العنف يسود شوارع فرنسا
العنف يسود شوارع فرنسا


العنف يسود شوارع فرنسا: اشتباكات دامية بين الشرطة والطلاب بسبب الانتخابات

أخبار الحوادث

السبت، 23 أبريل 2022 - 03:50 م

كتبت: مى السيد

مظاهرات واشتباكات وطائفية.. تجاذبات سياسية وعنصرية.. استقطابات واحتجاجات وأعمال عنف ضد النتائج».. كانت تلك الكلمات هى الوصف الحقيقى لما يحدث على الأراضى الفرنسية بالتزامن مع إجراء الإنتخابات الرئاسية، التى شارك فيها عشرات المرشحين من مختلف الأطياف السياسية.

 

وكما كان متوقعًا قبل بدء الانتخابات، أظهرت نتائج الجولة الأولى عن صراع شرس بين اليمين الوسطى المعتدل المتمثل فى ايمانويل ماكرون، واليمين المتطرف المتمثل فى مارين لوبان، وأظهرت الأرقام التى أعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية أن ماكرون جاء على رأس قائمة المرشحين الـ12 بحصوله على 27.84٪ من الأصوات، وجاءت لوبان فى المركز الثانى بنسبة 23.15٪، ويحسم الناخبون الفرنسيون السباق بين ماكرون ولوبان فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المقررة فى 24 ابريل الجاري.

 

عشية إعلان نتيجة الانتخابات فى الجولة الأولى، خرج الآلاف من المحتجين أغلبهم طلبة من جامعة السوربون، التى يصفونها بأنها مهد الثورات، فى عدد من المدن الفرنسية، وذلك احتجاجًا على عدد من الأمور أهمها احتمالية فوز ابنة اليمين المتطرف مارين لوبان، ورفع المحتجون لافتات «لا للوبان» و «لا لماكرون» و «الثورة واجبة».

 

لم يتوقف الأمر على الاحتجاجات فقط بل اندلعت أعمال عنف دامية واشتباكات بين الأمن والمتظاهرين، خاصة فى شمال غرب فرنسا، حيث أطلقت خلالها الشرطة قنابل الغاز لتفرقتهم، وحدثت عمليات كر وفر طوال الليل، وهم يهتفون بشعارات مناهضة للرأسمالية والفاشية، وأشعلوا النار فى معدات البناء والنفايات والأثاث العمومى.

 

تدافعت وسائل الإعلام الفرنسية والوكالات العالمية على تغطية الأحداث الدامية، وتصدرت عناوين الصحف الفرنسية والقنوات المحلية، وقال المحتجون إنهم يطالبون الفرنسيين بعدم التصويت، مؤكدين أنهم سئموا من الاختيار دائما بين الأقل سوءًا فى الناجحين، معتبرين نتائج الجولة الأولى بأنها اسقطت مصداقية الانتخابات، وبالنسبة للمحتجين كما صرحوا لوسائل الإعلام الفرنسية يعد المنال فى صناديق الاقتراع، بل المعركة واجبة الآن فى الميادين، معتبرين أن وصول لوبان التابعة للجبهة الوطنية، إلى الجولة الثانية هو فشل بكل المقاييس، حتى بالنسبة لماكرون، لأن ذلك سيجعل أفكارهم العنصرية والهدامة شيئًا طبيعيًا.

عنصرية وتطرف

تاريخ مارين لوبان ووالدها شاهد على مدى تشددها ضد المسلمين جميعًا ومعتقداتهم، وهو ما يستغله ايمانويل ماكرون لصالحه لاستقطاب أصوات المسلمين الذين يشكلون نسبة 9% من أصوات الناخبين الفرنسيين وكانت مسألة الحجاب هى العنصر الأبرز فى الصراع المحتدم بين الطرفين.

 

وما زاد الأمر سخونة داخل موضوع الحجاب، هو حادثة تعرضت لها إحدى المسلمات على يد أحد أنصار مارين لوبان، حيث انتشرت الحادثة كالنار فى الهشيم على وسائل الإعلام الفرنسية جميعًا بسبب الفيديوهات المنتشرة للواقعة، وتمثلت فى قيام رجل فرنسى بنزع حجاب فتاة فرنسية محجبة وتعدى بالضرب على أخرى، مرددًا هتافات مسيئة للإسلام والمسلمين، وذلك بمدينة مونبلييه.

 

انتشار الواقعة على نطاق واسع جعل الضحية تقدم شكوى لمركز الشرطة تتهم الرجل بالعنصرية، وهو ما دفع عمدة مونبلييه إلى التعليق على الأمر، حيث قدم دعمه للضحايا، مدينا بأشد عبارات الاعتداء على هاتين الفتاتين، ولابد أن يتم التحقيق فى هذه الواقعة وأدان عدم المتسامح وكراهية الأجانب، لافتًا أن احترام الآخرين هو حجر الزاوية فى المجتمع. 

 

لم يكن هذا التصرف من الرجل الفرنسى نابعًا من الفراغ، بل كان له خلفيات تسببت فى ذلك، أهمها الحملة الشرسة التى تشنها المرشحة للرئاسة الفرنسية مارين لوبان ضد الحجاب خلال جولاتها الانتخابية فى كل مكان والتى أكدت أنه حال انتخابها لرئاسة الجمهورية، ستحظر ارتداء الحجاب فى الشوارع، ووصل الأمر مع لوبان إلى أكثر من ذلك بل قالت إنها ستفرض غرامة مالية لمعاقبة النساء اللائى لا يحترمن هذا الحظر فى حال فوزها بالرئاسة، مؤكدة أن الحجاب بالنسبة لها يعد مخالفة تستوجب أن تفرض الشرطة غرامة عليها تماما مثل مخالفة المرور، وصرحت لوسائل الإعلام أن الحجاب زى موحد فرضه الإسلاميون.

 

وخلال كل مؤتمر انتخابى تهاجم لوبان الحجاب، مشيرة إلى أنه فى بعض مناطق فرنسا يتم عزل النساء اللائى لا يرتدين الحجاب بل ويتم محاكمتهن لأنهن غير محجبات، وكان أشهر واقعة دخولها فى سجال مع امرأة محجبة تحدثت عنها كافة المواقع الإخبارية، خاصة ما صرح به أحد أشهر داعميها فى الجولة الثانية وهو رئيس بلدية بيزيير الذى فاجأ لوبان أمام الجميع بأن سياستها بشأن الحجاب خطأ ولا يمكن تطبيقها.

صراع لوبان لم يتوقف على مواجهة المسلمين فقط، بل تشتهر بعدائها للفرنسيين من أصل المهاجرين، حتى أن أحد جولاتها شهدت هتافات من بعض المناهضين لها مؤكدين لها أنهم أبناء مهاجرين لترد عليهم بكل حسم» اغربوا عن وجهى «.

 

استغلال واستقطاب

كل ما حدث مع لوبان وتصريحاتها بشأن الحجاب جعل ماكرون يستحوذ على أصوات انتخابية على طبق من فضة قدمتها له منافسته مارين لوبان، التى تسعى إلى إلحاق الهزيمة بماكرون وإحداث أكبر تغيير فى تاريخ السياسة الفرنسية الحديثة فى الجولة الثانية للانتخابات، لكن ماكرون يحاول جاهدا استغلال الأحداث من جذب واستقطاب الأصوات الخاصة بالمسلمين فى مختلف زياراته وجولاته الانتخابية، والبالغ تعدادها خمسة ملايين مسلم فرنسى.

 

تحدثت وسائل الإعلام الفرنسية عن أكبر دليل يفعله ماكرون يدل على محاولته المستمرة لاستغلال النتائج العكسية لأفكار لوبان، والذى يقدم نفسه على أنه مدافع عن الحريات، وقال في تصريحات شهيرة حول موضوع الحجاب الذى يفرض نفسه على الساحة بكل قوة، منها أن حظر الحجاب سيعنى دستوريا منع جميع الرموز الدينية بما فى ذلك القلنسوة اليهودية والصليب المسيحى.

 

حوار جانبى بين ماكرون ومسلمة محجبة خلال جولة للناخبين قام بها ماكرون بمدينة ستراسبورغ، كان لها تأثير بالغ على استمالة أصوات المسلمين، والذى سألها عن سبب ارتدائها للحجاب هل هو قصرا أم بكامل إرادتها؟، والتى أجابت بأنه خيارها بشكل تام، ليرد عليها بأن ردها هو أفضل رد على هراء لوبان الذى تردده.

 

فى جولة أخرى قال ماكرون إنه لا توجد دولة واحدة تحظر الحجاب فى الأماكن، موجهًا سؤالا للمشاركين فى المؤتمر الانتخابى، هل تريدون أن تكونوا أول من يفعل ذلك؟، وجاءت حصيلة خطته فى أسرع وقت، حيث سارع مسجد باريس الكبير وتجمع مسلمى فرنسا بإصدار بيان دعوا فيه المسلمين فى كافة أنحاء فرنسا بالتصويت لماكرون يوم الجمعة فى الجولة الثانية من الانتخابات، وأطلق عميد مسجد باريس تصريحات نارية قال فيها للمسلمين إن هناك قوى حاقدة اليوم تريد نفى المسلمين، فلنصوت لإيمانويل ماكرون.

 

ويسعى اليمين المتطرف بشتى الطرق إلى الانقلاب على الحكومة الفرنسية، وقلب الموازين، فى ذلك البلد الأوروبى، محاولا بكل الوسائل المتاحة، سواء سياسيا أو إرهابيا أو عسكريا، السيطرة على مقاليد الحكم، حيث أن الهدف الأول فى أجندتهم هو التخلص من السلطة السياسية المتمثلة فى الحكومة نهائيًا.

وقال خبراء عن نجاح اليمين المتطرف فى الانتخابات أنه لا يعنى أن الشعب يكره الإسلام، ولا يريد مهاجرون، ويريد الخروج من الاتحاد الأوروبي وإذا ما فاز فهذا لا يعنى أن المواطن يتبنى هذه الأفكار إلا من ينتمى لهذا التيار لكن بقية المواطنين يمكن أن يصوتوا على اعتبار أن هذا الوجه الذى لم نجربه أبدا فى الحكم.

 

وأكد الخبراء أن كلا الطرفين يرى أن فرنسا لابد أن تكون فى المكانة التى تستحقها، وكل ما يخص التفاصيل فى حياة المواطن يتفق فيها التياران، الإختلاف يكمن فى أن اليمين المتطرف يرى أن فرنسا لا يجب أن تكون داخل حيز موحد وتتحمل مشكلات بلدان أخرى على سبيل المثال الأزمة التى أصابت اليونان والتى أصابت أسبانيا على المستوى الاقتصادى، فيمكن لفرنسا أن تقدم ما تريد تقديمه بشكل مستقل لبلد أوروبى، ولكن لا أن يفرض عليها أن تكون راعية للحلول وأن تتحمل العبء الأكبر هى وألمانيا.

 

أما اليسار الراديكالى فيرى أن وجود فرنسا فى الاتحاد الأوروبى هو شيء مهم جدا وأن الوحدة الأوروبية ايضا مهمة، كما إن هناك اختلافًا كبيرًا فى ملف الهجرة والتعددية فى فرنسا، فبالنسبة لليسار الراديكالى، التعددية والهجرة هى الوجه الحقيقى، الذى يجسد قيم الجمهورية، الإخاء والمساواة والعدالة.

ولكن يرى اليمين المتطرف أن الهجرة بشكل عام تفسد الثقافة الفرنسية، وتغير من شكل الحياة فى فرنسا، هم يرون أن أوروبا الغربية يجب أن تكون لأوروبا الغربية، وأن المهاجر هو عبء على هذه الدول، وعليهم القدوم للعمل فقط، ولا يمنحوا الإقامة والإستقرار، فهو عبء على خزينة الدولة لأنه يزاحم فى الوظائف، فهم ببساطة يرون أن البطالة موجودة بسبب المهاجرين.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة