم، ثم وصل إلى مدرس أول بالمعهد، ثم انتقل إلى تفتيش المعاهد الأزهرية بالإدارة العامة، ثم رقي إلى مفتش أول عام، إلى أن أحيل على المعاش سنة 1997، وعين شيخًا لعدة مقارئ، أولاً مسجد الهجيني بشبرا، ومسجد عين الحياة الذي كان يخطب فيه الشيخ عبد الحميد كشك، وكان يجل الشيخ عبد الحكيم، ويحضر المقرأة من أولها إلى آخرها، ثم مقرأة مسجد الشعراني، ثم شيخًا لمقرأة مسجد السيدة نفيسة، ومقرأة مسجد السيدة سكينة، ثم شيخًا لمقرأة الأزهر، كما كان وكيلاً للجنة تصحيح المصاحف بالأزهر..ومن تواضعه أنه عُرضت عليه مشيخة المقارئ أيام الشيخ رزق حبة، فقال: لا أكون شيخًا لها والشيخ رزق حبة موجود، وبعد وفاة الشيخ رزق نزل عنها رسميًّا، فتقلدها تلميذه الشيخ المعصراوي.
زار الشيخ بلادًا عدة مُصليًا، وتاليًا بالقراءات، في شهر رمضان وغيره، ومعلِّمًا، وحكَمًا في المسابقات، وكان شيخ الأزهر جاد الحق يختاره للذهاب إلى هذه الرحلات والمسابقات،كما شيخ مقرئى الجامع الأزهر لأكثر من أربعين عاما، وموجه أول بالأزهر، ورئيس لجنة التحكيم فى المسابقة العالمية للقرآن الكريم، وهو حائز على أعلى وأقدم الأسانيد القرآنية لإجازة التلاوة والقراءة بشهادة المملكة العربية السعودية، وينتهى سنده إلى الصحابة الكرام: الإمام عليّ بن أبى طالب وعثمان بن عفان وأُبيّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رحم الله الشيخ عبدالحكيم عبداللطيف وأسكنه واسع جناته قدر ما قدَّم لكتاب الله، وعزاؤنا فيه أن تلاميذه يملأون الأرض تلاوة تخشع لها الجبال.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة