عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس


عبد الهادي عباس يكتب: القارئ الذي أذاب جليد الخلافات السياسية بحنجرته الذهبية!

عبدالهادي عباس

السبت، 23 أبريل 2022 - 02:36 م

يحن المسلمون في كل بقاع الدنيا في هذه الأيام الرمضانية المنفوحة برحمات السماء إلى صوت القارئ الكبير عبد الباسط عبد الصمد، صوت السماء، والحنجرة الذهبية، الذي ملأ قلوب المسلمين بتلاواته القرآنية الفريدة، والوحيد من بين أقرانه الأفذاذ الذي لا يزال مؤثرًا في كل قراء العالم العربي والإسلامي حتى الآن.
وهناك جوانب أخرى لا يعرفها الكثيرون عن إسهامات القارئ الكبير في دعم القوى الناعمة لمصر في إفريقيا؛ وقد يأسى الكثيرون على تراجع قوة مصر الناعمة في البلاد الإفريقية والإسلامية، ولكن حتى هؤلاء لا يملكون سوى استثناء القارئ الشهير من هذا التعميم المُخلِّ؛ وذلك لأن الواقع يؤكد أن هذا الصوت المنفوح بمدد السماء لا يزال يضع مصر في قلب كل مسلم محبٍّ لكتاب الله أيًّا كانت جنسيته؛ بل إن صوته كان يُذيب جليد الخلافات السياسية المتغيرة التي لا تتوحد إلا على محبة تلاوته، وتنشئ المدارس القرآنية التي تحمل اسمه تكريمًا وإجلالًا لهذا الصوت المصري القادم من أغوار الصعيد الجواني، قرية المراعزة مركز أرمنت بمحافظة قنا، (غرة يناير 1927-30 نوفمبر 1988)، ليُذهل أساتذة الأصوات العالميين- حيث توجد دراسات أجنبية عن طبقات صوته- قبل أن يُذهل كلَّ أذنٍ واعيةٍ تعي معنى: "فاستمعوا له وأنصتوا"، خاصة أنه كان أول قارئ في العالم الإسلامي يُسجل القرآن بالقراءات السبع.


زار الشيخ عبد الباسط عبد الصمد معظم دول العالم فاستقبله الرؤساء بحفاوةٍ تليق بنقاء صوته، وعرض عليه ملك المغرب الجنسية المغربية فاعتذر بأدب معتزًّا بوطنيته وسجل القرآن للإذاعة المغربية بقراءة ورش؛ والغريب أنه منذ من عامين أهدت أسرته هذه القراءة كاملة إلى إذاعة القرآن الكريم بعدما حصلت على نسخة منها من الإذاعة المغربية، ولكنها لم تُذع حتى الآن!        
ما لا يعرفه الكثيرون أيضًا أن الشيخ الذي أدهش العالم بطلاوةِ صوتهِ كان أبعدَ الناسِ عن الغرور، كما أنه كان يهتم بهندامه كثيرًا، حتى إذا كان لديه موعد للقراءةِ فإنه يتوضأ ويصلي ويتغير وجهه ولا يبدأ أحدًا بالحديث، بل ولا يرد على أحدٍ إلا في الضرورة القصوى وبأقل الألفاظ، وكانت أسرته تعلم ذلك منه وتحترمه؛ فإذا اتخذ جلسة القراءة وبدأ التلاوة انعزل عن الحاضرين وعن الحياة كلها واندمج في القرآن اندماجًا تامًّا، وهذا ظاهرٌ في تسجيلاته المرئية الموجودة الآن، فإذا أثنى الناس على قراءته بعد الانتهاء لا يزيد على ترديد عبارة واحدة: أن ذلك كان من فضل الله عليه؛ حيث كانت لديه قناعةٌ أن القرآن إنما هو هبةٌ من الله وحده ولا فضل لشخصه فيها.
قرأ الشيخ في أشهر مساجد الأرض: في المسجد الحرام والمسجد الأقصى وغيرهما، وفي كبريات المناسبات في قصور الملوك والأمراء والسلاطين والرؤساء، وقرأ في وفاة الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات الذي شهد لحظة اغتياله، حيث كان قارئ المنصة يومها؛ كما قرأ في بلاط الملك سعود بن عبد العزيز أثناء زيارته الأولى للمملكة لأداء فريضة الحج في عام 1951م.
حصد الشيخ عبد الباسط مجموعة كبيرة من الأوسمة العالمية منها: وسام الاستحقاق الذي منحه إياه رئيس مجلس الوزراء السوري صبري العسلي عندما قرأ في المسجد الأموي بسوريا عام 1956م؛ ووسام الأرز الذى قلّده إياه الرئيس سامي الصلح في لبنان؛ ووسام الاستحقاق الذي أهداه إياه الرئيس السنغالي الأسبق والمفكر الكبير ليوبلد سنجور؛ ووسامًا من ملك المغرب؛ ووسامًا آخر حصل عليه الشيخ قبل انتقاله إلى جوار ربه من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بمناسبة الاحتفال بليلة القدر فى عام 1986، إضافة إلى مجموعة كبيرة أخرى من الأوسمة؛ غير أن الوسام الأكبر هو رضا الله عز وجل عنه، حيث اجتباه لتلاوة كتابه ووضع محبته في قلوب المسلمين إلى يوم الدين.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة